أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

المِسْمِسْ!




 


تمكنا نحن أولاد جيل الأزقة والنجوم البعيدة، وبناته، من صمدنا أكثر من دول المواجهة (هكذا كانت تسمى)، من  قهر الجيش الَّذي لا يقهر، مرتين على الأقل في جبهة تمتد من المخيم إلى ساحة المهد، كما قهرناه في جبهاتٍ أخرى.

انطلقناة في مظاهرة، يمكن أن يصفها صحفي، فقير المصطلحات مثلي، أنَّها حاشدة، وهي كذلك بحشود أولاد المخيم وبناته، من شارع القدس- الخليل، متحمسين نردد خلف الهتَّافين، ولعل أهمهم خالد حلمي، لفلسطين وللوحدة الوطنيَّة، التي كانت آنذاك بالنسبة للأولاد والبنات: "وحدة..وحدة وطنيَّة/ فتح وجبهة وشيوعيَّة". على الأغلب لم يكن محمد اللبدي، قد نجح في إيصال رسالة أبو النوف حواتمة إلى أولاد المخيم، وربما لم يكن هو قد تبنى الرسالة. لم يكن، أيضًا، صالح أبو لبن قد تحرَّر. الأخوان المسلمون خارج المعادلة، وعندما ظهروا لاحقًا في المخيم، ربطوا أنفسهم بجماعة الأخوان البائسة في الأردن (بائسة مثل نظيرها الشيوعيِّ)، وعلى الأرجح، وبقرار من قيادة عمَّان، ناضلوا ضد الوطنيِّين، برشق المنازل بالمولوتوف، وحرق السيَّارات، والاعتداء على منازل وطنيين من المخيم، انتقلوا للعيش خارجه. لم يتلق أي من المعتدى عليهم اعتذارًا حتَّى الآن. ستكون حماس، بعد نحو سبع سنوات، مختلفة عن الأخوان.

اكتشف الصديق شوقي، نظرية، يجهد فيها الآن، أنَّ الاخوان والشيوعيِّين الأردنيِّين، نفَّذوا تعليمات لندن، وموسكو، وتوصل لنتائج متشابهة على سيرة الطرفين السياسيَّة.

وصلنا المدبسة، غير مصدَّقين تحقيق هذا الإنجاز، وأمام قهوة المِسْمِسْ، تحمَّس المِسْمِسْ بنفسه الَّذي لم يصدِّق أنَّنا حررنا المكان، فخلع قميصه، وأصبح جزؤه الأعلى عاريًا، وتقدمنا يهتف، ربما إحساسًا بمسؤوليته تجاهنا نحن الأصغر سنًا منه، وكأنَّه انبثق من مكانٍ غير معروف وغير متوقع، يؤكد بعريه شيئًا قد لا يكون هو نفسه يعرف كنهه، ربمَّا تمثَّل المقولات التي نسمعها عن المواجهة بالصدور العارية. فطبقها حرفيًا.

وصلنا درج السوق، أمام صيدلية حنضل الأبقونية، الشاهدة على هزيمة الأنظمة، وانبثاق جيل الأزقة والنجوم البعيدة. يبدو أنَّه في مكانٍ ما في قيادة جيش الاحتلال الغافل اتخذ قرار بوقف وصولنا إلى مركز الشرطة في ساحة المهد، فَفُتحت النيران علينا من مسافة بعيدة نسبيًا، فجرحت على الأقل زميلتنا جواهر، ولم نتمكَّن من العودة إلى المخيم الَّذي حاضره جيش الاحتلال، فتفرقنا أيدي شوارع وحواكير زيتون وأزقة.

مع هبوط الظلام، قبل الأولاد والبنات، بأبي جريس، رئيس البلدية وسيطًا، والَّذي اضطلع بدوره بشهامة ريفيَّة، وقاد بنفسه إعادتنا إلى المخيم ليلًا. أبو جريس كان عضوًا سريًا في حركة فتح نظَّمه القائد الشهيد أبو جهاد، بواسطة زميله حنا الأطرش رئيس بلدية بيت ساحور (شهادات خاصة) ولم يكن بروزته صورته مع شمعون بيرس في صالون منزله، على شارع القدس- الخليل، سوى نوع من التمويه. سيلقي أبو جريس كلمة الانتفاضة في المجلس الوطني عام 1988م (يحتاج إلى تأكيد). تفضَّل الأطرش في نهاية التسيعنيات، وأرسل لي ردًا مكتوبًا، على مقال تضمن اتهامات صعبة لرؤساء بلديات بيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا. وهذا موضوع آخر.

تمسَّك عرفات بأبي جريس كأوَّل وزير سياحة في السلطة الفلسطينيَّة، حتَّى وهو يحتضر، وعندما مات، أصدر أوَّل رئيس للسلطة، بيانًا نعاه بوصفه شهيدًا، وهو شرف لم ينله وزيرًا. من يوم عرفات حتَّى يومنا.

ما زال ا المِسْمِسْ وجه المدبسة المعتق يصنع القهوة، تعبق رائحتها في المكان فتختلط برائحة خبز السالزيان وفلافل أفتيم وبن العلاري، وزعتر الفلاحات.

#مخيم_الدهيشة #محمد_اللبدي #صالح_أبو_لبن #شوقي_العيسة #أسامة_العيسة

الأحد، 16 نوفمبر 2025

رحيل بائع فستق!


 


انطفأ ابو جوهر، في منزله قبالة دير الجنة المقفلة، يفصل بين المنزل والدير، وادي ارطاس، جزء من أطول أودية خط تقسيم المياه في الهضبة الفلسطينيَّة الوسطى، الذي يصب في البحر الميت، بطول يصل نحو 25 كلم. يبدأ من وادي البْيار، حيث واحدة من المعجزات المعمارية الفلسطينيَّة. أخذ الوادي اسمه من نحو 70 فتحة لقناة حفرت في الصخر الصلد، من أجل أمن القدس المائي.

يقع منزل أبو جوهر بمحاذاة قناة المياه الأسطورية التي حملت المياه إلى القدس، ونكبتها النكبة، أمَّا الدير، أجمل أديرة البر الفلسطينيِّ، فيقع على أقدام جبل أبو زيد. في أشهره الأخيرة رأى أبو جوهر البؤرة الاستيطانية الجديدة أعلى الجبل، في تحدي جديد لاساطير الملاحم الهلالية، التي نسجها أسلاف أبو جوهر في المكان الذي شهد، بالنسبة للكتابيين، غزل سليمان في محبوبته، وولادة أعظم قصيدة حب وأقدمها، واعتبروا نبع ارطاس، الفم المختوم في نشيد الإنشاد.

أبو جوهر هو بائع فستق العبيد على مدبسة بيت لحم. في ظل فلافل أفتيم، أجيال من الأفتيميين لا ييبخلون بفلافلهم على أبي جوهر وغيره، وكأنَّ وصفة الفلافل الَّتي أخذوها معهم يوم نكبتهم من يافا، هي بمثابة رسالة. في بيت لحم، بيت الخبز، لا يجوع النَّاس.

أحببت دائمًا سماع حكايات أبو جوهر جالسًا بجواره على البسطة. لم يكن أبو جوهر دائمًا بائع فستق. هو من الجيل الذي كان عليه مواجهة واقع جديد بعد النكسة. لم يكن مسيسًا أو له نشاطات وطنية. واحد من جيل الصدمة، استعد لملاقاة الجيش المصريّ في تل أبيب، فوجد جنود اليهود أمام منزله يطلون على الدير، ودار الراهب أعلاه التي قيل أنَّه عاش فيها قبل الحرب يهوديِّ مستعرب. وظهر على حقيقته مع احتلال القرية. مثل هذه الحكايات شاعت بين المهزومين. ليس للمهزومين من تسلية سوى جلد الذات والتسلي على غبائها.

حدثني أبو جوهر عن ملاسنته للجنود، مظهرا أمامي فروسية قد تكون تعويضية. في سنوات الاحتلال الأولى كان كل من الطرفين في حالة تعارف واستكشاف، وإن كانت غير متساوية. وجد أبو جوهر نفسه في تل أبيب، بالطبع ليس ليلتقي الجيش المصري، ولكن في سوق العمل الأسود.

لم يكن لحياته أي خصوصية، وكأنَّه رمز لجيل وجد نفسه عاريًا، خلال أيام قليلة، قيل أنَّها ستة أيَّام، لكن بالنسبة له لم تكن سوى ست ساعات أو ست دقائق.

 منذ الانتفاضة الثانية، افتتحت مقبرة للشهداء، بجاور منزل أبو جوهر بمحاذاة بركة رومانية هي على الأرجح جزء من النظام المائي الذي متع القدس بالمياه، ليصبح شاهدًا على سبيل دماء جديد لا ينتهي، غادر والدماء في كل مكان.

وداعًا صديقي!

#إرطاس

الجمعة، 14 نوفمبر 2025

سينما وامرأة وغزة!


 


شارك صديقي السيناريست خالد خمَّاش، في لجنة تحكيم المهرجان الدوليِّ لسينما المرأة في قطاع غزة، وعاد إلى خيمته في دير البلح، التي يحتمي فيها النازحون، بفعل المأبدة، لوجود منظمات الإغاثة الأجنبية فيها.

قال لي خالد ضاحكًا: نعم سينما وامرأة وغزة. فرشوا سجادة حمراء، مثل مهرجانات الدنيا!

نُظم المهرجان في فضاء مفتوح وسط الركام.

صمد خالد في منزله في رفح، خلال شهور المأبدة الأولى، واستقبل نازحين من غزة، ولكنَّه فقد المنزل متعدد الطوابق. لم يرثه، كما رثى ابن حزم قرطبة، أو خراب البصرة، أو شعراء أرض البرتقال الحزين الذين سكبوا الدموع على منازلنا المنكوبة. رثاؤه فقط جملة: وداعًا جنتي الصغيرة. يتلقى خالد، كموظف في السلطة الفلسطينية، 50 أو 60 بالمئة من راتبه، مثل بقية الموظفين، مضطر لخسارة 20 بالمئة منه للوسطاء. الهموم في غزة تتراكم.

لم يكتب خالد يوميَّاته خلال المأبدة، واكتشف أن ابنته تكتب. هل سنفهم، من خلال ما سنقرأه مما كتبه أهل غزة، كنههم؟

حلم خالد الآن العودة إلى جنته المفقودة في رفح، لكن يحول دون ذلك الخط الأصفر، المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال المتفنن في اختيار ألوان الخطوط لنا ولأشقائنا كما الخط الأزرق في جنوب لبنان مثلًا.

ما فهمته أن لا أحد من ناسنا موجود في منطقة الخط الأصفر تحت السيطرة الاحتلالية التي يوجد فيها أيضًا العصابات العميلة، وبدون معرفة لدي عن طبيعة الوضع، فإنني أعتقد أن هذا يعتبر فشلًا، يدرك المحتلون، أنَّهم لن ينجحوا في خلق جيوب، كدويلة عملاء الاحتلال المنهارة في جنوب لبنان.

يريد خالد، كحال ناسنا، العودة إلى ركام منزله في رفح، وهذا منوط كما يعتقد بتطبيق اتفاقيات، لينصب خيمته على الركام، وبعد استراحة نازح عائد، يبدأ بإزالة الركام، ليبني جنة جديدة. يتراجع المفتاح، كرمز للعودة، لصالح حجر من ركام.

الفلسطيني، سيزيف عصرنا!

الصورة: السجادة الحمراء في مهرجان غزة.

#خالد_خماش

#أسامة_العيسة

الاثنين، 10 نوفمبر 2025

في الشارقة!


 


بنت القدس في الشارقة!

تجدون في جناح #منشورات_المتوسط

 في (Hall 1_ جناح رقم X_18)

#معرض_الشارقة_الدولي_للكتاب 2025

#بنت_من_الـقـدس_الجديدة #أسامة_العيسة

الأحد، 9 نوفمبر 2025

صيدليَّة أعلى الدرج!


 


الصورة المرفقة من صفحة سامي بشارة المغترب، المحتفي بكل ما يراه الزمن الجميل لبيت لحم وشقيقاتها.

تعود الصورة لصيدليَّة أبي عيطة، حسب الآرمة، أواخر تسعينيَّات القرن الماضي. صاحبها التي آلت إليه الصديق ماهر أبو عيطة، بعد سنوات قليلة من منعطف جديد في حياة المدينة وما أكثر منعطفاتها، مع تأسيس السلطة الفلسطينيَّة، ومحاولات التعافي من آلام الانتفاضة الأولى، عندما انتقل مركز المدينة التجاري إلى المدبسة وتراجع ما يعرف بباب الدير؛ منطقة ساحة المهد وكنيسة المهد وحارات بيت لحم القديمة.

تقع الصيدليَّة أعلى درج السوق القديم، ولم يكن قديمًا لدى تأسيسه في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي. كان فضلة الزلزال الذي ضرب المدينة، فهبَّت رياح حداثة الانتداب، بخطوةٍ ثوريَّة بتأسيس سوق جديدة على أنقاض منازل حارة النجاجرة المدمرة، والاستغناء للأبد عن سوق بلاط كنيسة المهد، في قطيعة مع تاريخ المدينة العثماني. يمكننا الآن تقدير تلك الانتقالة الثورية التي لم تكن البنى المسؤولة غافلة عنها، فعبَّرت عن ذلك بلوحة السوق التأسيسية المنزوية الآن. وتضم أسماء نخبوية إضافة لاسم حاكم القدس العسكري، مندوب الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ودنا وقت غروبها.

كانت الصيدليَّة وقت العزيز ماهر، محطَّة توقف دائمة لي. تعاطف ماهر مع الجبهة الديمقراطية برئاسة نايف حواتمة، بعكس والده رجل الأعمال الشيوعيِّ المعتَّق.  حافظت الصيدليَّة على هويتها الشعبيَّة القديمة في خدمة فئات مختلفة من شعبنا.

سعدت بالحوارات مع ماهر وزوجته الحقوقيَّة الفرنسية التي كتبت مقالات عن قضايا تخص شعبنا والتمست مساعدتي في نشرها. اهتمت بقصص الأسرى من خلال عملها في مكتب محامي شهير. أتذكَّر بود ابنتهما الذكية. أظن أنَّني كتبت قصة صحفيَّة عنها.

قرَّر ماهر وعائلته، بسبب ظروف الأرض المقدَّسة الصعبة الهجرة إلى فرنسا، لم تمضِ سنوات حتى وصلت أخبار ماهر المبهرة لي على الأقل، الذي أصبح نائبًا لرئيس بلدية مدينته الفرنسيَّة الجديدة، وجُدد له، انتخابيًا أكثر من مرَّة، وربما أصبح الآن أو في فترة ما رئيسًا للبلدية.

الجدير بالذكر، وهذه الجدارة والذكر المحببة لدى الصحفيين، تُذكر ما دام ذِكر انتخابات نيويورك حاضرًا، ذِكر أنَّ ماهرًا المواطن الصالح جدًا المسدِّد لاستحقاقاته الدنيوية، متجاهلًا واجباته الأخروية، كان من الصعب عليه أن يصبح رئيسًا لبلدية بيت لحم أو عضوًا في مجلسها البلدي، رغم أنه يستوفي أحد الشروط المتعلقة بالديانة ولكنَّه من الشقيقة بيت ساحور الذي لا يفصلها شئيًا عن بيت لحم. ماهر ورفاقه ووالده من قبله ورفاقه لم يكن في برامجهم الثوريَّة تحديث البنى المؤسساتية. فترسخ المرسخ ووصل الحضيض. ففي المدينة التي يفخر مرشحو بلديتها أنها عاصمة المسيحية في العالم. يمكن لمرشح التنابز مع آخر في عدد البواريد والزعران لديه، رغم أنهما حُسبا على الحزب الحاكم. في عودة إلى ما قبل الحداثة الانتدابية للمدينة.

قبل أن تصبح الصيدليَّة، صيدلية أبو عيطة، كان اسمها صيدلية جنضل، ولعلها من أوائل الصيدليات في المدينة. تأسست بعد النكبة، عندما كانت المدينة كعادتها مع منعطفٍ قاسٍ، لقد فُصلت عن القدس الجديدة، التي يملك التلحميون أراض ومبان عديدة فيها، واجهضت عملية الوحدة مع توأمها. وتدفق آلاف من المنكوبين الذين غيُّروا ديموغرافيتها للأبد، وتركوا بصمة لا تمحى على تطورها.

كانت المدينة ميدانًا للمتطوعين المصريِّين والعرب بقيادة أحمد عبد العزيز، واستقبلت مقبرة قبة راحيل رفات العديد من الذين ارتقوا في المعارك حول القدس.

خضعت المدينة وجوارها للحكم المصري بقيادة الحاكم العسكري لطفي واكد الذي سينضم للضبَّاط الأحرار لاحقًا، وفي فترة السادات أصبح من أقطاب حزب التجمع اليساري. بلغ نفوذ المصريِّين المتصارعين مع الهاشميين، أنَّه عندما طلب الملك عبد الله الأوَّل زيارة المدينة، جاءت البرقية من قيادة الجيش المصري حاسمة: يمكنكم تقديم كأس شاي له فقط.

أحب الناس المصريين، رغم مثالب كثيرة، كاستخدامهم نظام السخرة وملاحقة الشبان، واتهامهم بنشر الجشيش، وكأنَّ فلسطين لم تعرفه قبلًا، وفضلوهم على حكم الملك عبد الله، الذي ستدخل المدينة تحت حكمه منعطفًا خطيرًا وصعبًا، لن ينتهي باغتياله.

في مثل هذه الظروف ظهرت صيدليَّة حنضل. بالقرب منها في ساحة المهد استشهد ثلاثة من الطلبة في المظاهرات ضد حلف بغداد: عبد الله تايه، وإسماعيل الخطيب، وعبد الكريم عقل، من أبناء لاجئي قرى جبل القدس: بيت عطاب، وعين كارم، ولفتا. انضموا إلى قبور المتطوعين العرب. في عام 2021 ارتقى الأسير داود الحطيب في السجن، ودفن بجوار عمه إسماعيل.

تلقت الصيدلانيَّة المسؤولة خبر استشهاد شقيقها نصري أبو رُمَّان، الملقب طلق الريحان، خلال مطاردته وهروبه مع اثنين من رفاقه من قبضة الأمن الأردني.

رسم أحد فتية مخيم الدهيشة، صورة للشهيد طلق الريحان، وقصد الصيدليَّة، وقدَّمها لشقيقته. روى لي الفتى الذي سيضطلع بدور الأخ الأكبر ويسافر إلى السعودية، في عمَّان عن تلك الذكريات. من حسن حظه أنه ابتعد عن السياسة، وتحقَّق، مثل آخرين من أبناء المخيمات ماليًا. سألت مها عن الصيدلانيَّة، أخبرتني أنَّها هاجرت منذ سنوات طويلة إلى أميركا. لعلها أرادت الابتعاد عن المدينة التي حاصرت شقيقها حتى الموت عطشًا.

كان نصيب الصيدلية أن تصبح رمزًا على الاحتلال الجديد في حزيران 1967م، في واحدة من المنعطفات في مدينة المنعطفات، التي رغم استسلامها، إلا أن المحتلين قصفوها، وسقط قذائف على كنيستها.

سقطت قنبلة أمام الصيدليَّة وقطعت رأس أحدهم، الَّذي كان متجهًا إلى داخل الصيدليَّة، وفعلًا دخلها برأس مقطوعة، ليسقط فيها. احتار النَّاس، في الشهيد بدون رأس يكمل سيره، منفِّذا آخر أمر للدماغ. استولى المحتلون على مساحات شاسعة من أراضي بيت لحم وشقيقتيها بيت ساحور وبيت جالا، وضمها إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية.

آلت الصيدلية، بعد ماهر أبو عيطة، إلى نادر حجازين، الساحوري من عائلة كركية معروفة، وشهدت الانتفاضة الثانية والموت على درج السوق، وفي الحارات وحتَّى كنيسة المهد المحاصرة والتي قضى فيها عدد من الشهداء.

غادر نادر الطموح دنيانا فجاة، ما زالت الصيدلَّية تطلع بدورها الشعبي. قريبا منها بسطة خضار أم نبيل بثوبها الفلاحي، زميلتي في تكريم الياس حلبي لنا مع آخرين من وجوه المدينة التعبة.

هذه قصة مبتسرة تجاهلت علاقات الطب بالبداوة والسلاح واجهاض التطور المديني. ربما مقتل طبيب الصحة ميخائيل معلوف أحد تمظهراتها.

المدينة التي خطت بقفزات ليبراليةـ، تنغلق. تتصارع في فضائها الثقافي والتجاري قوتان مستحوذتان. من الصعب معرفة من يقف خلفهما. أو ربما ممنوع الحديث العلني عنهما. المدينة أدمنت الهمس.

#بيت_لحم

#لطقي_واكد

#أسامة_العيسة

عنف حداثي

الجمعة، 7 نوفمبر 2025

لكل طفل شهيد اسم/ جوني منصور


 


شهداء الرب، هو عنوان كتاب من تأليف الكاتب والصحافي اسامة العيسة. ينقل فيه مشاهد مؤثرة لاستباحة قتل بل اعدام اطفال فلسطينيين خلال الانتفاضتين في عدد كبير من المواقع الفلسطينية في الضفة  الغربية وغزة. والمشاهد هي روايات خاصة عن كل طفل فلسطيني يحب الحياة ويرفض الموت.

الصور النصية التي ينقلها الكاتب عبارة عن عملية توثيق تاريخي في غاية الاهمية، اذ ان هذا التوثيق يقف في وجه الرواية الملفقة للطرف الاخر والتي من خلالها يشيطن الفلسطيني ويخرجه من دائرة الانسانية ويحوله الى دم مستباح. تأتي عملية التوثيق بما تحمله من الم ووجع لتفرض مقولة رئيسية ان لكل طفل شهيد اسم  وتاريخ وعائلة ومحتمع. عملية التوثيق التي يطرحها العيسة تعيد الى الاذهان عملية توثيق اسماء شهداء مجازر الارمن والاشوريين والاكراد  وغيرهم من الشعوب.

ولا بد للفلسطينيين بالرغم من الانشغال يوميا بتفاصيل الصراع التوجه نحو التوثيق المباشر صونا لذكرى الاطفال وعائلاتهم.

#جوني_منصور

#شهداء_الرب

#العائدون_للنشر

#أسامة_العيسة

الخميس، 6 نوفمبر 2025

قراءة لكتاب أسامة العيسة “بهمش: يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة”/ نائلة الوعري


 

 يأتي هذا الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / عمان في ربيع ٢٠٢٥ للكاتب والروائي الصديق الاستاذ أسامة العيسة ” بهمش ” يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة في زمنٍ تُثقل فيه الذاكرة الفلسطينية بأحداثٍ متلاحقة، ياتي هذا الكتاب الذي بين يدي بعد مراجعة وقراءة ممتعة لقصص انتفاضة مغدورة ليذكّرنا بأنّ الكتابة ليست ترفًا، بل شهادةً تُسجّل وجع الإنسان ومقاومته اليومية بأسلوب روائي شيق من واقع ما يجري على الارض و من قلب المشهد، ومن هوامش الحقيقة التي تتعمّد السرديات الرسمية إغفالها؛ فيعيد تعريف “الانتفاضة” بوصفها حالة وعي قبل أن تكون حالة اشتباك. الكاتب والصحفي الفلسطيني أسامة العيسة، يقدّم في “بهمش ” تجربة كاتب عاش هذه الاحداث فقصصت التي كتبها تمزج بين اليومي والرمزي، بين التوثيق والتأمل، لتصبح يومياته صوت الفلسطيني العادي الذي ظلّ على هامش المشهد الرسمي لكنه في قلب التاريخ الحقيقي. إنه نصّ يكتبه من عاش التجربة، لا من راقبها من بعيد، ولذلك تأتي كتاباته من فعل الحدث اليومي صادقة، مكثّفة، ومحمّلة برائحة الأرض والذاكرة.

يفتتح العيسة كتابه بمقدمة حملت عنوان “خطبة اليوميات “مؤرخة في 18 شباط/فبراير 2024، تبدأ من مخيّم عايدة في بيت لحم، من مكانٍ صغير يختزن ذاكرة الوطن كلّه. يصف المقام الإسلامي–المسيحي الذي تحوّل بفعل الاحتلال إلى نقطة عسكرية، ليصبح المكان شاهدًا على تبدّل الجغرافيا ومن هذا المشهد ينطلق نحو الفكرة الحقيقية المعاشة ويتحدث عن أن الانتفاضة الثانية كانت انتفاضة مغدورة، لم تُهزم فقط من العدو، بل من الخذلان والانقسام والتعب الجمعي.

يكتب العيسة من الذاكرة اليومية التي تُهمَل عادة، فيُعيد للهامش صوته، ويمنح الإنسان البسيط مكانه في السرد الفلسطيني. كلمة «بهمش التي اصبحت رمز وكلمة دارجه ( تفش القلب ) لم ترد نصًّا في القصص، لكنها تسري في كل قصص الكتاب كروح كلمة تلخّص فلسفة الكتابة عند العيسة: أن يكتب من الهامش الفلسطيني، من الشوارع والمخيمات والزوايا المنسية، من الحكايات التي لا ترويها نشرات الأخبار ولا تتسع لها المنابر السياسية.

الهامش عنده ليس ضعفًا، بل منبر الصدق العاري، والمكان الذي تتكثّف فيه التجربة الإنسانية والمقاومة الصامتة. لقد كتب يومياته على هامش التاريخ الرسمي، ليقول إن الحقيقة لا تقيم في العناوين الكبرى، بل في التفاصيل التي يصنعها الناس في انتفاضاتهم بأيديهم. في النص الذي جاء تحت عنوان «عندما يفقد الموت هيبته، تفقد الحياة عبقها»، يرصد الكاتب لحظة إنسانية موجعة، حين يصبح الموت متكرّرًا حتى يفقد رهَبته، وحين تنتظر الأمهات أبناءهن في ثلاجات الاحتلال. بوجع يسري فيه وفينا كقراء ، يُعرّي العيسة واقعًا حوّل الفقد إلى مشهدٍ مألوف، دون أن يطفئ في الناس جذوة الحياة والكرامة.

ad

والصمود وفي نص «لحق عديّ بعروس السماء»، يكتب عن الشهيدين عديّ ودانية ارشيد من الخليل. لا يسرد الحدث كخبر ، بل يكتبه كمرثية موجزة تختصر وجع جيلٍ كاملٍ فقد أبناءه وبناته. وحين يقول: لا كلام، الحروف لا تعبّر والكلمات تخون فإنه يُعلن لنا عجز اللغة أمام الفقد المتكرر، ويحوّل الصمت ذاته إلى فعل كتابةٍ ومقاومة. أسلوب العيسة المكثف واقعي قريب من الناس وإحساسهم . يكتب بعيون الناس ووجوههم، لكن الاحداث تاتي بصوته الخاص. وروايته اليوميات التي كتبها والقصص الحقيقية في هذه الانتفاضة التي وصفها بالمغدورة هي حياة وحكاية واحدة، تتوزّع بين مدن ومخيّمات، لكنها تشترك في تعبير واحد : أنّ الفلسطيني لا يُهزم، حتى لو غُدرت انتفاضته، لأنه يواصل الحكاية من حيث يحاول الآخرون محوها. “بهمش ” ليس تعبير عن الغضب .

بل هي تذكير بأنّ الحكاية الفلسطينية تُكتب من الهامش، من تفاصيل الحياة اليومية التي تبقي الذاكرة حيّة رغم التعب، وأنّ الكلمة ، مهما بدت صغيرة أو عابرة فإنها قادرة على حفظ ما حاول الاحتلال والعالم طمسه. ففي زمنٍ تتسارع فيه النكبات وتتبدّل العناوين، يبقى هذا الكتاب شاهدًا على أن الروايات الحقيقية لا تصنع من الخطابات، بل من التجربة الإنسانية التي لا تُروى إلا من رحم المعاناة .

بهمش» هو شهادة على أنّ الكتابة فعل مقاومة حين تضيق الساحات، وأنّ الوعي بالهامش قد يكون أصدق من خطابات المتن. الكتاب يذكرنا بأنّ الفلسطيني لا يكتب عن الوجع فحسب، بل يكتبه من داخله، ليبقى النصّ شاهدًا على جيلٍ عاش بين الجدران ولم يهزم. في زمنٍ يُمحى فيه الصوت الفلسطيني، تبقى مثل هذه اليوميات جسرًا بين الإنسان والتاريخ، بين الذاكرة والكتابة، بين الصمود والحلم. يخرج القارئ من صفحات هذا الكتاب وهو يشعر أنّه شارك في انتفاضةٍ أُجهضت، لا لأن الناس تعبوا، بل لأن السياسة خذلتهم. أسامة العيسة لا يدوّن الحدث بقدر ما يُدين غيابه عن الوعي الجمعي، في زمنٍ صارت فيه المذكرات وثيقةَ نجاةٍ أكثر منها وثيقةَ تاريخ.

ad

ولعلّ أهم ما يقدّمه هذا العمل أنّه ينقذ الهامش من الصمت، ويعيد إلى الذاكرة أصواتًا هامسة ظنّها الجميع ضاعت بين الغبار والنسيان. ويعيد كتابة السردية التاريخية الفلسطينية “بهَمش” ليس مجرّد عنوان، بل صرخة من الهامش في وجه التاريخ المغدور. كلمه اخيرة أقولها ” الصدق أن هذه القصص عن يوميات اسامة غدرت بي ايضا فهناك من التعابير والألفاظ والأمكان وأسماء قرى وأماكن لا اعرفها هذه القصص المحكية باللهجة الفلسطينية العامة التي غابت عنا نحن في الغربه ونسينا بعضها .

توقفت عند قصة البنانير ولم اعرف معناها وجاءت الكلمة في اكثر من قصة “فتيات البنانير” واتصلت بالصديق اسامة فابتسم وقال ” الكلول# نعم اعرف حجارة الزجاج واعرف اسمها الكلول كان يلعب بها الأطفال الذكور فقط تعبير جديد علي ان تسمى البنانير. لانها زجاجية اما قصة البنز فالكاتب يقصد سيارة النقل الصغيرة تسمى بالبنز هذه الغربة القاسية أنستنا تعابيرنا وكلمات غابت عنا من ذكرى طفولة وغربة #بهمش

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

خلود الروائع/ تحسين يقين


 


من كتاب: ملامح الرواية الفلسطينية الجديدة ما بعد أوسلو، الصادر حديثا للناقد تحسين يقين:

"مجانين بيت لحم لأسامة العيسة رواية ما زلنا نقف عندها. خلود الروائع".

"لقد كان للعامل النفسي هنا أثّر على الذات الساردة، حيث وجدهم من المؤثرات التكوينية في نظرته للحياة وللبشر وللصراع المفضي إلى الظلم والعبث والجنون بأنواعه العاقل وغيره، فلم يستطع الفكاك منهم ومنهن، فاستسلم لتداعيات الذكريات التي ما زالت تحضر، أو ما يحضر من شبيهها.

في ظل ذلك، يتراءى العامل الاجتماعي-الثقافي الذي كان من عوامل الخلل النفسي، في حين يتراءى أيضا من بعيد العمل السياسي-التاريخي، والذي أثّر على المكان، فزاد من اختلالاته الاجتماعية والنفسية أيضا، بما مرّ من دول مرّت هنا، وتركت بصماتها العبثية إلى حد اللامعقول، والتي أصابت المجموع ب"لوثة بيت لحم"، والتي انتقلت عدواها إلى الحكام والإداريين والضباط والأطباء النفسيين أيضا .(جنون العظمة)، والتي ما زال المكان-الوطن مصابا بها".

#تحسين_يقين #ملامح_الرواية_الفلسطينية_الجديدة_ ما_بعد_أوسلو #مجانين_بيت_لحم #أسامة_العيسة

الاثنين، 3 نوفمبر 2025

البحث عن شاعر العقبة


 


1

تعرفت على الشاعر يوسف حمدان، ولم أكن أعرفه بشاعريته، عندما كان عمري ستة أو سبعة أعوام في الكويت، سافرت رفقة أمي إلى أخي الأكبر الَّذي غادر البلاد قبل ولادتي بعامين، وجعله ذلك الحزيران نازحًا، عزمنا حمدان على الغداء عنده، إكرامًا لصداقة عمره لزميله، تعرفت على الشاعر يوسف حمدان، ولم أكن أعرفه بشاعريته، عندما كان عمري ستة أو سبعة أعوام في الكويت، سافرت رفقة أمي إلى أخي الأكبر الَّذي غادر البلاد قبل ولادتي بعامين، وجعله ذلك الحزيران نازحًا، عزمنا حمدان على الغداء عنده، إكرامًا لصداقة عمره لزميله، وهما من قريتين قريبتين نسبيا زكريا وإذنبة. تخرجا من معهد وادي السير التابع لوكالة الغوث، وسافرا للكويت ليعملا مثل أعداد كبيرة من الفلسطينيين.

دور الأخ الأكبر في الأسر الفلسطينية المنكوبة، كان انقاذيا، يمكن الوقوف على ذلك في كتاب مريد البرغوثي: رأيت رام الله.

أذكر زيارتنا لمنزل حمدان، وأذكر زوجته، بما يناسب ذاكرة طفل هلامية، ولكن ربَّما أكثر ما أتذكره من المشوار الكويتيِّ، زيارتنا لمتحفٍ تراثي، ومحاولتي البائسة القبض على حبات الزيتون في الطائرة التي أركبها لأوَّل مرَّة، بنكاشة أسنان، أكتشفها لأوَّل مرَّة ولم أعرف وظيفتها، فلا وجود لها مع أدوات طعامنا على الطبليَّة.

تجدَّدت علاقتي بشاعرنا، إذا جاز تسميتها بعلاقة، في أواخر الثمانينيَّات، عندما أقمت عند أخي في مدينة العقبة، ولكن هذه المرةَّ كنت بالنسبة له زميلًا، محتفظًا بعددٍ من مجلة فلسطين الثورة تحوي موضوعًا لي على الغلاف الأخير أو الداخلي. وهذا بالنسبة له تكريسًا لي كاتبًا زميلًا. قدَّم لي العدد بفرح شاعر بكاتب.

اعتادت صحف المقاومة الفلسطينيَّة التي تصدر في بيروت الاحتفاء بمنشورات لكتَّاب من الأرض المحتلة، فتنقل مواضيع لهم من الصحف التي تصدر تحت الاحتلال. كان بعضنا على علم بذلك، كانت الجامعة العبريَّة تحصل على صحف المقاومة، ومنا من كان يتابعها في مكتبة الجامعة.

تصادقت وشاعرنا، هذه المرَّة، صداقة حقيقية، ومنه تعرفت على كواليس حياته الثقافيَّة والعائلية، إضافة إلى استعارة كتب منه، والتي كانت مهمة، إضافة لمداومتي في مكتبة بلديَّة العقبة التي توفر الصحف والمجلات العربية ويديرها صديق عزيز من شلة الإخوة من الأرض المحتلة الذين نعيش عند الإخوة الأكبر سنًا وعقلًا، والمتحققين ماليًا واجتماعيا. كنا هوامل الإبل، والإخوة الكبار الشوامل.

سأتعلم في العقبة، كيف يمكن لما أحدثته النكبة والنكسة في العائلات الفلسطينية، قد لا يلتئم أبدا، إضافة إلى الأثر الكارثي لأي عضو يجنح في العائلة. ويمتد تأثيره إلى أجيال لاحقة، غبية وكسولة لا تُكبر المبادىء.

في مكتبة العقبة، بدأت بنسخ كتب نادرة، على دفاتر، منها ما زلت احتفظ به، كقصائد لجميل صدقي الزهاوي. في ذاكرتي رحلة الشاعر العراقي إلى مصر، منافحًا عن خقه في إمارة الشعر. أين قرأت ذلك؟ لا أعرف، ولكنَّني أكبرت الزهاوي. خمنت أن كتابه الذي يحاكي فيه رسالة الغفران، قد يكون ممنوعًا، فأثرت نسخه لمزيد من التعلم، ولحفظه عندما يتبنه له أحدهم ويمنعه أو يحرقه. قد أخصِّص منشورًا للكتاب.

من قراءتي تلك، كتاب اللامنتمي الذي أدهشني، وتأسيت على كولون ولسون، الذي كنت قرأت له كتابًا غريبًا عن العجائب في معتقل الفارعة، سأظل حزينًا على مآل ولسون، حتى قرأت مذكراته، وتبين لي كيف أصبح رهينًا للناشرين، يكتب حسب طلبهم فزدت أسىً. خمنت أن العنوان: اللامنتمي قد لا يكون الأوفق، ولكن هذا لم يعد مهمًا. من يذكر كولون ويلسون الآن؟

من الكتب الذي أذكرها، رواية الصخب والعنف لفوكنر، ولم أكن لأفهمها بدون مقدمة جبرا إبراهيم جبرا الضافية.

2

كان شاعرنا يعمل في شركة الكهرباء، وهو مثل أخي، استدعتهم السلطات الأردنية، كوادرًا مهنية من الكويت، بشروط عمل مجزية، وتوفير سكن، للمساهمة في نهضة العقبة كمدينة صناعية. وليشكلوا طبقة متوسطة عليا، سيصير لها تقاليد شائهة.

ولكون يوسف حمدان شاعر غير محسوب على المعارضين، كان يستعان به، لنظم الشعر، أو إلقائه في المناسبات المحلية. أكثر ما سبب له الإحراج، نشر الصحف التي تصدر في عمَّان أخبارًا تذكره كشاعر مناسبات معظمها حكومي، أو تنشر أبياتًا مما يلقيه، وهو لا يساوي عنده، إبداعيًا، شيئًا. أخبرني أنَّه اتصل بأصدقائه المحررين، متمنيًا أن لا ينشروا شيئا يخصه، إلَّا إذا أرسله هو.

أهم ما كان يرسله، قصائد وأناشيد للاطفال أو الأولاد، وأظن أنَّه حقَّق نفسه في هذا المجال، وأهداني دواوينه.

منها ديوان أهداني منه نسختين، صدر الديوان عن دار الكرمل التي كان يديرها الراحل خليل السواحري، وعلى غلافه علم فلسطين، ولكن يبدو أنَّ الرقابة أو دائرة ما أو موظف خائف أمر بمصادرة الديوان، رغم ما عُرف عن السواحري علاقته الجيدة مع النظام.

اضطر شاعرنا ودار النشر، لإصدار الديوان من جديد شاطبين العلم من لوحة الغلاف، وعلى الأرجح أنَّه سحب مني النسخة الملعونة، ربَّما خشية تسريبها.

قدَّمت الديوان أديبة الأطفال روضة الفرح الهدهد: "يحق الشاعر يوسف حمدان أن يفخر، فهو أكثر الشعراء في الأردن امتدادًا وانتشارًا على صفحات ملاحق ومجلات الأطفال الصادرة في الأردن".

لاحظت عندما عدت للطبعة المعدلة لديوانه: أناشيد الفجر الآتي، أنَّ لوحة العلم الفلسطيني موجودة في الصفحات الداخلية. ربَّما كان اتفاقًا إرضائيًا مع الرقابة. تاريخ إهدائي النسخة 31/12/1987. أرجو ممن عمل مع السواحري في دار الكرمل، ويعرف الموضوع، إخبارنا أكثر.

أصدر شاعرنا، مذكراته، قبل سنوات، ولم يتسن لي قراءتها، ولم ألتقيه، في عزاء أخي في العقبة. لقد نسيت صحبتنا، ولمت نفسي لاحقًا لماذا لم أسأل عنه. وقبل ذلك خلال مرض أخي المميت.

(نص مبتسر)

#يوسف_حمدان

#أسامة_العيسة

الأحد، 2 نوفمبر 2025

عدالة الجسد وسياسة المكان والذاكرة


 يقدّم أسامة العيسة في روايته «بنت من القُدْس الجديدة» عملاً سرديّاً يختبر قدرة الأدب على مساءلة القانون، والأخلاق، وذاكرة المكان والتاريخ  في آنٍ معاً. هذه الرواية «رواية مدينة» تُكتب عند تخوم المحاكم في أوائل القرن الماضي، والأرشيفات، والمخططات الاستعمارية، ومائدة الخبز اليومي. جوهرها واقعة قضائيّة تبدو بسيطة في ظاهرها: امرأة مقدسيّة (صالحة) تتقدّم صراحة إلى المحكمة وتطالب بتعويضٍ عن «إزالة بكارتها بطريقة غير مشروعة». غير أنّ العيسة يحوّل هذا الملف إلى عدسةٍ تكبّر طبقات القدس: سلطة القاضي، أخلاق الجماعة، هندسة المستعمر للفضاء، وسياسات التسمية، وحياة الناس الدقيقة. من هنا تأتي فرادة الرواية: حيث أنها تنسج التخييل بالوثيقة بدون أن تُسلم قيادها لأيٍّ منهما.

قاعة المحكمة بوصفها مسرحاً للمدينة

ينطلق السرد من قاضٍ يلقبه أقرانه الأدباء في «مقهى الصعاليك» بـ«التنكزي»، وهو قاضٍ مأزوم بالأسئلة المهنية والأخلاقية. لا يعود إلى بيته بعد أول مواجهة مع صالحة، بل يلجأ إلى أرشيف المحكمة الضخم وغير المنظم ليقلب سجلات قديمة «بحثاً عن قضايا مشابهة نظرها أسلافه»، فيعلن منذ البداية أن زمن القدس دائريّ متكرر وأن ما نشهده اليوم له سوابق وأشباه في قرون مضت. هذا التخييل لا يلغي الانحياز إلى «الوثيقة»، لكنه يفتح له ممرّاً: يعود القاضي إلى سجلات شرعية تعود إلى 1545م تُدين رجلاً في باب حطة وتنفِيه من المدينة، فيرى في التعزير حكماً مناسباً ويتوقف عند قسوة النفي كعقوبة تاريخية.
وهكذا تُبنى الرواية على حركة ذهاب وإياب بين غرفة المداولة وحواشي السجلّات: كلّ استدعاء لوثيقة قديمة يرفد الحاضر بتأويل جديد، وكلّ ترددٍ في المحكمة يدفع الراوي إلى حفريات أرشيفية أو إلى ساحة المدينة. هذا التناوب يمنح النصّ إيقاعاً بحثياً دون أن يفقد نبض الحكاية.
تتبدّى جُرأة الرواية في وضع جسد المرأة داخل لغة الحقّ. لا تأتي صالحة مستحية ولا مترددة؛ إنها تخاطب القضاء مباشرةً وتطالب بتقدير ثمن بكارتها، ثم تراجع القاضي الأعلى لأنها اصطدمت ببطء الإجراءات، وبيروقراطية القضاء. وفي الجلسة، حين تسترسل حجتها: «لا يوجد للواحدة منا إلا بكارة واحدة»، يلتقط السرد منطق الندرة والتعويض ليختبر سُبل تحويل «الفضّ» من وصمة اجتماعية إلى واقعة قانونية قابلة للإثبات والتعويض، مع ما يثيره ذلك من أسئلة: كيف يُثبت الشرع ذلك؟ وكيف تنضبط المعايير في قاعةٍ محكومة بأعراف المدينة وبيروقراطية الدولة؟
لا يقدّم النصّ أجوبة حاسمة؛ إنه يضع القاضي تحت تربّص ضميره ومهنته، يُهدّد المتقاضي بالغرامة إن استهان بالمحكمة ويعيد فرض الانضباط الرمزي على جلسة تهددها الفوضى. بهذا المعنى، القاضي «بطلٌ مُحرَج»: يُعرّي هشاشة العدالة الإجرائية عندما تُحمَّل بأعباء الجسد والسمعة.
تحتمل الرواية عنواناً فرعياً دالاً: «قاضٍ يحكم على نفسه»؛ وهو اختيار سردي يعيد مركز الثقل من «الحكم على الغير» إلى محاكمة الضمير المهني. في مشاهد متفرّقة، نرى القاضي ينتفض لكرامة المحكمة حين تتلكأ إدارات أدنى في إحالة الملف، ويواجه مراوغة المتهم واستفزازه، ثم يذكّر صالحة بحدود الخطاب في الجلشة، ينكشف القاضي كإنسانٍ محصور بين النصّ والواقع دون أن يتضخّم  دوره كبطل؛ وإذا كان قد تميز بعقوبة أوقعها على ذاته، فإن المهم سرديّاً هو الاعتراف بأن الحكم الأخلاقي لا يختزل في الصكّ القضائي، وأن العدالة ليست قراراً منفرداً بل شبكة من مؤسسات ونزعات وذاكرات.

الحداثة الاستعمارية: آشبي والخرائط التي لا تُمسك بالقدس

على الضفة الأخرى من قاعة المحكمة، تتبدّى القدس بوصفها ميداناً لحداثة استعمارية يحضر فيها المستشار البلدي البريطاني تشارلز روبرت آشبي بصوتٍ لا يخلو من سخرية وازدراء. يقول ـ على نحو كاريكاتوري ساخر ـ إن «مدينتكم هذه لا حلّ لها… معالمها الإسلامية والمسيحية واليهودية… وجمهور من الأوباش، وجميعهم لهم مصلحة في إبقاء الأمر الواقع»، فيكشف خيبة مهندسٍ يريد ضبط مدينةٍ تتفلّت من تخطيطه.
لا يُساجل النصّ الآراء العمرانية نظريّاً، بل يدحضها عبر السرد: فكلّ محاولة لتسوية المدينة في المخطط تُقابلها عودة موجات الرعب واندفاعة السكان وتداخل المقدّس بالدنيوي، كما في «وباء الرعب» الذي «ينتقل كالوباء» خارج الأسوار، فتتحرك أجهزة الأمن والدين لتهدئة الجمهور بدون معرفة سببٍ واضح لبداية الهلع ونهايته.
تبلغ الرواية ذروة نقدها للحداثة العنيفة عند تفجير فندق الملك داود: ينهض المشهد مدعّماً بالتعدادات والأرقام (91 قتيلاً، بينهم 41 عربياً و28 بريطانياً و17 يهودياً) ليذكّر بأن أدوات التنظيم الاستعماري لم تمنع تصعيد الإرهاب الصهيوني ضد المدنيين في زمن الانتداب، بل استُدرجت إلى ساحة العنف ذاتها.
في فصلٍ آخر، تُدار معركة رمزية حول اسم المكان: «البقعة» التي يسميها أهلها «وادي الورود» لحدائقها وماء الورد، في مقابل الاسم العبري «عِيمِق رفائيم»، ومحاولة تغييره في زمن الإدارة البريطانية التي رفضت خوفاً من غضب السكان. هنا تُبرز الرواية أنّ التسمية ليست حياداً لغوياً بل صراع على الذاكرة والخيال الجمعي، وأنَّ سيطرة المستعمر على الخرائط تمرّ عبر تغيير أسماء الأمكنة.
لا تكمن الفائدة السردية للاستعانة بالوثائق في توثيق الواقعة فقط، بل في توليد شعرية خاصة. حين يورد السرد خطاباً مملوءاً بألقابٍ سلطانيةٍ قديمة ـ كما في سيرة نائب السلطنة المملوكي تنكز ـ فهو لا يُعيد إنتاج البلاغة الوسيطة مجاناً، بل يفضح تضخّم السلطة في اللغة ويقارنها بلغة المحكمة الحديثة الجافّة.
كذلك يرصّ المشاهد التي تتناول «اختلاط الرجال بالنساء في الحرم القُدسي» مقرونةً بإحالاتٍ سجلية إلى سنوات 1556–1557م، بما يوحي بأن أخلاق المدينة تُعاد كتابتها دوريّاً تحت العيون ذاتها: عين القاضي، عين الصوباشي، وعين الجمهور الذي يشهد ويشي ويُصلح. هذه اللعبة الأرشيفية لا تُعطل اللذة الحكائية؛ لكنها تُقوّي إحساس القارئ بأنّ ما يقرأه له جذور في عادات التقاضي وبلاغة الحُجّة، وأنّ المدينة لا تُفهم دون لغة سجلاتها.
لا تكتفي هذه الرواية بفضاءات القضاء والسياسة؛ فتهبط إلى «اقتصاد الرموز اليومية»: مشهد «الخبز المطبطب» الذي يُعرّف به أبو ميلاد بوصفه أكثر من خبز، «رمز للثقافة والضيافة»، سافر من أديرة السالزيان في إيطاليا في القرن التاسع عشر ليزيّن موائد عابرة للمتوسط. هذا التفصيل «المطبخي» دليل على تدفّق الذاكرة عبر قنوات غير بطولية: رغيفٌ يربط بين إيطاليا والقدس، بين الرهبنة والبيت، بين نصّ المدينة ونصّ المعدة. إنه يقترح قراءةً للهوية كشبكة تذوّق بقدر ما هي شبكة عقائد.
يُعلن الراوي صراحةً في مفاصل عدة، وعيَه بصناعته: «وسوسة روائي، تفلت الخيوط من يده». كما يتردّد عنوان فصل «توجس كاتب المجانين، وكسرة كِسرى» بوصفه تعليقاً ذاتياً من داخل النص على هشاشة السيطرة السردية حين تتكاثر الملفات والشخوص والمراجع. هذا الإفصاح يؤنسن السارد ويقرّ بأن رواية مدينة متشعّبة كالقدس لا تُختزل في حبكةٍ واحدة، وأنّ «الوثيقة» نفسها تتفلّت وتتوالد.
تستثمر الرواية ذاكرة الأفكار السياسية وهي تقفز بين الأزمنة: من مقترحات «الدولة الواحدة» إلى مآلات «الرئيس الثوري» و«الكتاب الأخضر» و«الكتاب الأبيض»، في سياق تلميحاتٍ إلى سرقة الأفكار وادعاءاتها، وصولاً إلى الشعرة الفاصلة بين الشعارات والواقع. لا تشرح الرواية هذه المقارنات نظرياً، بل تتركها تعمل كإسقاطات تذكيرية داخل السرد لتسائل منطق الحلول الشمولية وصلتها بحياة الناس.
أسلوب العيسة مُركّب: يمزج لغة المحاضر القضائية الجافّة، والعامّيّات المقدسية المحتشدة بالتناص المحلي، وبلاغة السرد الكلاسيكي (التعداد، النَّبز، المبالغة الساخرة)، إلى جانب نبرة توثيقية حين يورد الأرقام والوقائع (تفجير فندق الملك داود). المقاطع التي تتبادل فيها الشخصيات الشتائم، وتلوّح المحكمة بالغرامات حفاظاً على هيبتها، تؤدّي وظيفةً فنيّة: إحياء المسرحة في قاعة المحكمة وإظهار الصراع الخطابي بين «حقّ» يُنطَق به و«هيبة» تُحافَظ عليها.
يمكن للقارئ أن يُسجّل على الرواية ميلاً إلى الاستطراد، خصوصاً حين تتكاثر المقارنات السياسية، أو حين يصرّ الراوي على تذكيرنا بأن «الخيوط تتفلّت من يده». لكن ذلك إعلان موقف جمالي: حيث أن رواية مدينة مركّبة مثل القدس لا تُختزل في سردٍ خطّي، والكاتب يفضّل أن يُبقي «الملفّ مفتوحاً» على قراءاتٍ متعدّدة. بهذه الروح، تتحقّق قوّة النصّ، فالمشهد القضائي ـ الذي قد يتحوّل لدى كاتبٍ آخر إلى مثاليةٍ وعظيّة ـ يُقدَّم هنا كمختبرٍ لأخلاقٍ متضاربة لا تني تتفاوض مع التاريخ والسياسة واللغة.
تُراهن «بنت من القُدْس الجديدة» على ذكاء قارئٍ محترف، قارئٍ يقدّر سحر التفاصيل حين تُحسن اختيار معناها، ويحتمل أن تتجاور في الصفحة الواحدة سجلات عام 1557 مع ملفٍّ في محكمة البداية ومع سخرية مهندسٍ بريطاني ومع رغيفٍ على مائدة عائلة مقدسية.
ولا تُقرأ هذه الرواية مرّةً واحدة. فهي لا تتخيّل القدس فحسب؛ بل تدرّب قارئها على قراءتها: مدينةٌ تفاوض القضاء بقديمه وحديثه، تُجرّب حداثة المستعمر ثم تُحبطها، وتُغنّي خبزها المطبطب بوصفه ذاكرةً لا تقل شأناً عن أي حكمٍ قضائي. بهذا المزج المتقن بين بلاغة الوثيقة وحياة الناس، يضع العيسة عمله في صف مهم من الروايات العربية التي أعادت التفكير في وظيفة الأدب، ليس لتأكيد هويةٍ جاهزة، بل لصناعة معرفةٍ نقدية تُسائل المكان والحقّ والاسم، وتمنح القارئ أدواتٍ جديدة لفهم القدس ـ بوصفها نصّاً مفتوحاً لا يكفّ عن إعادة كتابة نفسه.

أسامة  العيسة: «بنت من القدس الجديدة»
دار المتوسط، ميلانو 2025
160 صفحة.

السبت، 1 نوفمبر 2025

حكاية كل ألوان القهر/ سمر بنورة


القدس مليئة بالحكايات والأسرار شهادة الكاتب أم حكايته؟ إنَّها حكاية الشهادة التي لم تقل قط ولم تكتب من قبل، وهذا ما عبَّر عنه أسامة العيسة في روايته (بنت من القدس الجديدة)، فهي حكاية كل ألوان القهر والعنف والخوف واليأس والبؤس. حكاية بنت ذات حس متفجِّر. البنت البعيدة عن التنميط والقولبة. أُنوثتها الحيوية والتي تحقق حريتها ليست بتحرير الجسد بالمعنى المبتذل. 

إن المفاهيم النمطية السائدة تظل تطل برأسها في ما نكتب وفيما نقرأ، فالأديب أسامة العيسة لديه مسؤولية التحرر من قيد النمطية في كافة كتاباته.

فهو صوَّر لنا المجتمعات المهمشة والأكثر حرمانًا في القدس، واستحضر هنا قصة صالحة في روايته والتي بين سلوكها وتوجهاتها وكيفية مواجهتها، المشكلات.

أشار إلى فئة المجانين الذين هم أهم من يؤثث ذاكرتنا المضيئة وليس العقلاء، فكلام البنت صالحة كان مليء بالجنون ولكن في نفس الوقت مليئًا بالحقائق المرَّة التي تعيدنا الى أنفسنا المتعبة، ففي هذا الحال من هو العاقل في عالم فقد كليا عقله؟!

حكاية صالحة طويلة وعريضة وممتدة وغير قابلة للتلخيص.  وبالرغم من قوتها بقيت وحيدة في هذا الكون. عند دنو نهاية صالحة فعلًا لا تبقى صور للذكرى، تبقى الكلمات وحدها ولا غرابة في الزمان بين الكلمات التي مثلتها والتي كانت رموزًا في ذاك الزمان، وقد عبرت فيها عما قريب سأكون الجميع ساكون ميتة.

في هذه الرواية يجسد لنا الكاتب تجربة فلسطينية ويعطيها بأسلوبه الجديد معنى  جديدًا. حيث تتصف بالحكمة والاعتدال  وواسع الإدراك الحسي، حيث يمتلك في كتاباته لغة الحواس قبل اللسان ولغة الحوار، ولا ننسى لغة الإنسان المعاصر الراقي والمميز. فأنت، يا أسامة، تجمع في روايتك العلم والتاريخ والمعرفة والفكر والثقافة.

#سمر_بنورة #بنت_من_القدس_الجديدة #مكتبة_تنوين #منشورات_المتوسط  #أسامة_العيسة