صاحبي عيسى عبد ربه، بعد 27 عاما خلف القضبان، يطلق عليه لقب (جنرال الصبر) لا اظنه يريد هذا اللقب وغيرها من الالقاب التي تغطي فشل الفصائل الفلسطينية في اطلاق سراح الاسرى، هذا ما كتبته عن صديق الطفولة الذي لم اراه منذ اعتقاله:
على مدخل مخيم الدهيشة الرئيس، عُلقت صورة للأسير عيسى عبد ربه، الذي دخل عامه السابع والعشرين في المعتقل، ويفصل العمود الذي عُلقت عليه الصورة، عن بلدة الدوحة، شارع القدس - الخليل، الذي شهد طفولته.
سألت نفسي ماذا لوّ أن عيسى عبد ربه، أُفرج عنه الان، فهل يستطيع العودة الى البيت وحده؟ لقد تغيرت الامكنة والشوارع التي دبّ عليها عيسى، قبل اعتقاله الطويل.
في ذلك اليوم من خريف عام 1984، اختطف جنود الاحتلال، ابن عم عيسى الطفل، وقتلوه بدم بارد في الجبل المقابل لمخيم الدهيشة. الذي شكل فضاء لعيسى واولاد المخيم، ليلعبوا فيه.
حمل عيسى، السلاح، وعاد الى قريته (الولجة) المحتلة، جنوب القدس، التي ذهب الجزء الاكبر منها، بتآمر عربي في مفاوضات الهدنة، التي اعقبت حرب 1948، وسُلمت الى العصابات الصهيونية، مع باقي قرى جنوب القدس، وهو ما تحدث عنه بتفصيل مؤلم المفاوض الاردني عبد الله التل في مذكراته، ولكن «العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون»، وهذه الكلام بين هلالين يُنسب، الى الجنرال الإسرائيلي موشيه ديان، الذي تمكن بالمفاوضات في فندق الوردة البيضاء، في جزيرة رودس، ان يأخذ ما فشلت العصابات الصهيونية، في اغتصابه بقوة السلاح، وهكذا ضاعت قرى جنوب القدس.
اما الجزء الاخر من قرية عيسى، فاحتل مع ما تبقى من القدس والضفة، في عام 1967.
ذهب عيسى إلى قريته، وقتل أول مستوطنين اثنين وجدهما يتنزهان في ارضه. وفي يوم 20-10-1984، اعتقلته قوات الاحتلال، ولا اعرف إذا كان تمكن، وهو مخفورا الى سجنه الذي طال اكثر من اللازم، من القاء نظرة أخيرة على الجبل المقابل للمخيم، الذي لم يعد جبلا، وانما بلدة مفعمة بالنشاط تدعى (الدوحة).
خلال 27 عاما مضت من عمر عيسى داخل السجون، 27 ربيعًا، و27 شتاء، و27 مرة حضر فيها الخريف خجولا، بعد صيف فوار، ولدت اجيال في المخيم، وكثير ممن رأوا النور، خلال اعتقال عيسى، أصبحوا، زملاءه في غرف السجون الرطبة، وأيضًا ولدت مدن وبلدات، وحكومات، وانهارت نظم، وتحققت احلام، وتبددت اخرى.
في ذلك اليوم، قبل 27 عاما، وكأنه حدث للتو، دخل عيسى الى غرفتي الصغيرة في المخيم، وجلس على السرير الخرب، المحمول، على قطع من الطوب المكسر، مثلما كان يفعل دائما، بعد خروجي من السجن، مع آخرين اعتقلوا احترازيا، بعد اغتيال ابن عمه الطفل، ولكنه هذه المرة كان يحمل شيئًا غريبا معه، اراد ان يقدمه هدية، ولم تكن هذه الهدية سوى لوحة تمثل العذراء، تحمل ابنها طفل المغارة، وعليهما هالات القداسة.
كم بدت تلك الهدية، التي لم تثر اهتمامي آنذاك، غريبة، او هكذا، تبدو لي الان، ولم يكن لدى عيسى، قليل الكلام، أي شيء ليقوله، وعندما خرج مودعًا، بعد ان دخن سيجارة ثقيلة، لم أكن اعرف انها ستكون المرة الاخيرة التي اراه فيها.
بعد 27 عاما في السجن، رحل والده، وذبلت امه أمونة، وأصيبت بجميع الامراض، في انتظار أن تراه حرا. خلال تلك السنوات، لطالما رأيت أمونة، بثوبها الفلاحي مفعمة بالطاقة والحيوية، في مقدمة المتصدين لاعتداءات جنود الاحتلال والمستوطنين على المخيم، وابرزهم الحاخام ليفنغر، الذي نصب خيمة قبالة المخيم، واخذ يطارد، مصحوبًا بجنود الاحتلال، اولاد المخيم، الذي يرشقون سيارات الاحتلال ومستوطنيه بالحجارة، ومثله فعل الحاخام كهانا، وغؤولا كوهين مؤسسة حزب البعث الاسرائيلي، ووالدة السياسي تساحي هنغبي.
لم تترك أمونة، مناسبة تتعلق بالأسرى الا حضرتها، تحمل صورة عيسى، والاخرين، وحولت غرفتها الى معرض لصور عيسى ورفاقه، وحولها يردد البيت، والحارة، والشوارع، صدى دبيب أقدام العشرات من الاحفاد، والابناء، وابناء الجيران، الذي راوا النور، بعد غياب عيسى الطويل.
آخر مرة رأيت فيها أمونة، عندما جاءت الى اعتصام للأسرى، وهي على كرسي متحرك، ولكن وجهها، الذي غزاه الحزن العميق، يحمل نفس الاصرار والامل، الذي تعيشه في غرفتها الان، متوقعة في اية لحظة ان يفتح عيسى عليها الباب ويدخل بكل ببساطة.
عيسى هو الاخر، اصيب بأمراض عديدة، وفي فترة ما أصبح مقيمًا في مستشفى سجن الرملة.
عندما وقفت أمام صورة عيسى، على مدخل المخيم، ونظرت الى الجبل، الذي وقعت فيه الجريمة، وقد اصبح بلدة تعج بالحياة والمحال التجارية، تساءلت: لماذا يتعين على مقاوم أن يظل في السجن 27 عامًا؟ هل لدى الفصائل الفلسطينية، وهي تتبنى عمليات المقاومين، أية خطط للإفراج عنهم؟ هل يجوز ترك مناضل في السجن يعيش كل يوم موتًا بطيئا؟ ولماذا أصلا لم تتحرر فلسطين خلال 27 عاما؟ الم تكن تضحيات شعبها كفيلة بتحريرها؟
لماذا لم يتحول عيسى عبد ربه، الى رمز نضالي كبير؟ تهتف الشعوب العربية باسمه، وهو يستحق ذلك بالتأكيد، كم عربيا خرج في الشوارع، وأقسم بعدم العودة الى بيته حتى يتحرر عيسى؟ الا يستحق ذلك؟ هل فكرت الحكومة الفلسطينية في رام الله، والمقالة في غزة، ان تدرج على جدول اعمال احدى جلساتها موضوع عيسى عبد ربه؟ واتخاذ ما يلزم لإطلاق سراحه الفوري؟ وألا يعود الوزراء الى بيوتهم، الا رفقة عيسى المحرر.
الا يستحق؟
أفكر احيانا، هل يشعر عيسى بالندم لما فعله؟ كم 27 عامًا يمكن ان يعيشها الانسان؟ لقد أمضى عيسى اكثر من نصف عمره في السجون، والسنوات التي عاشها في الخارج، طليقًا، أقل بكثير من التي عاشها داخل السجن.
عيسى..نموذج لأجيال فلسطينية ولدت ونشأت في ظل الاحتلال، دون ان تلوح اية بارقة امل بإنهائه، هل هذه هي الحياة؟ هل كتب على عيسى وجيله ان يعيشوا إما في سجن صغير او سجن كبير داخل الوطن؟
كم فلسطينيا، سمع بعيسى عبد ربه؟ وكم منهم يعبأ به وبالعمة أمونة؟ وكم منهم يعتبره، قضيته الشخصية؟
Pretty great post. I just stumbled upon your blog and wanted to say that I have really
ردحذفenjoyed surfing around your weblog posts. After all I will be subscribing
in your feed and I am hoping you write again soon!
Have a look at my page - arsenal transfer news 2011
Je suis tout-à-fait d’accord avec cette réponse.
ردحذفAlso visit my web site: Clara