في
عام 1984م، حُست في معرض الكتاب في الغرفة التجارية في القدس، بتنظيم مكتبة دار
الجامعات، وعثرت على ما اعتبرته مفاجأة؛ رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان، التي
عرفت عنها هنا في الأرض المحتلة من صحيفة الأهالي وصحف مصريَّة أخرى، كانت تصلنا،
فضلة السلام الساداتي.
لا
أعرف كيف عرف أبو صالح، مدير الدَّار، برغبتي الجامحة في الرواية، وأنني مُفلس،
فقدَّم الرجل النبيل، ابن لفتا القدس، الرواية، بطبعتها اللبنانية، على ما أذكر،
هدية، مبددًا خجلي، مقللًا مما فعله، بفتح موضوع النشر في لبنان رغم الحروب المتتالية
التي تعصف به.
أمضيت
فترة مع الرواية، التي لم تكتب كالروايات، ولعل أصلان، كتبها بتقنية القصة
القصيرة. ستمضي الأيام، وسأرى على الشاشة ما غمض من شخصيَّات الرواية الكثيرة، على
شاشة داود عبد السيد، في فيلم الكيت كات. استغربت كيف استغنى المخرج
"الشاعري" عن اسم الرواية "الشاعري"، ووضع بدلًا منه بدا لي
اسمًا تجاريًا "شارعيًا". موسيقى راجح داود المذهلة، ودرجنته لأغنية
الفلم.
هل
كان الفلم، نصًا على نصّ؟ على الأغلب كذلك، بأيدي مخرج مثقف، تمكَّن من فك أسرار
مالك الحزين.
قبل
السابع من أكتوبر، عدت لمكتبة دار الجامعات في منارة رام الله، كان أبو صالح قد
غاب منذ زمن، وعصفت الرياح بمكتبته، واقتنيت، بتنزيلات مذهلة مجموعة كبيرة ومهمة
من المراجع، من تاريخ الإسلام للذهبي، إلى فتاوي ابن تيمية، وبينهما الطبري، والمسعودي،
وتراجم، وكتب الكشاكيل وغيرها. ساهم أحمد مزهر في العتالة، كرَّرت الطلبيات لاحقًا،
لأعود مفلسًا سعيدًا، حبورًا، محبورًا!
أُغلقت
مكتبة الرجل الطيب. وبالأمس فارقنا داود عبد السيِّد. لم أعجب بأفلامه كلّها، ومنها
فلمه المقتبس، لعله فلم البدايات، وتكراره لثيمات وثنائيات فيها.
ورغم
أنَّني لست من أنصار أفعال التفضيل في الفن، إلَّا أنَّني أعتقد أن عبد السيِّد،
ليس فقط بزَّ أبناء جيله من الطلائعيين، أمثال محمد خان، وعاطف الطيب، وخيري
بشارة، وغيرهم. لكنَّه المخرج العربيّ الأهم في السينما العربيَّة.
بالنسبة
لأمهاتنا، فإنَّ مالك الحزين، الذي يزرونا مهاجرًا، تبلغ حساسيته، ورهافته، أنَّه
يعش بجانب البحار، ولكنَّه قد يموت عطشًا، ولا يشرب منها، خشية نقصانها.
شاعر
القدس العظيم؛ الجامعة، سيعبِّر، في سِفره، عن صورة وجودية أخرى، يموسقها محمود
درويش:
"كُلُّ
نَهْرٍ سيشربُهُ البحرُ
والبحرُ
ليس بملآن"
بالأمس
غاب داود عبد السيِّد، مالك حزين مبهج، وصاحب رسائل بحر حزينة!
#داود_عبد_السيِّد
#إبراهيم_أصلان
#أسامة_العيسة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق