أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 16 نوفمبر 2025

رحيل بائع فستق!


 


انطفأ ابو جوهر، في منزله قبالة دير الجنة المقفلة، يفصل بين المنزل والدير، وادي ارطاس، جزء من أطول أودية خط تقسيم المياه في الهضبة الفلسطينيَّة الوسطى، الذي يصب في البحر الميت، بطول يصل نحو 25 كلم. يبدأ من وادي البْيار، حيث واحدة من المعجزات المعمارية الفلسطينيَّة. أخذ الوادي اسمه من نحو 70 فتحة لقناة حفرت في الصخر الصلد، من أجل أمن القدس المائي.

يقع منزل أبو جوهر بمحاذاة قناة المياه الأسطورية التي حملت المياه إلى القدس، ونكبتها النكبة، أمَّا الدير، أجمل أديرة البر الفلسطينيِّ، فيقع على أقدام جبل أبو زيد. في أشهره الأخيرة رأى أبو جوهر البؤرة الاستيطانية الجديدة أعلى الجبل، في تحدي جديد لاساطير الملاحم الهلالية، التي نسجها أسلاف أبو جوهر في المكان الذي شهد، بالنسبة للكتابيين، غزل سليمان في محبوبته، وولادة أعظم قصيدة حب وأقدمها، واعتبروا نبع ارطاس، الفم المختوم في نشيد الإنشاد.

أبو جوهر هو بائع فستق العبيد على مدبسة بيت لحم. في ظل فلافل أفتيم، أجيال من الأفتيميين لا ييبخلون بفلافلهم على أبي جوهر وغيره، وكأنَّ وصفة الفلافل الَّتي أخذوها معهم يوم نكبتهم من يافا، هي بمثابة رسالة. في بيت لحم، بيت الخبز، لا يجوع النَّاس.

أحببت دائمًا سماع حكايات أبو جوهر جالسًا بجواره على البسطة. لم يكن أبو جوهر دائمًا بائع فستق. هو من الجيل الذي كان عليه مواجهة واقع جديد بعد النكسة. لم يكن مسيسًا أو له نشاطات وطنية. واحد من جيل الصدمة، استعد لملاقاة الجيش المصريّ في تل أبيب، فوجد جنود اليهود أمام منزله يطلون على الدير، ودار الراهب أعلاه التي قيل أنَّه عاش فيها قبل الحرب يهوديِّ مستعرب. وظهر على حقيقته مع احتلال القرية. مثل هذه الحكايات شاعت بين المهزومين. ليس للمهزومين من تسلية سوى جلد الذات والتسلي على غبائها.

حدثني أبو جوهر عن ملاسنته للجنود، مظهرا أمامي فروسية قد تكون تعويضية. في سنوات الاحتلال الأولى كان كل من الطرفين في حالة تعارف واستكشاف، وإن كانت غير متساوية. وجد أبو جوهر نفسه في تل أبيب، بالطبع ليس ليلتقي الجيش المصري، ولكن في سوق العمل الأسود.

لم يكن لحياته أي خصوصية، وكأنَّه رمز لجيل وجد نفسه عاريًا، خلال أيام قليلة، قيل أنَّها ستة أيَّام، لكن بالنسبة له لم تكن سوى ست ساعات أو ست دقائق.

 منذ الانتفاضة الثانية، افتتحت مقبرة للشهداء، بجاور منزل أبو جوهر بمحاذاة بركة رومانية هي على الأرجح جزء من النظام المائي الذي متع القدس بالمياه، ليصبح شاهدًا على سبيل دماء جديد لا ينتهي، غادر والدماء في كل مكان.

وداعًا صديقي!

#إرطاس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق