أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 19 فبراير 2017

الفرعون لم يودع أرض كنعان..!












































مع اقتراب نهاية عام 2016م، كثفت إدارة متحف إسرائيل في القدس الغربية، من حملتها الدعائية للجمهور، وللسياح، لاغتنام الفرصة وزيارة معرض (فرعون في أرض كنعان: القصة التي لم يتم سردها بعد) قبل إسدال الستار عليه، ورغم انتهاء المعرض، إلا انه ما يزال يثير النقاش حول قضايا عديدة، حول الهدف منه، ومصير القطع الأثرية التي بحوزة دولة الاحتلال، وقسم منها عُثر عليه في أراض محتلة وفقا للقانون الدولي.
ومع انتهاء المعرض، افتتح معرض آخر يتعلق بمصر القديمة أيضا سيستمر حتى شهر نيسان المقبل، وكأن المجتمع الأثري في دولة الاحتلال يعمل ضمن أجندة، قد تتجاوز الاهتمام الأثري.

معرض وجهود كبيرة
في شهر آذار الماضي، افتتحت إدارة المتحف، الذي يعتبر مفخرة دولة الاحتلال الثقافية، المعرض بدعاية كبيرة، وبيانات صحافية، وتصريحات للقائمين على المعرض وزعت بكثافة على وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية، مع التأكيد على أنه الأول من نوعه في العالم.
الهدف من المعرض، استكشاف التأثيرات السياسية والثقافية لمصر على بلاد الشام في العصرين البرونزي والحديدي.
علاقة الفراعنة بفلسطين القديمة، أرض كنعان، كما تسميها التوراة، تثير بشكل دائم مخيلة آثاريين في دولة الاحتلال، وفي المتاحف المهمة التي تسيطر عليها أو أقامتها دولة الاحتلال، كالمتحف الفلسطيني (روكفلر) ومتحف أرض الكتاب، ومتحف إسرائيل، ثمة دائما متسع لغرفة أو جناح لعرض الآثار الفرعونية، أو تلك المتأثرة بالحضارة الفرعونية، والتي عثر عليها خلال التنقيبات التي لا تنتهي في الأراضي الفلسطينية، وكثير منها تعتبر غير شرعية، وفقا للقانون الدولي، والمقصود الحفريات التي تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها بالطبع ذلك القسم من القدس الذي احتل في حزيران 1967م، وكذلك شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان التي ما زالت محتلة.
ويبرز دائما متحدثون، وشارحون، وتصدر سلطة الآثار الإسرائيلية بيانات صحافية، حول الاكتشافات الخاصة بالفراعنة، وكأنه لدى النخب الآثارية لدى الاستعمار الكولونيالي الإسرائيلي، عقد معينة تجاه تلك العلاقة بين الفراعنة والكنعانيين، ودائما لديهم ثمة رواية أخرى من وجهة نظر أثرية كولونيالية تستحضر التوراة لتسويغ احتلال أرض كنعان الحديثة (فلسطين)، وقد يكون هذا ايجابيا فقط، من ناحية تحفيز المزيد من البحث في تاريخ فلسطين القديم، بعيدا عن الدعاوي الإيديولوجية والسياسية.
فيما يخض المعرض الذي استمر عدة أشهر، فقد جندت له دولة الاحتلال، جهودا كبيرة، مادية وبحثية، واتصالات مع متاحف عالمية لجلب قطع للعرض مثل: متحف متروبوليتان في نيويورك، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف تأريخ الفنون في فيينا، والمتحف المصري في مدينة تورينو الإيطالية.
وضم المعرض نحو 700 قطعة، منها ما يتعلق بالعبادات، والتوابيت، والمجوهرات، بالإضافة إلى تماثيل، ونقوش لانتصارات، من بينها تابوت عرض لأول مرة، اكتشف في مرج بن عامر، قبل ثلاث سنوات الذي تسميه سلطات الاحتلال  مرج يزراعيل.
 وبالنسبة لأميني المعرض، فانه المعرض الأول من نوعه، الذي يسرد القصة التي لم تروى عن العصر الذي كانت الإمبراطورية المصرية تسيطر فيه على أرض كنعان، التي يصفانها بأنها أرض إسرائيل القديمة.
بالطبع فان "الثقة" التي يتمتع بها أمينا المعرض في أنهما يرويان قصة لم تسرد من قبل، فيها الكثير من الغرور غير العلمي، والذي يتضمن إسقاطا على الحاضر، والإشارة غير المباشرة، إلى أن هناك طرفا، يتمتع بتقدم علمي وبحثي عرضاه ليكون مبهرا، يملك الرواية الوحيدة للماضي، وبالتالي للحاضر، والمستقبل.
واحتوى المعرض على نموذج حاسوبي، لما يسميه أمينا المعرض: الخط الكنعاني، ويعود إلى 1800 عام قبل الميلاد، عندما صادف العمال الكنعانيون في شبه جزيرة سيناء الخط الهيروغليفي المشتمل على مئات العلامات والذي كانت معرفته حكراً على القلائل.
وحسب د. عيران أرييه، فان عمال المناجم الكنعانيون، لم يفهموا الخط الهيروغليفي لكنهم اخترعوا خطا أبسط منه بكثير ويضم أقلّ من 30 علامة، ولم يكونوا على الأرجح يعلمون، فأنهم يضعون الأسس للأبجدية، وما زال العالم يشعر بالامتنان لهم.
وكل زائر للمعرض، كان بإمكانه، كتابة اسمه، عبر الحاسوب، بالأبجدية الكنعانية.
ما بعد المعرض، معرض..!
مع انتهاء المعرض، وفي اليوم الأول من العام الجديد (2017) نظم متحف إسرائيل، أمسية خاصة، كرست لمكانة مصر فيما أطلق عليه المتحف "الثقافة الإسرائيلية"، خصصت لعدد محدود من المهتمين، في إشارة من إدارة المعرض، لإضفاء أهمية نخبوية وسلطوية فيما يتعلق بموضوع الأمسية لمن حضروا.
تحدث في الأمسية أمينا المعرض:  الدكتور دافنا بن تور، المتخصصة بالآثار المصرية، والدكتور عيران آري، في العصر الحديدي، الذي يعتبر إسرائيليا بأنه العصر الذي ظهر فيه بنو إسرائيل في فلسطين، وكذلك هو مختص في الفترات الفارسية.
وتم الإعلان، عن عرض الحلى المستوحاة من القطع التي عرضت في المعرض، بأسعار خاصة، في متجر المتحف، كنوع من الاحتفال بما وصف توديع الفرعون لأرض كنعان، فمن سمح له بالحضور من خلال معرض، هو الذي يستطيع من يخرجه "واقعيا" من الأرض التي احتلها قبل أربعة آلاف سنة..!
ولكن أمر الفراعنة لم ينتهِ، مع انتهاء معرض (فرعون في أرض كنعان)، ففي متحف إسرائيل يستمر حتى شهر نيسان (ابريل) المقبل، معرض عن الطقوس الجنائزية المصرية تحت عنوان مثير: "مومياء في القدس: أسرار ما بعد الحياة".
وصاحب المومياء المقصودة، كاهن أطلق عليه اسم اليكس، عاش قبل 2200 سنة، في صعيد مصر، وقدمت المومياء لمعهد الكتاب المقدس البابوي في القدس من قبل اليسوعيين في الإسكندرية.
وتولت غاليت بينيت دهان، أمينة متحف إسرائيل، إطلاق التصريحات حول المومياء، وما بذله متحفها من أجل ترميمها، وعرضها، ومعرفة من هو أليكس، وكيف عاش ومات؟ ومعرفة حالة أسنانه، ولثته، وعظامه وغير ذلك..!
وبنوع من الحسد استنتجت دهان: "ربما كانت لديه حياة مريحة، لأنه لم يعمل بجد".
واحتوى المعرض على قصاصات من صحف عربية وفرنسية، وضعت في التابوت لحماية المومياء خلال رحلتها من الإسكندرية إلى القدس عام 1927م.
ويحتوي المعرض، على أقنعة جنائزية، وتمائم على شكل حيوانات وطيور، وكذلك على مومياء طائر أبو منجل، وهو هدية من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات لموشيه ديان الذي كان نائبا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بعد التوقيع على اتفاقية السلام بين البلدين في عام 1979م.
والقصة لم تنتهِ مع الفراعنة مع المعرض الأخير عن فكرة الموت في أرض النيل، فالموت في فلسطين ومصر، والشرق الأوسط يأخذ أشكالا مختلفة، والمستفيد واحد يتعجل وداع فرعون لأرض كنعان..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق