أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 1 يونيو 2017

شهران على سطوح القدس



يعتبر توكوتومي كينجيرو (لوقا) (1868-1926م)، أديباً مشهوراً في اليابان، زار فلسطين مرتين، الأولى في عام 1906م، والثانية رفقة زوجته عام 1919م.
حصيلة رحلتيه صدرت بترجمة عربية في جزئين في القاهرة عام 2014م، الجزء الأوّل بعنوان: "الرحلة اليابانية إلى فلسطين ومصر (1906م)- الجزء الأوّل" عن المركز القومي للترجمة، والجزء الثاني بعنوان "الرحلة اليابانية إلى فلسطين ومصر (1919م)- الجزء الثاني"، بترجمة وتقديم: سمير عبد الحميد إبراهيم وسارة تاكاهاشي.


مسيحي ياباني
المؤلف مسيحيّ يابانيّ، ومن خلال خواطره وملاحظاته التي ضمنها كتابيه، يمكن الاستنتاج بأنه مسيحيّ من نوع خاص، فمسيحيّته متأثرة بالثقافة اليابانية، وتختلف عن المسيحية العربيّة والغربيّة، ويبدي ملاحظات عديدة تظهر هذا الاختلاف مثل موقفه من الصليب كرمز، حيث يبدي كرهاً له كرمز، معتبرًا أن عصر الصليب انتهى، وعلى المسيحيين أن يبدأوا عصرا جديدا آخر.
في التاسع عشر من نيسان 1919م، كان لوقا وزوجته في فندق جراند نيو هوتيل في بالقدس، وحل في هذا اليوم سبت النور، ويظهر لوقا جهلاً حول هذا الطقس الشرقي، مشيرًا إلى أن اسمه: نور الروح أو ضوء الروح، كما أخبره صديق بريطاني، الذي لفت انتباهه إلى الاحتفال بالمناسبة في كنيسة القيامة.
توقف عن الكتابة في الفندق، بعد أن أعلمه صديقه بالاحتفال، وخرج ليصف: "وصلت إلى كنيسة قريبة من الفندق، مضيت في شارع ضيق يؤدي إلى الكنيسة، كان الشارع مملوءًا بالدكاكين التي تبيع أنواعًا وأنماطا لا حصر لها من الشموع، شاهدت شموعًا كبيرة وأخرى صغيرة، وشموعًا طويلة وأخرى قصيرة، شموعًا بيضاء وحمراء، كانت جموع الناس تملأ الشارع، وكانت جموع الناس أمام الكنيسة وداخل الكنيسة أكثر من أي وقت مضى، بل أكثر من يوم التطهر، غسيل الأرجل".
ويشترك مع مسيحيي الغرب، الذين سجلوا مشاهدات عن سبت النور، في عدم فهم ما يجري: "ازدحمت الكنيسة من الداخل ازدحامًا شديدًا، وامتلأت بالضوضاء العالية والضجيج، من شرفة عالية في الكنيسة صاح رجل بصوت عجيب، ربما كان أحد المسلمين، أراد إرباك الاحتفال لأن احتفالات المسلمين انتهت بالأمس".
والواقع أن "الصياح" الذي يصفه، هو أمر طبيعي بالنسبة للمحتفلين بسبت النور، ونسبته لرجل مسلم بنوايا غير طيبة، لا شك يندرج في عدم فهم ما يجري.
ويذكر: "شاهدت خمسة من الشباب العرب أو ستة يقفون على الكراسي يحملقون إلى مركز الكنيسة، يبدو أنهم يخططون لعمل شيء، قدم إليهما شرطيان مصريان، وطلبا منهم التوقف، وجاء أحد الرهبان وشدهم من فوق الكراسي، وأخذها منهم ودفعهم بعيدًا".
من المهم الإشارة، إلى أن لوقا يستخدم لوصف الفلسطينيين، مصطلحًا يابانيًا، يذكر المترجمان بأنه مكروه هو: دوجين، ويعني الناس البدائيين، ولكنه يستخدم أيضًا مصطلح السوريين والسوريات في وصف بعض الفئات التي قابلها مثل الموظفين والموظفات، وعلى الأرجح فإن من كان يصفهم بالسوريين هم من الفلسطينيين، ولكن من فئة طبقية أعلى من الناس العاديين. لقد كان للوقا الياباني سلمه الطبقي الذي ينظر إليه لناس فلسطين.

مفارقات
عندما وصل لوقا فلسطين في زيارته الأولى كانت عثمانية، وفي الثانية أصبحت انتدابية، ويمكن ملاحظة الاختلافات على بعض المواقع التي زارها في المرتين مثل عين السلطان في مدينة أريحا.
يكتب: "بعد أن زرت المكان منذ ثلاث عشرة سنة، جاء الألمان هنا، وبدأوا عملية حفر بحثا عن الآثار، وجدوا بقايا جدران وأحجار وبلاط، وبقايا صوامع غلال، شاهدت قطعًا زجاجية لزجاجات زيت".
وكذلك بئر يعقوب في نابلس، ففي الزيارة الأولى يسجل مشاهداته في حزيران عام 1906م:
"شاهدنا مساحة واسعة مملوءة بأشجار المشمش، هنا بقايا معبد هو الآن كنيسة صغيرة لليونانيين، وفي وسط هذه الكنيسة توجد بئر يعقوب. كان مرشدنا راهبًا روسيًا عجوزًا في داخل الكنيسة، نزلنا من خلال درج حجري إلى غرفة سقفها منخفض جدًا، ووسط هذه الحجرة شاهدنا البئر، دائرة قطرها نحو متر تقريبًا أو أقل، أضأنا شمعة لنشاهد قاع البئر، كانت البئر أوسع قليلاً ناحية القاع، كان العمق نحو مترين ونصف المتر، ولم يكن فيها ماء.. فقط الحجارة! يا للأسف، هكذا جف ماء البئر مدة طويلة".
وفي زيارته الثانية لفلسطين، زار البئر يوم الحادي والثلاثين من شهر أيار 1919م: "قبل ثلاث عشرة سنة، حين جئت إلى هنا، كان للبئر غطاء أو سقف بدائي، إلا أنهم اليوم سقفوها على الطريقة الحديثة، بالقرب من البئر، سوف يبنون كنيسة جديدة، قدم لنا أحد الرهبان قارورة ماء، كان الماء عذبًا ولذيذًا. ملأت وعائي بهذا الماء، أراني الراهب قاع البئر، كان العمق يبلغ ثلاثة أمتار، حين أراني العمق على ضوء الشمعة، كنت أرى الماء بلون أسود".
يقدم (لوقا)، وصفاً لما شاهده في نهر الأردن عام 1906م:
"يجري الماء في النهر بسرعة كبيرة مثل حرف كو في اللغة اليابانية مثل السهم وبانحناء شديد، في الجهة المقابلة شاهدت أشجارًا أزهارها بيضاء، وأعشابًا امتدت سيقانها وتمايلت بفعل الرياح، وعلى حافة النهر امتد نبات البردى بكثرة، كما شاهدت أشجار الجوز، كانت الأعشاب الطويلة تتمايل وتتموج في حركات جميلة تعطي انطباعًا بأن نهر الأردن يحمل بين ضفتيه ماء الحياة، فالمسيح تطهر بهذا الماء، لكن الماء هذه الأيام لم يعد صافيًا، ولم يعد رقراقًا، ولم يعد شفافًا، طاله التلوث.
وفي نيسان عام 1919م يكتب:
"كنت أشاهد النباتات والحشائش والأشجار القصيرة، شاهدت طيور الكركي تحلق في الفضاء، أخذت زوجتي تحصي عددها بصوت عال: واحد اثنان.. تسعة عشر، وبين هذه المساحة الخضراء ظهر نهر الأردن كأنه يبرق، بينما مضت عربة الحنطور بين الأحراش، كانت الأغصان تحف بجسم الجواد وتصل إلينا أيضًا. شاهدت كوخ صياد وكلبًا ينبح، نزلنا من الحنطور، ووقفنا على شاطئ النهر، جئت هنا قبل ذلك، لم يكن ماء النهر صافيًا، ذكر المرشد أن عمق النهر يصل إلى 16 قدمًا، كان هناك قارب صغير يطفو على سطح الماء، شعرت فجأة برغبة في أن أركب هذا القارب، حين ذكر المرشد ذلك للصياد، وافق على الفور وركبت القارب أنا وزوجتي".
ويقدم صورة لعائلة الصياد: "أعدت زوجة الصياد لنا القهوة، كان هناك أطفال تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة والخامسة، قدمت لهم زوجتي الفول السوداني والكرملة التي حملتها معها، ففرحوا كثيرًا، والتهموها على الفور، قدم ناحيتنا كلب يحرك ذيله كأنه يحيينا، فاضطررت إلى أن أربت بيدي على رأسه تحية له، شاهدت قاربًا صغيرًا لم يكتمل بناؤه بعد، يجاور خيمة صغيرة، حيت تطلعت إلى داخل الخيمة شاهدت سريرًا، ربما هذه الخيمة هي استراحة الصياد العجوز، بدا هذا المنظر لي كأنني أقرأ رواية (Fennimore Cooper) وهو يصف حياة الرواد الأميركيين، كان المشهد مشهدًا شاعريًا تمامًا، لاحظت أن زوجتي بدأت ترسم هذا المنظر في الوقت الذي أحضرت فيه زوجة الصياد القهوة والماء، شربنا الماء والقهوة، كانت القهوة لذيذة جدًا، أما الماء الذي جلبته من ماء النهر، فلم يكن باردًا".

شهران على سطوح القدس
في رحلته الثانية أمضى لوقا وزوجته شهرين في فندق "جراند نيو هوتيل" في باب الخليل في القدس، ويصف لنا بدهشة اكتشافه لسطح الفندق، حيث لا يوجد في اليابان مثل هذا الفضاء الذي يوفره السطح في فلسطين، ولطالما جلس وزوجته على السطح يتحدثان ويراقبان ويلاحظان، ويصف لنا كيف ناما مرة على السطج، وكأنهما اقترفا فعلاً بطوليًا.
خلال الشهرين غادرا القدس إلى دمشق، وعادا إليها في الأوّل من حزيران بعد غياب شهر، ويصف كيف صعدا في السادس عشر من حزيران 1919م إلى سطح الفندق بعد غياب ليودعا القدس:
"أخذنا نتطلع إلى السماء وقت الغروب، وندقق النظر هناك عند الجبال بالقرب من البحر الميت، ونتطلع إلى جبل الزيتون وجبل سكوبس ومسجد عمر وكنيسة القيامة، فهذه كلها تشكل القدس الجميلة".
وعندما غادرا القدس كتب: "لم يكن لدينا ما نأسف عليه في القدس سوى شيء واحد فقط هو أن القدس لا تدري أننا راحلون"، ولكن مثل هذه النبرة الحاسمة التي تظهر في كتاباته، يظهر نقيض لها، فهو يكتب أيضًا: "القدس لنا، هي منارة ينتشر منها النور، وهي مئذنة ينطلق منها أذان الحب لكل العالم، وهذه المئذنة هي قمة رحلتنا، القدس جبلنا، جئنا إلى هنا من اليابان، وصعدنا هذا الجبل، ثم نزلنا من فوق الجبل، وها نحن نعود أدراجنا إلى اليابان".
في الساعة السابعة مساء يوم 16 حزيران غادر لوقا فندق "جراند نيو هوتيل"، منهيا رحلته إلى المدينة المقدسة وفلسطين.
غادر لوقا فلسطين في شهر رمضان، الذي صادف شهر حزيران من عام 1919م، ولم يغفل ذكر انطباعاته: "على المسلمين ان يصوموا خلال النهار في رمضان، ورمضان شهر مهم له مكانة خاصة، من غرفتنا أشاهد القمر بدرا مستديرا، ظهر من خلف الجبل عند البحر الميت، وسمعت صوت المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، جاءني الصوت من مئذنة مسجد عمر، كان صوتًا مؤثرًا وجميلاً يدعو للحزن:
اليوم القمر بدر مستدير 
من مئذنة مسجد عمر
يتردد صوت الأذان الجميل
يدعو الناس للصلاة".
ورغم أنه يقر بأن "الصيام في حد ذاته ليس سيئًا، بل هو ضروري للإنسان أحيانا"، إلا أنه ينصح بالتوقف عنه بسبب ما رآه من ارهاق العاملين الصائمين.

أخطاء بالجملة
لاحظت في الكتب التي يترجمها فلسطينيون وعرب لرحالة زاروا بلادنا، جملة من الأخطاء في أسماء الأماكن، بشكل مقلق جدا.
في الجزء الأوّل من هذه المذكرات، جملة أخطاء من بينها:
*ص ٦٩: شيرو، والمقصود قرية سلوان، جنوب المسجد الأقصى.
في الجزء الثاني تزداد الأخطاء:
* ص 82: بوابة (ياتسفيا) والصحيح استيفانو، وهي المعروفة شعبيا باسم باب الأسباط.
* ص 82 قبر أبو ساروم، والصحيح ابشالوم. 
*ص 83: قبر رازارو، والصحيح اليعازر، وهذا الخطأ يتكرر أكثر من مرة.
*ص 165: جبل كارميل، والصحيح جبل الكرمل، يتكرر الخطأ أكثر من مرة.
*ص 165: جبل هيرمون، والمقصود الحرمون (جبل الشيخ)، يتكرر الخطأ أكثر من مرة.
*ص 176: ياتسوفيا، والصحيح يافا. 
*ص 185: حقول شالون، والمقصود شارون. 
*ص236: سفيد، والمقصود صفد.
*ص 290: سيماخ، والمقصود سمخ.
*ص 300: افورية، والصحيح العفولة.
*ص 314: خان اللبان، والصحيح اللبن.
*ص 316: إروبيريه، والصحيح البيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق