أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 18 يونيو 2017

اسمه غسَّان..!




لم أر وجهه أبدًا، وإنما سمعت صوته..!
اخترقني صراخه، حطم جدران زنزانة رقم 9 في معتقل المسكوبية في القدس نيسان 1982، جاءني ليلاً من ساحة الشَبِح القاتل السماوية، وزاد قلقي على قلق، الأسير في الزنازين لا يعرف النوم، يعيشه توتر لا ينتهي وصدمة الرعب القاسي تنغل في مفاصله وتخترق العظم، وتصل درجة الغضب الممزوج بالهوان وقلة الحلية ذروتها عندما يسمع صراخ زميل يشكو من معدته، تردد رجع صداه جدران القدس الجديدة، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئًا لأسير قد يموت في أيّة لحظة وما من شهود سوى سماء القدس، كنّا فتية في قبضة وحوش سادية لذتها التعذيب واجتراح أساليبه، ولكن في صراع الارادات ينهزم المعذِبون المرضى.
عندما نزلت إلى غرف السجن، علمت انه غسَّان اللحام، الطالب الذي اعتقله المحتلون على الجسر، وهو عائد إلى وطنه، أعرف عائلته وربعه ومخيمه عايدة التوأم لمخيمي. لاحقًا استشهد في السجن.
في حارة الفواغرة ثمة غسَّان لحام آخر، يحمل اسم عمه الشهيد، أقابله بين الوقت والوقت، وأتذكر الشهيد بين الوقت والوقت، ولكنني أرى صورته للمرة الأولى، مبتسمًا، جذلاً بالحطة على رأسه، على جدار في متحف أبو جهاد في جامعة القدس.
عندما يحضرني سيأتي صراخه الآن، مع صورته المنطبعة في رأسي..!
قلت لرفقتي الجميلة هذا غسَّان، الشهيد غسَّان الذي لا أنسى صراخه أبدًا، لم يهتموا كثيرًا، شنفوا الآذان بنصف قدرتها، وبما تسمح به آداب السماع، فالشهداء كثر يتحولون إلى أرقام، وفلسطين تبتعد وتغور..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق