وأخيرا يمكن
للفلسطينيين أن يعرفوا كيف كان شكل أجدادهم، الذين مارسوا تقديس الأسلاف، وبسبب
هذا التقديس، يمكن الآن معرفة شكل الفلسطيني الذي عاش قبل 9500 عام، في العصر
الحجري الحديث في مدينة أريحا.
بدأت القصة في عام
1953، عندما عثرت عالم الآثار كاثلين كينون، على سبع جماجم تعود للعصر الحجري
الحديث في موقع تل السلطان، التي نقبت فيه كينون، وأدت تنقيباتها إلى اكتشافات
جلبت لها الشهرة العالمية، ونشرت مجلة ناشيونال جيوغرافيك تقريرا عنها في شهر
كانون الأول من ذلك العام.
تختلف الجماجم
المكتشفة في التفاصيل، وتم استخدام الجص لإظهار الملامح الفردية لكل صاحب جمجمة
مثل الأذنين والخدين والأنف، ووضعت الأصداف البحرية في محاجر العيون لإظهارها.
يقول الدكتور وائل
حمامرة، ان الجماجم الآن: "هي ضمن مقتنيات العديد من المتاحف الدولية، ثلاث
منها في متحف الآثار الأردني في عمان، ورابع في بريطانيا؛ المعروضة في المتحف
البريطاني في لندن؛ متحف جامعة كامبرج؛ متحف برمنغهام للفنون؛ والمتحف الاشمولي؛
ويعرض ما تبقى في كل من متحف أونتاريو الملكي في كندا، وجامعة سيدني في استراليا،
وتوجد إحداها في متحف الآثار الفلسطيني (روكفلر) في القدس".
50 جمجمة
منذ اكتشاف كينيون
المذهل، تم اكتشاف أكثر من 50 من هذه الجماجم في مواقع العصر الحجري الحديث في
الشرق الأوسط إلى وسط تركيا، ولدى الباحثين شبه إجماع على أن هذه الجماجم تعبر عن
عبادة الأسلاف التي يعتقدون انها شاعت في ذلك الزمن.
في فلسطين عثرت سلطة
الآثار الإسرائيلية في عام 2008م، على ثلاث جماجم مجصصة بالغة الأهمية، في منطقة
الجليل الأسفل، تعود إلى العصر الحجري الحديث، ويقدر عمرها ما بين 8 - 9 آلاف عام.
وتم دفن الجماجم في
حفرة كبيرة مجاورة لمبنى اكتشف خلال أعمال حفريات، نفذتها سلطة الآثار
الإسرائيلية، بعد اكتشاف موقع أثري خلال شق شارع، في الموقع الذي تطلق عليه
إسرائيل اسم (يفتاحل).
وكما هو متوقع، تلقى
الآثاريون هذا الاكتشاف بحماسة، لأنه يلقي مزيدا من الأضواء على تقاليد الدفن
والتحنيط التي سادت فلسطين ومناطق أخرى في بلاد الشام، ويعزز نتائج مكتشفات مشابهة
سابقة في فلسطين، والأردن، وسورية على وجه التحديد.
وفي الزمن الذي تعود
إليه الجماجم، كانت يتم قطع الرؤوس، ونحت أقنعة لها من الجص ومواد أخرى، وعلى
الأغلب كان يتم دفن هذه الجماجم في حفر تحت المباني، وتتم استعادة الأقنعة بعد
فترة ووضعها
في المنازل للإبقاء
على صورة المتوفى لدى أقربائه والمعنيين به، ليخيم ظله على القرارات التي يتخذونها
في حيواتهم اليومية.
أضيفت هذه الجماجم
الثلاث الجديدة، إلى جماجم جصية أخرى، عثرت عليها كينون في تل السلطان، وإلى جماجم
أخرى عثر عليها في منطقة عين غزال في الأردن، وتل أسود، على بعد 25 كلم عن العاصمة
السورية دمشق، حيث عثرت بعثة أثرية سورية - فرنسية في عام 2006، على 12 جمجمة
مجصصة.
وجرى الاكتشاف السوري
- الفرنسي، بعد 6 سنوات من العمل، أسفر عن العثور على قرية نموذجية في تل أسود في
غوطة دمشق، تحتوي على منازل دائرية ومربعة، تعود إلى الآلف السابع قبل الميلاد.
وفي هذه القرية عثر
على الجماجم المجصصة، وهي عبارة عن أقنعة ملونة، رأى فيها علماء الآثار بأنها تدل
على بدايات التحنيط في هذه المنطقة، وكان الأكثر إدهاشا للعلماء هو العيون الحمراء
التي تم تلوينها بالقار الأحمر، والتي حافظت على لمعانها حتى الآن، والوجوه التي
بدت وكأنها تبتسم.
ويستدل من الاكتشاف
في الجليل الأسفل الفلسطيني، وقبلها في أريحا، وتل أسود السوري، على فكر عقائدي
معين وطقوس جنائزية، يشير إلى انه كان يتم قطع الرؤوس، وطليها بالكلس، ووضعها في
قوالب جصية ودهن العيون بالقار الملون، ثم دفنها.
ويبعد الموقع
الفلسطيني الذي تم فيه اكتشاف الجماجم نحو 200 كلم عن الموقع السوري، وكلاهما يعود
لفترة لم يكن فيها مكان لتقسيمات سياسية كالموجودة حديثا، ما يشير إلى وحدة
الحضارة في المنطقة السورية.
ورغم أن علماء الآثار
يميزون بين طقوس التحنيط السورية هذه، وتلك التي استخدمت في حضارات أخرى
كالفرعونية مثلا، إلا انهم يشيرون إلى التشابه في الحفاظ على ذكرى القادة وأصحاب
النفوذ، بصور مختلفة في الثقافات المتنوعة، ففي الصين مثلا عثر على منحوتات لملوك
تعود إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وفي بعض مناطق أفريقيا كزيمبابوي مثلا وجدت
تماثيل لموتى بكامل هيئاتهم منحوتة في الطين، وغيرها كثير من الأمثلة.
وجه الفلسطيني القديم
مجلة "ناشيونال
جيوغرافيك" التي تابعت اكتشافات كينون، تعود هذا العام لتتابع الأمر ولكن من
زاوية مختلفة، عندما سلطت الضوء على جهود المتحف البريطاني، في إظهار ملامح
الفلسطيني القديم، استعانة بإحدى جماجم أريحا المكتشفة، التي وصلت المتحف في عام
1954م.
تولى فريق من
الباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة مهمة تحديد شكل صاحب الجمجمة، من خلال
التصوير الرقمي الطبقي، وتقنية إعادة البناء التي تستخدم في الطب الشرعي، ليخلصوا
إلى انها تعود لذكر عمره 40 عاما عانى من كسر في أنفه.
وحسب العلماء، بان
مرور آلاف السنين محت الكثير من الجص الذي يغطي الجمجمة، ولم يمكن استخدام الأشعة
السينية التقليدية، مفيدا، حتى تم استخدام التقنيات الجديدة.
يقول الدكتور حمامرة:
"الدراسة التي أجراها المتحف البريطاني مؤخرا، عن طريق قيام فريق من المختصين
من علماء الإنسان الطبيعي وخبراء التشريح، تتلخص بتقنية التصوير بالأشعة المقطعية
(التصوير الطبقي) لمعرفة التفاصيل الكامنة تحت طبقة الجص، ولتكوين صورة تُبين
تفاصيل ملامح هذا الوجه بالبعد الثلاثي، ومعرفة جنسه، وعمره، وبعض جوانب حياته
التي عاش فيها. وخلصت الدراسة الى ان هذه الجمجمة تعود لشخص بالغ يقدر عمره بحوالي
40 عاما، وانه على الأغلب كان يعاني من مشاكل في بنية تركيب أسنانه؛ ربما لأسباب
وراثية، وظهر بأن والدي هذا الشخص كانا يضعان عصبة حول رأسه في طفولته لان عظام
الجمجمة مضغوطة للداخل مع اختلاف في سمكها في المنطقة المحيطة حول الأذنين".
وسيتم عرض الشكل الذي
تم تحديده لإنسان أريحا في المتحف البريطاني حتى التاسع عشر من شهر شباط الجاري.
http://www.alhaya.ps/ar_page.php?id=256d82cy39245868Y256d82c#sthash.T9BoJ1lK.dpu
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق