أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

ليست رواية ولكن../رائد الحواري


تم طرح هذا العمل على انه رواية، لكن بعد قراءته تبين لنا بأنه مجرد شهادات أقرب منها إلى الرواية، فالكاتب يتحدث عن المعتقل الإسرائيلي في "المسكوبية" تحديدا، وكيف تم تحويل مكان، من المفترض أن يكون ذا طابع تاريخي ديني، إلى معتقل يمارس فيه اشد أنواع التعذيب، فقد سماه الفلسطينيون "المسلخ" لشدة البطش الذي يتعرضون له، كما نجد في العمل كم كبير من السرد الصحفي للأحداث التي تجري في فلسطين المحتلة وما يواكبها من ردات فعل عربية ودولية، وقد تناول الكاتب جوانب من التاريخ "للمسكوبية" وأيضا لتاريخ مدينة القدس، كل ذلك ضمن الحديث عن معتقل "المسكوبية".

الكتاب ينسجم تماما مع أدب السجون تحديدا، ولا يمكننا أن نضعه ضمن الأعمال الروائية، التي لها خصائص معينه، فهو نص أدبي تسجيلي عن إحدى المعتقلات الإسرائيلية في منطقة القدس، وهنا تكمن أهمية هذا العمل من خلال تناوله لحالات المعتقلين الفلسطينيين ووحشية المحتل، الذي يمارس أشد أنواع البطش ضد مواطنين يسعون للتعبير عن مشاعرهم الرافضة للاحتلال، كما أن المكان له وضع خاص ليس للفلسطيني وحسب بل للعربي والمسلم أيضا، وهنا يضاف ميزة أخرى لهذه الشهادات.

بقي أن نقول بان العمل من منشورات مركز أوغريت، رام الله عام 2010ن ويقع في 159 صفحة حجم متوسط، وقد تم تقسيمه إلى ستة فصول، منها ما هو تسجيلي للأحداث وردات الفعل كما هو الحال في فصل "زميلي الإرهابي" ، ومنها ما هو تاريخ المكان كما هو الحال في فصل "المسكوبية" ومنها ما يتناول تفاصيل الاعتقال كما جاء في فصل "ثلوج أيار" ومنها تناول تفاصيل الأحداث كما جاء في فصل "أبو العلم وآخرون"، قبل الفض من الحديث عن الكتاب نؤكد على أهمية التفاصيل التسجيلية فيه، وعلى طريقة طرح الكاتب "أسامة العيسة" فهناك مشاهد من الصعب على الإنسان أن يتحملها، فقد أتقن تماما في سردها وبتفاصيلها التدقيقية، كما نجد في الكتاب تجاوز الطائفية والنظرة الدينية الضيقة من خلال تناوله لشخصية أنطون الذي قضى نحبه، وكما نجد الطرح الاممي من خلال تناول شخصية أبراهام الأثيوبي.

ولابد من التذكير من وجود صور أدبية جميلة تخفف من حدة العمل وشدة وقعه على المتلقي عندما قال عن الثلج: "اقتنعت، لا أعرف كيف، بان ثلج المسكوبية، الذي لا أراه، اسود، لا يمكن أن يكون ابيض أبدا، الناس في بلادي، لأسباب ما زلت اجهلها، يحبون البياض ويغنون له، لا بد أن ثلج المسكوبية يختلف عن ثلجنا، ثلج المسكوبية اسود، وثلجنا ابيض" ص71، فهنا حول الكاتب حقيقة طبيعية وراسخة إلى موضع شك، ويمكننا أن نقتنع بما يقول بعد أن نعرف طبية الحالة التي عاشها في المسكوبية.

وعندما تناول استباحة الجسد من المحتل، وكان بلا قدرة أو قوة على حمايته قال عنه: "... كل ذلك يجعل السجين في حيرة مع هذا الوجه الجديد عليه، هل هو وجهه فعلا، أم وجه آخر ركب له دون أن يدري؟ سيكره هذا الوجه وربما يكره أعضاء أخرى من جسده، عندما يجدها مستباحة دون إن يكون باستطاعته أن يفعل شيئا لحمايتها" ص67و68، بهذا الوصف جعلنا الكاتب نحس بحجم المأساة التي مر بها، وبحجم الجريمة التي تمارس في المعتقلات الإسرائيلية. فقدم لنا ما يدعم ويؤكد قوله ويجعل القارئ يشعر بمأساته.

ويطرح لنا مقولة تصلح لان تكون حكمة لكل معتقل عندما قال: "تريد أن تنتصر على محقق يجب أن تراه مجرد خادم، يدافع عن قضية خاسرة" ص41، فهنا جعل من الضحية هي المتحكمة بجلادها، فهي تريد إثبات ذاتها من خلال صمودها وتعرية هذه الآلة غير الإنسانية التي تعيث بطشا وقمعا بالناس.

ومن العوامل التي تساعد على الصمود إقناع الذات بأهمية ما يقوم به المناضل فيحلل الواقع ضمن هذا السياق " نظرتي الخاصة بان الاحتلال هو الذي غير حياتي، ربما لو لم يكن الاحتلال موجودا، لكنت واحدا من هؤلاء الليليين" ص84، فهنا المعتقل يقنع نفسه بأنه صاحب قضية وان الاحتلال ـ رغم بطشه ـ له ميزة تتمثل في إخراج القدرات الكامنة في المناضل.

وقد تحدث عن الزمن بطريقة رائعة فقال: " الزمن نسبي في المعتقل، عندما تكون في الزنزانة، تكون أقصى أمانيك الخروج منها إلى غرف السجن، وعندما ينتهي التحقيق وتنضم لزملائك في الغرف تصبح أيامك ثقيلة الوطـأة، وإذا كنت تعلم أن أيامك فترة طويلة في السجن، تصبح أمنيتك الانتقال إلى سجون مركزية، أما إذا علمت انك ستمضي أياما وتخرج، فتصبح الأيام طويلة، والانتظار أصعب، وكلما اقترب الموعد تزيد طولا، حتى يخيل إليك أنها لن تمضي" ص98، من خلال هذا الكلام عن الوقت، والذي ينم عن خبرة وتجربة حقيقية مر بها الكاتب، فهو يلخصها يقدم لنا فلسفته عن الوقت، وكيف يشعر به الإنسان في المعتقل، فالتجربة جعلته صاحب رؤية فلسفية.

ختاما نقول بان الكتاب يستحق القراءة، وهو يؤرخ ويوثق لتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق