أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 16 مايو 2011

أبو عرب..مكابدات الرحيل الطويل والعودة المنقوصة

أجريت لقاءا مع ابو عرب، لم اذكر فيه كل ما دار بيننا، وهرب ابو عرب من سؤال عن جرح مفتوح في الثقافة الفلسطينية، ولا اعرف اذا سياتي يوما يستطيع الكاتب الفلسطيني، ان يقول ويكتب ما يريده، ويجد قارئا مستعدا..، الامر صعب في غابة الفصائل.
فيما يلي نص اللقاء (والاقتباس ممنوع):


لا يكف محمد إبراهيم صالح (أبو عرب)، عن الغناء، وإلقاء النكات، وفي الحالتين، يضع أصابعه على هموم وآلام الجماهير التي غني عنها ولها.
أبو عرب، يزور فلسطين هذه الايام والتقى مع جمهوره، في مدن فلسطينية عدة، لقاءي معه بدأ بالغناء والنكات. أنشد أبو عرب، الذي يوصف بفنان وشاعر الثورة، لربيع الثورات العربية، وهي من أغانيه الجديدة:
"طلعت شرارة في تونس الخضرا
مصر العروبة التهبت بالثورة
الحكام الْخَوّن طلعوا لبره
انشاء الله نهني الثورة الليبية".
ثم غنى لمنتظر الزيدي، الصحافي العراقي، الذي ألقى الحذاء على الرئيس الاميركي السابق بوش، في حادثة شهيرة.
مشاعر متناقضةبدأ أبو عرب حديثه، عن لحظات دخوله إلى فلسطين، التي غادرها، قبل 63 عامًا:
-عندما دخلت إلى فلسطين، شعرت في اللحظات الاولى، بأن عمري كله عاد إلى الوراء 63 عامًا، إلى اليوم الذي خرجت فيه منها، لكن عندما توغلت في أرض فلسطين، ورأيت البؤر الاستيطانية، والحواجز، شعرت كأن أرض فلسطين الطيبة، تحمل مرضًا، على ظهرها. رغم السرور الذي انزرع في قلبي، أشعر بالألم، لمعاناة الاهل هنا.
*كم كان عمرك عندما أُجبرت على مغادرة فلسطين؟
-كان عمري 17 عامًا، عندما خرجنا من قرية (الشجرة)، أتذكرها، وأتذكر دراستي في الناصرة، استشهد والدي، في القرية، وخرجنا إلى قرى فلسطينية اخرى، ولكن بعد أن سلمتها الجيوش العربية للعصابات الصهيونية، خرجت إلى صيدا في لبنان، والتحقت بالعائلة في حمص.
*ما هو أكثر مكان ترغب بزيارته في فلسطين؟
-القدس، ومسقط رأسي قرية الشجرة، وقبر والدي الشهيد في كفر كنا، ولكن لا أعرف إذا كان سيسمح لي بتحقيق ذلك، من قبل الاحتلال.
*يعني انها عودة منقوصة؟
عودة منقوصة و"مغصوصة"، أشعر بالغصة لحال فلسطين واهلها.
الأغنية السياسية
*كيف ترى واقع الأغنية السياسية الان، مع انتشار الأغنية التجارية الخفيفة؟
-لا مستقبل للأغنية التجارية، انا اعتقد أن الفنان المبدع هو من ينتقد، وليس من يمدح. المسؤول الذي يقدم الامور الجيدة، الشعب هو من يمدحه.
*-ماذا عن واقع الأغنية السياسية الفلسطينية، وما رايك بالأغاني الحزبية والتنظيمية؟
-هناك أغان كثيرة جيدة، ولكنني الاحظ على بعض المغنين، أن كل منهم يجعل من تنظيمه هو فقط من سيحرر فلسطين..!، انا اكره أغاني التنظيمات والخاصة بالمسؤولين، يكفي المسؤول اننا قبلنا به، رغم انوفنا، هل سنغني له أيضًا؟
*بالنسبة لك هل أغانيك مستمدة من التراث، ام انك تجدد في التراث الفلسطيني؟
-انا اجدد في التراث، ولي أغان غير تراثية.
*هل تعتقد انك تعمل ضمن خط تجديدي في الأغنية التراثية الفلسطينية؟ ام انك الوحيد الذي تطلع بذلك؟
-يوجد اخرون، ولكن لا اعرف ما هو تأثيرهم، لان غيري من المغنين، يعتمدون على شعراء يكتبون لهم، وملحنين يلحنون، قلما تجد واحدا مثلي يكتب، ويلحن، ويغني معًا.
*هل تأخذ كلمات من احد؟
-لا لا ، لان شعوري عندما اكتب الأغنية غير شعور أي كاتب اخر.
*كم أغنية لك؟
-الاغاني المسجلة رسميًا 334 اغنية.
-هل تحفظها كلها؟.
-نعم أحفظها وأغنيها.
القذافي واخوانه
يقول أبو عرب، انه يتأثر فيما يكتبه ويغنيه، بما يجري حوله من احداث، مما جعله ذلك يتعرض لكثير من المشاكل خاصة في البلاد العربية، فسالته عن طبيعة هذه المشاكل، وهل تعرض للاعتقال؟ اجاب:
-لا لم اعتقل، مُنعت من السفر، طلب مني في بعض المرات المغادرة فورا، من بعض البلدان، وتعرضت لضغوط لأغني للزعماء، مثلا في ليبيا عام 1984، وكنت هناك بدعوة من جهات رسمية لاحي عدة حفلات، طلبوا مني الغناء لمعمر القذافي، فرفضت، وعندما عدت إلى الفندق، اخبرني صاحبه، بانه يتوجب علي منذ الان دفع اجرة الفندق لي ولفرقتي، لان الجهة الرسمية، انهت فترة الضيافة.
قلت لنفسي: معنى ذلك انني سأضطر لبيع منزلي، حتى اسدد اجرة الفندق، فذهبت إلى مكتب منظمة التحرير، وساعدوني في تغطية اجرة الفندق، واستعادة جوازات السفر.
-في ذلك الوقت الذي وقعت فيه هذه الحادثة، كانت "القوى الثورية" تحب القذافي، ولكن يبدو انه كان لك رايا اخر؟
-القوى الثورية "مغرورة"..! انا لا اغني لأي زعيم.
فلسطين والتنظيمات
-هل توجد جهات معينة تدعم الفنان الفلسطيني الملتزم؟
-مرة كان ممثلو الفصائل مجتمعين، في تابين ناجي العلي، وهو ابن عمتي، فقلت لهم اريد ان اقول لكم بيتين من الشعر:
"بتغني للتنظيم اهلا وسهلا فيك
بتغني لفلسطين دوّر على مَنْ يعطيك".
*هل يحتضن الشعب مغنيه امثالك، مع تعذر الدعم من جهات اخرى؟
-لوّ يطلب من الشعب، ان يدعمنا، فانه سيقتطع من خبزه ويعطينا.
يشعر أبو عرب، بانه مدين للجمهور، خاصة الفلسطيني، ويقول بانه اينما ذهب، فإن جمهوره يغمره بحبه، وقال بان اكبر حفلة قدمها قبل سنوات في دمشق وحضرها نحو 25 ألفا، وهو ما يعتبره اكبر دعم له، ويقول:
-محبة الناس في فلسطين لي، وإقبالها عليّ، اكبر دليل، على ان الشعب يقدر الكلمة الصادقة، لقد غمرني الناس بحبهم.
ممنوعات
في مرات كثيرة يتجاوز أبو عرب، ما يُعتبر من جهات معينة، خطوطا حمراء، ولهذا فانه عندما يقدم حفلات في بلدان معينة، او يظهر على محطات التلفزة، غالبا ما يُطلب منه "تخفيف الدوزان" كما يقول، أي عدم غناء بعض أغانيه، فسألته ان يعطني مثلا على تلك الاغاني الممنوعة، فبدأ يغني اغنيته (عيني على الحرية)، والتي يسخر فيها من الاوضاع في الدول العربية.
وبعد ان انهى الغناء، القى نكتة سمعها من الشاعر العراقي مظفر النواب، عن النعرات الطائفية، السنية والشيعية، ثم اتبعها بنكته اخر اسمعها لمظفر، عن نفس الموضوع، ثم اخذ يغني اغنيته (مريم)، والتي يستوحي فيها معاناة مريم العذراء وطفلها، في اسقاط على معاناة الشعب الفلسطيني الحالية.
هموم وآلام
يخفي الوجه الباسم، وخفة الدم، والصوت القوي، وذكاء العبارة، لدى أبو عرب، حزنًا مقيما داخله، من استشهاد والده في معركة الشجرة، ولجوئه، مشردا، إلى لبنان، فسوريا، إلى استشهاد ابنه مَعن، خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1982.
كان ابنه احد المقاومين في الخطوط الامامية، وعندما استشهد، لم يعرف أبو عرب قبره، حتى طلب قبل سنوات مساعدة حزب الله، واتصل بأمين عام الحزب السيد حسن نصر الله.
يروي أبو عرب:
-عثر حزب الله على القبر في قرية (عين عطا)، كانوا تسعة اشخاص دفنوا في قبر واحد، بقيت جثثهم مرمية في العراء، يومين، دون ان يجرؤ احد على دفنهم، خشية من جيش الاحتلال، حتى تقدم شخص من (قرية عين حرشة) اسمه أبو الياس، وهو قومي سوري، فغامر واتى بجرافة لحفر القبر، ولم يأبه بتحذيرات مَنْ حوله، خشية بطش المحتلين، وقال: "سأدفنهم، واللي بده يحصل يحصل"، وعندما قابلته، اخبرني انه دفن التسعة وقرا على ارواحهم "الحمد" و"ابانا الذي في السموات".
جرح اخر يعتمل في نفس أبو عرب، وهو استشهاد ناجي العلي، وعندما سالته عن الموضوع، وحاولت ان اتحسس ردة فعله على تفاصيل في عملية الاغتيال، تنهد واسمعني اغنيته في رثاء ناجي العلي:
"بدي اسال سؤالي يا تجار الزعامة الثّوْرَوّية
القتل أولى بمن في الحرب فلو".
ران صمت عميق بيننا، ورثينا لبلاد، لا تحب مواجهة الحقيقة، في معظم الأحيان.

هناك 5 تعليقات:

  1. شكرا كثيرا على التغطية الرائعة وفي الحقيقة ابو عرف هو فنان الثورة الفلسطينة وستبقى اغانيه خالدة للأجيال القادمة وعلى ممر السنين

    ردحذف
  2. Hello there! This blog post couldn't be written much better! Looking at this post reminds me of my previous roommate! He continually kept talking about this. I'll
    forward this article to him. Pretty sure he
    will have a good read. Many thanks for sharing!
    Also visit my web blog ... english premier league transfer news 2011 2012

    ردحذف
  3. Quality articles is the key to invite the viewers to pay a visit the web page, that's what this web site is providing.
    Here is my web blog ... epl transfer news epl transfer rumours

    ردحذف
  4. Hi, i read your blog occasionally and i own a
    similar one and i was just wondering if you get a lot of spam responses?

    If so how do you protect against it, any plugin or anything you can suggest?
    I get so much lately it's driving me mad so any support is very much appreciated.
    Visit my web-site : football transfer news and gossips

    ردحذف
  5. Howdy! This article could not be written any better! Going
    through this article reminds me of my previous roommate!
    He constantly kept preaching about this.
    I am going to forward this information to him. Fairly certain he'll have a good read. Many thanks for sharing!
    my webpage: liverpool transfer rumours news

    ردحذف