أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 30 نوفمبر 2014

أبو بكر يحاكم السرد الفلسطيني



خدم الأديب الفلسطيني وليد أبو بكر الثقافتين الفلسطينية والعربية، عبر ما قدمه من روايات، ونقد، وترجمة، ومعالجات صحافية، بالاضافة إلى نشاطاته الثقافية المتنوعة، ومنها ادارته لمركز اوغاريت الثقافي في مدينة رام الله، الذي قدم العديد من الكتّاب الفلسطينيين إلى الساحة الأدبية.

يصف البعض أبا بكر بأنه "حنبلي"، في إشارة إلى أحكامه الأدبية التي يراها البعض قاطعة، في حين يراها هو بأنها غير مجاملة. ويصفه صديقه الشاعر أحمد دحبور بأنه "لا يعجبه العجب"، أمّا الأديبة الكويتية ليلى العثمان فروت في حديث تلفزيوني، كيف أبدى أبو بكر موقفا متشددا من عمل أدبي قدمته له في بداياتها، وقبل ان ترتبط به، دلالة على عدم مجاملته في ما يخص النصوص الأدبية.

يفخر أبو بكر بأن عمله الجديد (المزاج في النصّ الأدبي ومخاطر التطبيع في السرد الفلسطيني-المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت 2014)، هو مثار اعتزازه أكثر من كثير مما كتب، وهو كثير، ويبرر ذلك بأن هذا الكتاب سيفتح: "مجالا ربما لم يرد إليه قلم من قبل، بهذا التجرد، وبهذه الخصوصية المقررة مسبقا، والتي قصدت أن تغفل الخضوع لأي عامل خارج النصّ، الذي يتشكل من محاكمته رأي يعني بان يكون موضوعيا بقدر ما يستطيع، سواء كان ذلك العالم شهرة تسبق صاحبه وتمنحه الحصانة، أو حساسية قد تكون لها آثار، دون ان أزعم أكثر من انني فتحت باباً أحببت الدخول فيه. وكنت أعرف انه ليس من الممكن، منذ المبادرة الأولى، قول كل ما يجب أن يقال حول هذا الموضوع الدقيق، وإنما هو محاولة لقول شيء قد يكون كثيرون قادرين على ان يقولوا خيراً منه، في المستقبل، حين يعالجون هذا الموضوع، وحسبي انني لم أتردد".

والمكانة التي ارتضاها الكاتب لنفسه في معالجة الموضوع، يحددها في المقدمة: "إن حماية الأدب الفلسطيني من الخلل والزلل، ومن الدخلاء أيضا، هو الهدف الذي وضعته هذه الدراسة أمامها، وتمنت ان تنجح فيه". وقد يختلف البعض حول طبيعة هذا الهدف، وعلى تحديد تعريف "الخلل" و"الزلل"، وحول قدرة دراسة أو دراسات، أو أديب أو مؤسسات الاطلاع بذلك.

يلاحظ أبو بكر بأنه في مرحلة اتفاق أوسلو التي يصفها بـ "زمن الوهم"، وما حملته من مستجدات سياسية واجتماعية، جعلت بعض الكتاب يشعرون: "بأن القضية أخذت تفلت من قدرتهم على الاستفادة منها، كما كانوا يفعلون عبر سنوات طويلة سابقة، ادعوا خلالها انهم مرتبطون بها عضوياً، متفانون من أجلها، تبين لهم أن السبيل الوحيد المتاح أمامهم، في الفترة الجديدة، هو التعلق بحبال الاحتلال، فكان ذلك أحد الاسباب التي مهدت لتكاثر مفاجيء في الشخصيات اليهودية والإسرائيلية في الأراضي المحتلة بشقيها، وفي خارجها في بعض الحالات".

ويستعرض، دون ذكر أسماء أو مؤسسات أو "جهات راعية" أو وكلاء و"قيادات ثقافية بحكم الواقع"، نشاطات أدبية تصب فيما يسميه "مشروع التعايش الذي طرحته الدول الراعية لاتفاقات اوسلو".

ويغري هذا الفصل من الكتاب، باجراء تحقيق صحافي استقصائي، لمعرفة حجم الخراب، كما يصف البعض الواقع الثقافي الفلسطيني، والجهات المسؤولة عنه.  

يتضمن الكتاب، فصلا نظرياً عن مفهوم المزاج، مؤكدا على ان: "العمل الأساس لضبط المزاج هو ان يكون لغة تواصل داخلية، حساسة ومؤثرة، بين الكاتب وقارئه".

يتطرق أبو بكر إلى عدد من الروايات الفلسطينية التي صدرت في السنوات الأخيرة، بالنقد الشديد، متهمها بالوقوع في فخ التطبيع، وينوه إلى ان معظمها لا يعتبرها روايات، رغم ان بعضها يحمل أسماء شعراء وكتاب حققوا شهرة واسعة.

ويرى أبو بكر: "مضت بعض الروايات الفلسطينية في مسارات متدرجة في خدشها للمزاج الروائي، بما يخرج عن الهدف الذي تتوجه اليه، فابتدأت أولا بالتقليل من شأن الفلسطيني، ثم سارت نحو امتداح العدو في بعض سماته، حتى قبول العدو، احتلاليا وثقافيا، كجزء من واقع، يفترض أن تكون العلاقة به طبيعية أو مقبولة، استنادا إلى هذا الواقع الجديد، لا إلى قضية الحق الذي يجب الدفاع عنه أمام كل شروط الواقع المفروض بالقوة، التي تهدف إلى تغييب هذا الحق".

ويلاحظ: "ان الوصف الايجابي لظروف الاحتلال متوفر إلى حد كبير في بعض الروايات الفلسطينية، ربما تحت وهم العواطف الانسانية، أو تحت خداع الواقعية الطبيعية، وهي أمور لا تنسجم مع الفن الروائي إلا إذا خضعت للمزاج العام فيه".

وألحق الكاتب بدراسته، ملحقا بمقالات سبق نشرها تتعرض لبعض الروايات التي ناقشها في دراسته، وايضا ملاحظات اتحاد الكتاب الفلسطينيين، التي كان يحرر أبو بكر منشوراته، ويرأس تحرير مجلته، حول رواية فازت بجائزة مؤسسة القطان في رام الله.

من الملاحظ من خلال دراسة الكاتب، والأحكام التي أصدرها تجاه الأعمال السردية التي ناقشها، أنها برأيه تشكو من قصور فني، وبعض هذا القصور فاضح، مثل مسرحية، خصص لها مقالة طويلة، مع انه رفض اعتبارها نصاً مسرحياً، بل أيضا اعتبر أن النص: "لا يستحق أن يشار اليه كعمل أدبي أيضا".

وهذا ما يطرح عدة أسئلة حول آلية أبو بكر في انتخاب النصوص التي درسها، وإذا تم التسليم بوجهة نظره تجاه هذه الأعمال، فهل هذا يؤكد ان الشكل الفني المتقدم، لا يعبر الا عن مضمون متقدم؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق