خليل السكاكيني وكيس البرغل..!

تعرفت على المربي والمفكر المرحوم عيسى عطا الله، في سني حياته الاخيرة.

عطا الله صاحب العقل النير، الذي وجه انتقادات لا هوادة فيها للمؤسسة الدينية، وفتح افاقا واسعة امام كثيرين للتفكير، لم ير فيه المجتمع المحلي، وقد تجاوز التسعين، الا شخصا يمكن ان يكتب منظومات ترحيب بهذا المسؤول او ذاك، وهو ما كان يفعله عطا الله وكانه "مداح القبيلة".

وكنت استغرب التناقض بين ناقد ثاقب للمجتمع وبناه الفكرية، وبين "تورطه" في مجاملات المدح والاشادة المبتذلة.
قرات رسائل عطا الله الى صديقه نقولا زيادة، المليئة بالافكار والعلم والتحريض، وكانها لشخص اخر، يعيش في كوكب غير الذي يسكنه العرب.
تذكرت عيسى عطا الله وانا اقرا الكتاب الثامن من يوميات خليل السكاكيني، الناقدة والثاقبة والالمعية، ولكنني فوجئت بما يرويه عندما ارسل الامير عبد الله (الملك فيما بعد) بكيس برغل هدية لعوني عبد الهادي، فطلب هذا من السكاكيني ان يرد بمنظومات شعرية كرم الملك وفضله، وهو ما فعله السكاكيني وثبته في يومياته.
معقول ان السكاكيني الناقد بحدة لجوانب بنيوية من الفكر المجتمعي والديني والسياسي، والذي لا تعجبه حفلات التكريم التي يصفها بالمبتذلة، لم يكن في النهاية، عندما يتعلق الامر ببنى المجتمع الفكرية، الا واحدا من الذين ينتقدهم ويثيرون اشمئزازه.
واتذكر ايضا كثيرين من الذين كانوا يملاؤون الدنيا ضجيجا بافكارهم الثورية والراديكالية، عندما اراهم الان، فلا اجدهم، الان، سوى براغي في عجلة منظومة الفكر العربي التي لم تكف عن الدوران منذ ما قبل خروج العرب من جزيرتهم وحتى الان، ولكنها بقيت كما هي: عنتريات قولية، وعشائرية مفرطة، وتقسيم الناس الى اشراف وعبيد، وقريش وغير قريش، واهل البيت والذين ليس لهم بيت، والخ ...الخ..!