يمضي ماتيوس القسيس، فترة طويلة في مزرعته الصغيرة في منطقة المخرور، التابعة لمدينة بيت جالا، جنوب القدس المحتلة.
ليس فقط الحب وإنجاز العمل الكثير الذي ينتظره في مزرعته، هو ما يجعله يقضي الوقت الطويل في المزرعة، ولكن إحساسه المبرر، كما يصفه، بضرورة وجوده في المكان، مع وجود "جيران" مثل جيرانه، فلا يفصل بين مزرعته وبؤرة استيطانية، سوى جدار حجري قصير.
قبل سنوات قليلة فوجئ القسيس والأهالي في محافظة بيت لحم، بإقامة بؤرة استيطانية في المخرور، وهي منطقة ذات طبيعة خاصة، وملجأ المواطنين، للترويح عن أنفسهم. والبؤرة عبارة عن مزرعة أغنام، تسكن فيها عدة عائلات من المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال.
الوجود الاستيطاني في المخرور، الغني بعيون المياه، غير الوضع في المنطقة المدرجة على قائمة التراث الثقافي لدى اليونسكو، كجزء من مصاطب الزيتون والعنب، جنوب القدس المحتلة.
أصبح الوجود الاحتلالي، العسكري والاستيطاني، في المخرور، عائقا أمام تدفق المواطنين إلى المنطقة، مع تصاعد إجراءات قمعية احتلالية أخرى مثل عمليات الهدم والتجريف، ومنع المواطنين من ترميم المناطير الصيفية، التي يشتهر بها المخرور، وأحيانا هدمها، وهي تشكل جزءا مهما من التراث الثقافي الفلسطيني.
أدرك ماتيوس، الذي يعمل دليلا سياحيا، أن وجوده في المزرعة، أصبح واجبا عائليا ووطنيا، أكثر من أي وقت مضى، فبدأ عملية قلب للأرض، وتأهيل وزراعة قطعة الأرض المستهدفة من البؤرة الاستيطانية، التي خططت لابتلاعها، لتكون طريقا لها إلى طريق رئيس في الموقع.
يقول ماتيوس: "لقد قلبنا الأرض، بعرق الجبين ولم يكن ذلك سهلا، مع منع الجرافات من الدخول إلى أرضنا، من قبل قوات الاحتلال، والاستعانة بها في العمل"
استصلاح قطعة الأرض، بدأها والد ماتيوس، منذ نحو أربعين عاما بزراعة أشجار المشمش البلدي (المستكاوي)، ولاحقا أشجار الزيتون، وأكمل ماتيوس ما يعتبرها رسالة ومهمة.
ساعدت أجواء وباء الكورونا، التي فقد ماتيوس، خلالها، عمله مع توقف القطاع السياحي، في إعطاء جل وقته للمزرعة في المخرور، وتعلم أساليب الزراعة، وحراثة الأرض، ومزج التراب بالسماد، وغيرها من مستلزمات العمل الزراعي.
يقول ماتيوس: "لو تركنا الأرض خلال فترة الكورونا، لابتلعها المستوطنون، ولكنني بذلت الجهد، لأكون دائما هنا، رغم الظروف، والمخاطر، وصعوبة الوصول".
عمل ماتيوس، في ظروف صعبة، مع وجود البؤرة الاستيطانية، واستهداف الاحتلال، فمثلا هدمت سلطات الاحتلال بئرا في المزرعة، وقصرا صيفيا.
أنجز ماتيوس، بمساعدة والده، بناء جدران حجرية (سناسل) حول المزرعة، لمنع تمدد البؤرة الاستيطانية، التي استغل المستوطنون فيها أي إهمال صاحب أرض لأرضه، وعدم وجوده، للتمدد وابتلاع ما يمكن ابتلاعه.
تطل مزرعة ماتيوس، على عصف الاحتلال بالمكان، حول القدس، مثل الحاجز العسكري الاحتلالي الضخم، على شارع الستين الاستيطاني، المقام على أراضي المخرور، إضافة إلى الأنفاق في الشارع، والعمل ما زال مستمرا لتوسيع الشارع، ما أدى إلى ابتلاع مئات دونمات من أراضي المخرور، والمستوطنات التي أقيمت على أراضي مدينة بيت جالا، مثل مستوطنة جيلو، التي يزيد عدد من يقطنها الآن، عن 45 ألف مستوطن.
بجانب حدود المزرعة غرفة حراسة للمستوطنة، وأعلام احتلالية من الجهات كلها، تنغص على ماتيوس وجود في المزرعة. يقف ماتيوس، محاطا بأشجار اللوز، والمشمش، والزيتون، والخوخ، والعنب قائلا: "أتابع ما بدأه جدي، ووالدي، ولن أترك الأرض، وأشجع أهالي مدينة بيت جالا، ومحافظتي بيت لحم والقدس، وكل مواطن، أن يكثفوا وجودهم في المخرور، كما كان قبل سنوات، علينا الوجود في هذه المنطقة، والتمشي فيها، أشعر بحزن، لأن كثيرين لم يعودوا يأتون إلى هنا، منذ تأسيس البؤرة الاستيطانية".قبل سنوات أصدر الشاعر سابا قعبر ديوانا بعنوان (لا تتركوا المخرور)، كان بمثابة صرخة للحفاظ على منطقة المخرور، محذرا من التغول الاستيطاني فيها.
https://www.alhaya.ps/ar/Article/136601/%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%88%D8%B3-%D8%B5%D8%A7%D9%85%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%B1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق