يعيش علي محمود سليمان الرشايدة (55) عاما، أساطيره الخاصة في صحراء البحر الميت، التي ولد ونشأ فيها، في مضارب عرب الرشايدة، الذين تعرضوا لتطهير عرقي بعد الاحتلال في حزيران 1967، وتم تشريدهم من قريتهم، ونقلهم إلى مناطق أخرى في البرية الممتدة حتى البحر الميت.
ودفع الرشايدة، ثمنا لحبه وانتمائه لهذه الصحراء، فزج به في سجون الاحتلال، في سبعينات القرن الماضي، بتهمة مساعدة الفدائيين على الاختفاء في تلك المنطقة.
ويعشق علي الرشايدة، الذي يعتبر احد شهود العصف بتلك البرية، واستحداث جغرافية جديدة، بقوة الحديد والنار، وإقامة مستوطنات ومنتجعات يهودية فيها، بشكل خاص نبتة القيسوم الصحراوي، والتي تينع بعد انتهاء موسم الربيع، وتملأ البرية برائحتها النفاذة الطاغية.
وتنبت القيسوم، على جوانب الوديان الكثيرة، ومجاري المياه، التي ترك الماء أثره عليها، نتيجة أعداد لا تحصى من السنين، وهو مارا بها، حاملا المياه التي تهطل على الهضبة الفلسطينية الوسطى، إلى البحر الميت.
وقال الرشايدة لمراسلنا وهو يضع نبتة القيسوم على انفه ويشمها بكثير من الحنو والحماس: "نؤمن بفوائد كثيرة للقيسوم، وكان البدو يجمعونه ويضعونه على أرضية خيامهم، فيما يشبه الفرشات، لان رائحته زكية، وفي الوقت ذاته، فان لهذه الرائحة قدرة على طرد القوارض والأفاعي، وأية زواحف وحيوانات أخرى".
وأضاف "يظل القيسوم في الخيام حتى بعد أن يجف، محتفظا برائحته، باعتباره ملطفا طبيعيا للجو، ان له رائحة لا توصف".
ويؤمن الرشايدة، بان للقيسوم، وهو نبتة صيفية، تختفي في الشتاء، فوائد طبية عديدة، منها مكافحته لمرض السكري، بسبب طعمه المر، ويقول بأنه يوصف لمرضى السكري، وذلك بغليه وشرب مائه لمدة أربعين يوما، "وسسيرى المرضى كم ستكون النتيجة جيدة" كما يقول الرشايدة.
ولا توجد تجارب علمية، تؤكد صدق أو خطأ ما يقوله الرشايدة، الذي يؤكد شيوع استعمال القيسوم، كوصفة لمرضى السكري.
وتُكَوّن نبتة القيسوم (اسمها العلمي achillea fragrantissima) في صحراء البحر الميت، مشاهد، خضراء، في اسطر متقابلة، تدل على مجاري الوديان، والجداول، وقبل أن تموت، ومع اقتراب أشهر الشتاء، تحمل زهورا صفراء، وكأنها تعطي موعدا لمحبييها، لينتظروها، في الصيف المقبل، حيث تكون درجة الحرارة مرتفعة في صحراء البحر الميت، ولكن وجودها الأخضر، يفرض ملامحه على تلك الصحراء الفريدة من نوعها، بجبالها ووديانها الشفقية اللون.
وذكرت الباحثتان جريس كروفت، ولويز بالدنسيبرجر، في كتابهما عن النباتات الفلسطينية الذي صدر عام 1931، استعمالات أخرى للقيسوم من قبل الفلسطينيين، وذلك: "كمقو خفيف ذي نكهة، كالخلية الانجليزية".
وبسببه نكهته وطعمه المر، دخل الفلكلور الفلسطيني، في إحدى الأغاني الجنائزية، التي تغنى بينما يضرب الصدر حزنا:
"أفطرت القيسوم يوم فراقهم
لقيته حلو ولكن الفراق
مر ما بينذاق".
ويتجاوز الاهتمام بالقيسوم، الذي يطلق عليها أيضا القيصون، الاهتمامات الطبية، والتأثيرات الفلكلورية، إلى الماثور الديني، فينسب مثلا حديث إلى الرسول الكريم (ص) نصه: "ضحكت الأرض فأخرجت القيسوم".
ويقول البعض، أن القيسوم مفيد في علاج القولون العصبي، وأمراض أخرى، ولكن الأمر يبقى منوطا بالمختصين ليقولوا كلمتهم.
وبالإضافة إلى القيسوم، تنتشر في صحراء البحر الميت، نباتات وأشجار أخرى مثل: العذبة، الفِرس، العجرم، السدر، والقطف، والحرجل التي يجففها البدو، ويستخدمونها في مقاومة الحسد، عندما يصيب باعتقادهم أي منهم، أو من مواشيهم، ويستخدمون نبتة المجنيينة، لمحاربة البرد، والإسهال، والجراثيم.
وتمتاز فلسطين بوجود عدد هائل من النباتات فيها، ويقدر عدد الأصناف النباتية فيها نحو 2500 صنف، وهو ضعف مثيلاتها في دولة كبيرة مثل بريطانيا مثلا.
وخلال آلاف السنين، طور الإنسان الفلسطيني علاقته الخاصة بهذه النباتات، ونسج حولها وعنها ومنها، ميثولوجيا، ما زالت تعيش حتى الآن.
ومنذ الغزوة الصهيونية، نشأ صراع من نوع أخر، على هذه النباتات، يتجاوز الأسماء، إلى الميثولوجيا ذاتها، وهو صراع ما زال مستمرا ومستعرا، وإن كان الطرف الفلسطيني مستنكف حتى الآن على الخوض فيه.
وكانت إسرائيل شاركت في فعالية على هامش اولمبياد بكين الاخير، بزهرة قرن الغزال، التي تحظى باحترام كبير في الثقافة الشعبية الفلسطينية، ولها عدة اسماء مثل: الزوزو، وابو غليون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق