أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 6 نوفمبر 2025

قراءة لكتاب أسامة العيسة “بهمش: يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة”/ نائلة الوعري


 

 يأتي هذا الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / عمان في ربيع ٢٠٢٥ للكاتب والروائي الصديق الاستاذ أسامة العيسة ” بهمش ” يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة في زمنٍ تُثقل فيه الذاكرة الفلسطينية بأحداثٍ متلاحقة، ياتي هذا الكتاب الذي بين يدي بعد مراجعة وقراءة ممتعة لقصص انتفاضة مغدورة ليذكّرنا بأنّ الكتابة ليست ترفًا، بل شهادةً تُسجّل وجع الإنسان ومقاومته اليومية بأسلوب روائي شيق من واقع ما يجري على الارض و من قلب المشهد، ومن هوامش الحقيقة التي تتعمّد السرديات الرسمية إغفالها؛ فيعيد تعريف “الانتفاضة” بوصفها حالة وعي قبل أن تكون حالة اشتباك. الكاتب والصحفي الفلسطيني أسامة العيسة، يقدّم في “بهمش ” تجربة كاتب عاش هذه الاحداث فقصصت التي كتبها تمزج بين اليومي والرمزي، بين التوثيق والتأمل، لتصبح يومياته صوت الفلسطيني العادي الذي ظلّ على هامش المشهد الرسمي لكنه في قلب التاريخ الحقيقي. إنه نصّ يكتبه من عاش التجربة، لا من راقبها من بعيد، ولذلك تأتي كتاباته من فعل الحدث اليومي صادقة، مكثّفة، ومحمّلة برائحة الأرض والذاكرة.

يفتتح العيسة كتابه بمقدمة حملت عنوان “خطبة اليوميات “مؤرخة في 18 شباط/فبراير 2024، تبدأ من مخيّم عايدة في بيت لحم، من مكانٍ صغير يختزن ذاكرة الوطن كلّه. يصف المقام الإسلامي–المسيحي الذي تحوّل بفعل الاحتلال إلى نقطة عسكرية، ليصبح المكان شاهدًا على تبدّل الجغرافيا ومن هذا المشهد ينطلق نحو الفكرة الحقيقية المعاشة ويتحدث عن أن الانتفاضة الثانية كانت انتفاضة مغدورة، لم تُهزم فقط من العدو، بل من الخذلان والانقسام والتعب الجمعي.

يكتب العيسة من الذاكرة اليومية التي تُهمَل عادة، فيُعيد للهامش صوته، ويمنح الإنسان البسيط مكانه في السرد الفلسطيني. كلمة «بهمش التي اصبحت رمز وكلمة دارجه ( تفش القلب ) لم ترد نصًّا في القصص، لكنها تسري في كل قصص الكتاب كروح كلمة تلخّص فلسفة الكتابة عند العيسة: أن يكتب من الهامش الفلسطيني، من الشوارع والمخيمات والزوايا المنسية، من الحكايات التي لا ترويها نشرات الأخبار ولا تتسع لها المنابر السياسية.

الهامش عنده ليس ضعفًا، بل منبر الصدق العاري، والمكان الذي تتكثّف فيه التجربة الإنسانية والمقاومة الصامتة. لقد كتب يومياته على هامش التاريخ الرسمي، ليقول إن الحقيقة لا تقيم في العناوين الكبرى، بل في التفاصيل التي يصنعها الناس في انتفاضاتهم بأيديهم. في النص الذي جاء تحت عنوان «عندما يفقد الموت هيبته، تفقد الحياة عبقها»، يرصد الكاتب لحظة إنسانية موجعة، حين يصبح الموت متكرّرًا حتى يفقد رهَبته، وحين تنتظر الأمهات أبناءهن في ثلاجات الاحتلال. بوجع يسري فيه وفينا كقراء ، يُعرّي العيسة واقعًا حوّل الفقد إلى مشهدٍ مألوف، دون أن يطفئ في الناس جذوة الحياة والكرامة.

ad

والصمود وفي نص «لحق عديّ بعروس السماء»، يكتب عن الشهيدين عديّ ودانية ارشيد من الخليل. لا يسرد الحدث كخبر ، بل يكتبه كمرثية موجزة تختصر وجع جيلٍ كاملٍ فقد أبناءه وبناته. وحين يقول: لا كلام، الحروف لا تعبّر والكلمات تخون فإنه يُعلن لنا عجز اللغة أمام الفقد المتكرر، ويحوّل الصمت ذاته إلى فعل كتابةٍ ومقاومة. أسلوب العيسة المكثف واقعي قريب من الناس وإحساسهم . يكتب بعيون الناس ووجوههم، لكن الاحداث تاتي بصوته الخاص. وروايته اليوميات التي كتبها والقصص الحقيقية في هذه الانتفاضة التي وصفها بالمغدورة هي حياة وحكاية واحدة، تتوزّع بين مدن ومخيّمات، لكنها تشترك في تعبير واحد : أنّ الفلسطيني لا يُهزم، حتى لو غُدرت انتفاضته، لأنه يواصل الحكاية من حيث يحاول الآخرون محوها. “بهمش ” ليس تعبير عن الغضب .

بل هي تذكير بأنّ الحكاية الفلسطينية تُكتب من الهامش، من تفاصيل الحياة اليومية التي تبقي الذاكرة حيّة رغم التعب، وأنّ الكلمة ، مهما بدت صغيرة أو عابرة فإنها قادرة على حفظ ما حاول الاحتلال والعالم طمسه. ففي زمنٍ تتسارع فيه النكبات وتتبدّل العناوين، يبقى هذا الكتاب شاهدًا على أن الروايات الحقيقية لا تصنع من الخطابات، بل من التجربة الإنسانية التي لا تُروى إلا من رحم المعاناة .

بهمش» هو شهادة على أنّ الكتابة فعل مقاومة حين تضيق الساحات، وأنّ الوعي بالهامش قد يكون أصدق من خطابات المتن. الكتاب يذكرنا بأنّ الفلسطيني لا يكتب عن الوجع فحسب، بل يكتبه من داخله، ليبقى النصّ شاهدًا على جيلٍ عاش بين الجدران ولم يهزم. في زمنٍ يُمحى فيه الصوت الفلسطيني، تبقى مثل هذه اليوميات جسرًا بين الإنسان والتاريخ، بين الذاكرة والكتابة، بين الصمود والحلم. يخرج القارئ من صفحات هذا الكتاب وهو يشعر أنّه شارك في انتفاضةٍ أُجهضت، لا لأن الناس تعبوا، بل لأن السياسة خذلتهم. أسامة العيسة لا يدوّن الحدث بقدر ما يُدين غيابه عن الوعي الجمعي، في زمنٍ صارت فيه المذكرات وثيقةَ نجاةٍ أكثر منها وثيقةَ تاريخ.

ad

ولعلّ أهم ما يقدّمه هذا العمل أنّه ينقذ الهامش من الصمت، ويعيد إلى الذاكرة أصواتًا هامسة ظنّها الجميع ضاعت بين الغبار والنسيان. ويعيد كتابة السردية التاريخية الفلسطينية “بهَمش” ليس مجرّد عنوان، بل صرخة من الهامش في وجه التاريخ المغدور. كلمه اخيرة أقولها ” الصدق أن هذه القصص عن يوميات اسامة غدرت بي ايضا فهناك من التعابير والألفاظ والأمكان وأسماء قرى وأماكن لا اعرفها هذه القصص المحكية باللهجة الفلسطينية العامة التي غابت عنا نحن في الغربه ونسينا بعضها .

توقفت عند قصة البنانير ولم اعرف معناها وجاءت الكلمة في اكثر من قصة “فتيات البنانير” واتصلت بالصديق اسامة فابتسم وقال ” الكلول# نعم اعرف حجارة الزجاج واعرف اسمها الكلول كان يلعب بها الأطفال الذكور فقط تعبير جديد علي ان تسمى البنانير. لانها زجاجية اما قصة البنز فالكاتب يقصد سيارة النقل الصغيرة تسمى بالبنز هذه الغربة القاسية أنستنا تعابيرنا وكلمات غابت عنا من ذكرى طفولة وغربة #بهمش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق