تمكنا
نحن أولاد جيل الأزقة والنجوم البعيدة، وبناته، من صمدنا أكثر من دول المواجهة
(هكذا كانت تسمى)، من قهر الجيش الَّذي لا
يقهر، مرتين على الأقل في جبهة تمتد من المخيم إلى ساحة المهد، كما قهرناه في
جبهاتٍ أخرى.
انطلقناة
في مظاهرة، يمكن أن يصفها صحفي، فقير المصطلحات مثلي، أنَّها حاشدة، وهي كذلك
بحشود أولاد المخيم وبناته، من شارع القدس- الخليل، متحمسين نردد خلف الهتَّافين، ولعل
أهمهم خالد حلمي، لفلسطين وللوحدة الوطنيَّة، التي كانت آنذاك بالنسبة للأولاد
والبنات: "وحدة..وحدة وطنيَّة/ فتح وجبهة وشيوعيَّة". على الأغلب لم يكن
محمد اللبدي، قد نجح في إيصال رسالة أبو النوف حواتمة إلى أولاد المخيم، وربما لم يكن
هو قد تبنى الرسالة. لم يكن، أيضًا، صالح أبو لبن قد تحرَّر. الأخوان المسلمون
خارج المعادلة، وعندما ظهروا لاحقًا في المخيم، ربطوا أنفسهم بجماعة الأخوان
البائسة في الأردن (بائسة مثل نظيرها الشيوعيِّ)، وعلى الأرجح، وبقرار من قيادة
عمَّان، ناضلوا ضد الوطنيِّين، برشق المنازل بالمولوتوف، وحرق السيَّارات،
والاعتداء على منازل وطنيين من المخيم، انتقلوا للعيش خارجه. لم يتلق أي من
المعتدى عليهم اعتذارًا حتَّى الآن. ستكون حماس، بعد نحو سبع سنوات، مختلفة عن
الأخوان.
اكتشف
الصديق شوقي، نظرية، يجهد فيها الآن، أنَّ الاخوان والشيوعيِّين الأردنيِّين، نفَّذوا
تعليمات لندن، وموسكو، وتوصل لنتائج متشابهة على سيرة الطرفين السياسيَّة.
وصلنا
المدبسة، غير مصدَّقين تحقيق هذا الإنجاز، وأمام قهوة المِسْمِسْ، تحمَّس المِسْمِسْ
بنفسه الَّذي لم يصدِّق أنَّنا حررنا المكان، فخلع قميصه، وأصبح جزؤه الأعلى عاريًا،
وتقدمنا يهتف، ربما إحساسًا بمسؤوليته تجاهنا نحن الأصغر سنًا منه، وكأنَّه انبثق
من مكانٍ غير معروف وغير متوقع، يؤكد بعريه شيئًا قد لا يكون هو نفسه يعرف كنهه،
ربمَّا تمثَّل المقولات التي نسمعها عن المواجهة بالصدور العارية. فطبقها حرفيًا.
وصلنا
درج السوق، أمام صيدلية حنضل الأبقونية، الشاهدة على هزيمة الأنظمة، وانبثاق جيل
الأزقة والنجوم البعيدة. يبدو أنَّه في مكانٍ ما في قيادة جيش الاحتلال الغافل
اتخذ قرار بوقف وصولنا إلى مركز الشرطة في ساحة المهد، فَفُتحت النيران علينا من
مسافة بعيدة نسبيًا، فجرحت على الأقل زميلتنا جواهر، ولم نتمكَّن من العودة إلى
المخيم الَّذي حاضره جيش الاحتلال، فتفرقنا أيدي شوارع وحواكير زيتون وأزقة.
مع
هبوط الظلام، قبل الأولاد والبنات، بأبي جريس، رئيس البلدية وسيطًا، والَّذي اضطلع
بدوره بشهامة ريفيَّة، وقاد بنفسه إعادتنا إلى المخيم ليلًا. أبو جريس كان عضوًا
سريًا في حركة فتح نظَّمه القائد الشهيد أبو جهاد، بواسطة زميله حنا الأطرش رئيس
بلدية بيت ساحور (شهادات خاصة) ولم يكن بروزته صورته مع شمعون بيرس في صالون منزله،
على شارع القدس- الخليل، سوى نوع من التمويه. سيلقي أبو جريس كلمة الانتفاضة في
المجلس الوطني عام 1988م (يحتاج إلى تأكيد). تفضَّل الأطرش في نهاية التسيعنيات،
وأرسل لي ردًا مكتوبًا، على مقال تضمن اتهامات صعبة لرؤساء بلديات بيت لحم، وبيت
ساحور، وبيت جالا. وهذا موضوع آخر.
تمسَّك
عرفات بأبي جريس كأوَّل وزير سياحة في السلطة الفلسطينيَّة، حتَّى وهو يحتضر،
وعندما مات، أصدر أوَّل رئيس للسلطة، بيانًا نعاه بوصفه شهيدًا، وهو شرف لم ينله
وزيرًا. من يوم عرفات حتَّى يومنا.
ما
زال ا المِسْمِسْ وجه المدبسة المعتق يصنع القهوة، تعبق رائحتها في المكان فتختلط
برائحة خبز السالزيان وفلافل أفتيم وبن العلاري، وزعتر الفلاحات.
#مخيم_الدهيشة
#محمد_اللبدي #صالح_أبو_لبن #شوقي_العيسة #أسامة_العيسة













