من أعلى قمة تلة، ما
زال فيها بقايا قلعة صليبية، يمكن رؤية المساحات السهلية الممتدة في منطقة اللطرون
الإستراتيجية، بين القدس والساحل الفلسطيني، التي شهدت معارك في عامي 1948 و1967م.
لا تشهد بقايا
القلعة، التي تظهر مجدها السابق، على ذلك المجد الغابر فقط، ولكن ترميمات،
بالباطون والحديد، تشير إلى إعادة استخدام، في المعارك التي خاضها العرب ضد
العصابات الصهيونية في عام 1948، ووريثها جيش الاحتلال في عام 1967م.
يمكن، من بقايا
القلعة، معاينة ما تبقى من معالم اللطرون، كديرها الشهير الذي أسس عام 1890،
وكنيسة عمواس، وأيضًا، ما أصبح معالم على تهويد المنطقة، وأبرزها منتزه كندا، الذي
أقيم بعد تطهير قرى اللطرون الثلاث: يالو، وبيت نوبا، وعمواس، وهدم منازلها، وإنشاء
هذا المنتزه.
تطهير القرى الثلاث
عرقيا، كان أحد الأحداث الدرامية في الحرب القصيرة، ولكنها، لم تكن الوحيدة التي
طهرت عرقيا، فمثلها حدث مع أهالي قرية النبي صموئيل، التي دمر المحتلون منازلهم
حول المقام الإسلامي، الذي حول لاحقا إلى "حديقة وطنية"، وطردوا منها،
حيث صمدوا على أراض أخرى في قريتهم، ومع أهالي قرية الحبيلة في التجمع الاستيطاني
غوش عتصيون الذين أصبحوا لاجئين في المخيمات حول مدينة بيت لحم.
قاوم أهالي القرى
الثلاث التهجير، وهاموا على وجودهم، نحو ستة أيام، قريبا من منازلهم، وسط النيران
الكثيفة، والجوع، واحتياجات الأطفال، وكبار السن، وفي النهاية وصلوا إلى قرية بيت
سيرا، ومنها إلى مدينتي رام الله والبيره.
من منشآت الاحتلال
الجديدة، في سهوب اللطرون الممتدة، منتزه ميني إسرائيل، في الطريق من اللطرون إلى
الرملة، وحسب تقرير للصحفي آدم راتز في صحيفة هآرتس يوم الجمعة الثامن من الشهر
الجاري، فإن نحو 80 جنديا من قوات الصاعقة المصرية، قتلوا حرقا، ودفنوا في مقبرة
جماعية، حفرت على عجل، جزء منها تحت موقف السيارات التابع لمنتزه ميني إسرائيل.
في الثاني من حزيران
1967م، نشرت كتيبتين في قوات الصاعقة المصرية، على الجبهة الأردنية، بعد زيارة
مفاجئة للعاهل الأردني الراحل الملك حسين، إلى القاهرة، وإبرام اتفاقية دفاع مشترك
مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وتعيين العسكري المصري عبد المنعم رياض، قائدا
للجبهة الشرقية.
حسب مصادر مصرية، فإن
من مهام جنود الصاعقة، كان الوصول إلى مطارات إسرائيلية وتفجيرها، لكن ما حدث
لاحقا، ما زال غامضا، وجعل الجنود يقعون في مرمى نيران قوات الاحتلال، التي قصفتهم
بالنابالم، فقضوا حرقا.
يتذكر عدد من كبار
السن من قرى اللطرون، الجنود المصريين، ويقدرون استشهادهم دفاعا عن الأرض
الفلسطينية، وكيف ساعدوا الناجين منهم، في الوصول إلى أماكن آمنة.
الكشف عن المقبرة
الجماعية للجنود المصريين، الذي أثار غضبا عربيا ومصريا، أعاد طرح ملف الجنود الأردنيين
المفقودين في حرب حزيران 1967م.
يقول نادر دكرت، من
مدينة بيت ساحور، أن ابن مدينته الجندي عوني خليل الساحوري، أرسل رسالته الأخيرة
إلى ذويه، من منطقة اللطرون، ولكن بعد أن صمتت المدافع، لم يظهر، واعتبر شهيدا،
ووفق سجلات الجيش الأردني، فإن تاريخ استشهاده هو 6 حزيران 1967م.
كثيرون من الجنود الأردنيين
المفقودين، قيدوا في نفس تاريخ الاستشهاد، وما زال مصير العشرات من الجنود الذين
قاتلوا في محور التلة الفرنسية-الشيخ جراح، مجهولا.
يطالب دكرت، بعد
الكشف عن مقبرة الجنود المصريين الجماعية، بالبحث والتقصي عن مكان دفن المفقود،
ولا يستبعد أن يكون الساحوري، وغيره من جنود، قد دفنوا في المقبرة الجماعية، أو في
مقبرة أخرى.
يسود الهدوء موقف
المركبات في منتزه ميني إسرائيل، يشبه صمت السهوب الممتدة المحيطة به، التي نزفت
عليها دماء الجنود العرب، وروتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق