الصورة:
محمد فراج (وفا)
طوّرت
طريقة (في الواقع والحقيقة هي التي طوّرت نفسها بنفسها على مدى أعوام طويلة)
تجعلني أخلد للنوم، دون أن تيقظني حركات جنود الاحتلال وضجيجهم ونارهم ونيرانهم،
عندما يقتحمون المخيم الذي ليس له علاقة بمسمى عملية السلام الذي يتحدث عنها الإعلام
كثيرا دون سبب مهني موجب، ويتصدى لهم الفتية بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة
والأصوات الجهورية. ولم يكن من النادر ان يقول لي أحدهم: الجنود كانوا في حارتك أوّ
أمام بيتك، فكيف لم تشعر بهم؟ ولكن هذا ما حصل ويحصل في أحيان كثيرة.
واتخذت
هذه الطريقة قوة دفع ذاتية غريبة، تجعلني مثلا أشعر بالخطر المحدق قبل وصوله، كما
حدث مرّة عندما استيقظت قبل دقائق، منتظرا اقتحام جيش الاحتلال لمنزلي، أوّ تحديدي
لأنواع النيران التي يطلقها جنود الاحتلال (أميز مثلا الرصاص التوتو)، ومع أوّل
عيار ناري حيّ، استيقظ وأعرف ان شهيدا ارتقى أوّ جريحا في حالة حرجة، عندها يتحرج النوّم.
فجر
اليوم لم تعمل هذه الطريقة بالفعالية المرتجاة أبدا، الجيش في الأزقة، والأولاد أيضا،
والحجارة تتساقط وكذلك الرصاص بأنواعه، ولا يعرف أحد مَنْ يطارد مَنْ. الجنود على
الأسطح، وكذلك الشبان الذين ينقلون أخبار تحركات الجيش بأصوات مرتفعة غريبة، وهذا
تطور جديد إلى حدٍ ما في الحرب الإعلامية الدُهيشية مع الاحتلال. جعلتني اتحسر على
زمن البيركنج نيوز التي فاجأتنا فيها السي أن أن، وثم اختراع الشريط الاخباري من
قبل صاحب موهبة نادرة في حقل الإعلام (نادرة جدا المواهب الإعلامية وحظ العرب منها
صفر) وانتقلت، بدعة أميركا الكافرة (الكافرة في وصف البدعة وأميركا معا) إلى القنوات
العربية على استحياء ثم على استقبحاء ما زال مستمرا، يتساوى في ذلك القناة التي أصبحت
ناطقة باسم جبهة النصرة، والقنوات متعددة الانتماءات. وأذكر انه خلال حرب الابادة
الأخيرة التي شنها المحتلون على غزة، ظلت محطة ممانعة تكذب بأخبارها العاجلة التي
تُنقل تدريجيا إلى الشريط الاخباري، طوال ساعات، ولم تفكر في اليوم التالي ان تقدم
اعتذارا، ليس فقط من أجل جماهير الأرض المحتلة المساكين التي تقول بانها تحمل
قضيتهم، ولكن من أجل ما تبقى من كرامة المشاهدين المهدورة.
وفي
عصر الانترنت حلمت مرة بموقع يحرره الناس، ويبدو ان الأحلام تتحقق أحيانا، بأكثر
مما يحلم الانسان، فقبل أن يدخل جيش الاحتلال وحتى خروجه، تبدأ الأخبار العاجلة في
مواقع عديدة على الفيس بوك تحمل اسم المخيم، ويمكن للمرء ان يعجب للتفاصيل التي
تنشر عن تحركات الجيش، الاخبار العاجلة تترى كتساقط حبات الرمل، وكلها من مواقع
المواجهات، ومصادر خاصة لهذه المواقع، وأحيانا مصحوبة بصور ومقاطع فيديو من مواقع
الأحداث، يبدو أن العديد مِنْ الأولاد وهم يرشقون الحجارة على جنود الاحتلال يتحولون
إلى مراسلين حربيين، وبعضهم تحولوا إلى أشرطة اخبارية متحركة.
منذ
شهر رمضان، على الأقل، ونحن نعيش، حالة اللانوّم واللاصحوّ (ربما يشعر الاستاذ
هيكل بالغيرة المهنية لانه لم يخترع هذين المصطلحين)، لم نعد نعرف متى يمكن للمرء
أن ينام أوّ أن يستيقظ، لديّ شخصيا، جوع لا حدود له للنوم فوق السطح والتمتع
بنسمات جبالنا الباردة بعد نهارات الحرّ القيظية التي لا تُحتمل. ولكن ما لا
يُحتمل حقا احتمالية ان أصاب بحجارة الأولاد الطائشة، أوّ نيران الاحتلال الموجهة.
فكرت
باقتراح عقد هدنة بيننا وبين الاحتلال، ولا يمكن ان ندعي شرف السبق إلى ذلك (لدى
ناس المخيم قائمة طويلة في شرف سبق الآخرين تشير إلى حساسية ما لديهم)، فالرفاق في
فتح وحماس وحزب الله سبقونا إلى ذلك، ودول راسخة أيضا وقعت اتفاقات استسلام لا
نهائية مع الاحتلال، أُريد فقط هُدنة انسانية، لساعات أو أيّام فقط، من أجل
النوّم. ولكنني أتجنب ذلك حتى لا أتحوّل في الأشرطة الاخبارية الكثيرة والغريبة إلى
المدعو فلان، مُدعي الكتابة، الانهزامي الاستسلامي الزئبقي البرجوازي الصغير
الانبطاحي..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق