1
تعرفت على الشاعر يوسف حمدان، ولم أكن أعرفه بشاعريته، عندما كان
عمري ستة أو سبعة أعوام في الكويت، سافرت رفقة أمي إلى أخي الأكبر الَّذي غادر
البلاد قبل ولادتي بعامين، وجعله ذلك الحزيران نازحًا، عزمنا حمدان على الغداء
عنده، إكرامًا لصداقة عمره لزميله، 
دور الأخ الأكبر في الأسر الفلسطينية المنكوبة، كان انقاذيا، يمكن
الوقوف على ذلك في كتاب مريد البرغوثي: رأيت رام الله.
أذكر زيارتنا لمنزل حمدان، وأذكر زوجته، بما يناسب ذاكرة طفل
هلامية، ولكن ربَّما أكثر ما أتذكره من المشوار الكويتيِّ، زيارتنا لمتحفٍ تراثي،
ومحاولتي البائسة القبض على حبات الزيتون في الطائرة التي أركبها لأوَّل مرَّة، بنكاشة
أسنان، أكتشفها لأوَّل مرَّة ولم أعرف وظيفتها، فلا وجود لها مع أدوات طعامنا على
الطبليَّة. 
تجدَّدت علاقتي بشاعرنا، إذا جاز تسميتها بعلاقة، في أواخر
الثمانينيَّات، عندما أقمت عند أخي في مدينة العقبة، ولكن هذه المرةَّ كنت بالنسبة
له زميلًا، محتفظًا بعددٍ من مجلة فلسطين الثورة تحوي موضوعًا لي على الغلاف الأخير
أو الداخلي. وهذا بالنسبة له تكريسًا لي كاتبًا زميلًا. قدَّم لي العدد بفرح شاعر
بكاتب.
اعتادت صحف المقاومة الفلسطينيَّة التي تصدر في بيروت الاحتفاء
بمنشورات لكتَّاب من الأرض المحتلة، فتنقل مواضيع لهم من الصحف التي تصدر تحت الاحتلال.
كان بعضنا على علم بذلك، كانت الجامعة العبريَّة تحصل على صحف المقاومة، ومنا من
كان يتابعها في مكتبة الجامعة.
تصادقت وشاعرنا، هذه المرَّة، صداقة حقيقية، ومنه تعرفت على كواليس
حياته الثقافيَّة والعائلية، إضافة إلى استعارة كتب منه، والتي كانت مهمة، إضافة
لمداومتي في مكتبة بلديَّة العقبة التي توفر الصحف والمجلات العربية ويديرها صديق
عزيز من شلة الإخوة من الأرض المحتلة الذين نعيش عند الإخوة الأكبر سنًا وعقلًا،
والمتحققين ماليًا واجتماعيا. كنا هوامل الإبل، والإخوة الكبار الشوامل.
سأتعلم في العقبة، كيف يمكن لما أحدثته النكبة والنكسة في العائلات
الفلسطينية، قد لا يلتئم أبدا، إضافة إلى الأثر الكارثي لأي عضو يجنح في العائلة.
ويمتد تأثيره إلى أجيال لاحقة، غبية وكسولة لا تُكبر المبادىء.
في مكتبة العقبة، بدأت بنسخ كتب نادرة، على دفاتر، منها ما زلت
احتفظ به، كقصائد لجميل صدقي الزهاوي. في ذاكرتي رحلة الشاعر العراقي إلى مصر،
منافحًا عن خقه في إمارة الشعر. أين قرأت ذلك؟ لا أعرف، ولكنَّني أكبرت الزهاوي.
خمنت أن كتابه الذي يحاكي فيه رسالة الغفران، قد يكون ممنوعًا، فأثرت نسخه لمزيد
من التعلم، ولحفظه عندما يتبنه له أحدهم ويمنعه أو يحرقه. قد أخصِّص منشورًا
للكتاب.
من قراءتي تلك، كتاب اللامنتمي الذي أدهشني، وتأسيت على كولون
ولسون، الذي كنت قرأت له كتابًا غريبًا عن العجائب في معتقل الفارعة، سأظل حزينًا
على مآل ولسون، حتى قرأت مذكراته، وتبين لي كيف أصبح رهينًا للناشرين، يكتب حسب
طلبهم فزدت أسىً. خمنت أن العنوان: اللامنتمي قد لا يكون الأوفق، ولكن هذا لم يعد
مهمًا. من يذكر كولون ويلسون الآن؟
من الكتب الذي أذكرها، رواية الصخب والعنف لفوكنر، ولم أكن لأفهمها
بدون مقدمة جبرا إبراهيم جبرا الضافية.
2 
كان شاعرنا يعمل في شركة الكهرباء، وهو مثل أخي، استدعتهم السلطات الأردنية،
كوادرًا مهنية من الكويت، بشروط عمل مجزية، وتوفير سكن، للمساهمة في نهضة العقبة
كمدينة صناعية. وليشكلوا طبقة متوسطة عليا، سيصير لها تقاليد شائهة.
ولكون يوسف حمدان شاعر غير محسوب على المعارضين، كان يستعان به،
لنظم الشعر، أو إلقائه في المناسبات المحلية. أكثر ما سبب له الإحراج، نشر الصحف
التي تصدر في عمَّان أخبارًا تذكره كشاعر مناسبات معظمها حكومي، أو تنشر أبياتًا مما
يلقيه، وهو لا يساوي عنده، إبداعيًا، شيئًا. أخبرني أنَّه اتصل بأصدقائه المحررين،
متمنيًا أن لا ينشروا شيئا يخصه، إلَّا إذا أرسله هو.
أهم ما كان يرسله، قصائد وأناشيد للاطفال أو الأولاد، وأظن أنَّه
حقَّق نفسه في هذا المجال، وأهداني دواوينه.
منها ديوان أهداني منه نسختين، صدر الديوان عن دار الكرمل التي كان
يديرها الراحل خليل السواحري، وعلى غلافه علم فلسطين، ولكن يبدو أنَّ الرقابة أو
دائرة ما أو موظف خائف أمر بمصادرة الديوان، رغم ما عُرف عن السواحري علاقته
الجيدة مع النظام.
اضطر شاعرنا ودار النشر، لإصدار الديوان من جديد شاطبين العلم من
لوحة الغلاف، وعلى الأرجح أنَّه سحب مني النسخة الملعونة، ربَّما خشية تسريبها.
قدَّمت الديوان أديبة الأطفال روضة الفرح الهدهد: "يحق الشاعر
يوسف حمدان أن يفخر، فهو أكثر الشعراء في الأردن امتدادًا وانتشارًا على صفحات
ملاحق ومجلات الأطفال الصادرة في الأردن".
لاحظت عندما عدت للطبعة المعدلة لديوانه: أناشيد الفجر الآتي، أنَّ
لوحة العلم الفلسطيني موجودة في الصفحات الداخلية. ربَّما كان اتفاقًا إرضائيًا مع
الرقابة. تاريخ إهدائي النسخة 31/12/1987. أرجو ممن عمل مع السواحري في دار
الكرمل، ويعرف الموضوع، إخبارنا أكثر.
أصدر شاعرنا، مذكراته، قبل سنوات، ولم يتسن لي قراءتها، ولم ألتقيه،
في عزاء أخي في العقبة. لقد نسيت صحبتنا، ولمت نفسي لاحقًا لماذا لم أسأل عنه. وقبل
ذلك خلال مرض أخي المميت.
(نص مبتسر)
#يوسف_حمدان
#أسامة_العيسة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق