أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 3 يوليو 2011

المسكوبية: معركة مع الذاكرة


نشر موقع (http://www.alqudsnews.net/) مراجعة لروايتي (المسكوبية) التي صدرت في نيسان 2010:
أسامة العيسة – رواية – منشورات مركز اغاريت الثقافي – رام الله 2010
المسكوبية "دويلة المسكوب في القدس" في التاريخ
أشبال القدس في المسكوبية
انتفاضة القدس من خلال المسكوبية
تشكل الحركة الأسيرة في فلسطين المحتلة جزءا مهما وربما الأهم في حياة الشعب الفلسطيني. منذ 1967، أكثر من ربع الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، من أطفاله ونساءه وشبابه وشيوخه، زج به في السجون الصهيونية. ووصل أحيانا عدد الأسرى، وخاصة خلال الانتفاضتين، الى أكثر من عشر آلاف أسير. واليوم، يقبع في سجون الاحتلال حوالي 7000 أسير، منهم الأشبال والنساء، منهم القيادات السياسية والعسكرية، منهم المرضى والجرحى، منهم من القدس وأراضي 48، منهم من الاردن ومصر والجولان السوري.
منهم من يكتب ويقرأ، ومنهم من يتعلّم ويواصل تحصيله العلمي الجامعي أو المدرسي، بل الكثير منهم يواصل أو يعود الى "المدرسة" او "الجامعة"، متحديا السجان والاحتلال. نال العديد من الأسرى شهادة التوجيهي في الأسر، وشهادات جامعية في مختلف المجالات، من الدراسات الاسلامية والقرآنية الى الدراسات السياسية والتاريخية والفقهية والادارية والأدبية، كما تعلم أعداد لا تحصى منهم اللغة العبرية أو حتى اللغات الاجنبية الأخرى.
يكتب الأسرى عن السجون والحياة الأسيرة ويألفون الكتب والمقالات والاشعار مستوحاة من الأسر وفي مواضيع أخرى، مساهمة منهم في الحياة الثقافية والسياسية والادبية الفلسطينية. فهم في السجون ولكنهم يعيشون مع شعبهم ويتفاعلون مع قضيتهم. وفي الوقت نفسه، هناك من هو خارج السجون، يتفاعل ويكتب وينقل معاناة الأسرى، وغالبا يكون من اعتقل سابقا، ليضيف الى مكتبة أدب السجون الخاصة بالفلسطينيين صفحات معبرة ورائعة عن الموضوع.
مؤلف هذا الكتاب عن سجن المسكوبية في القدس، أسامة العيسه، من قرية زكريا التي دمرها الاحتلال. يسكن في مخيم الدهيشة قرب بيت لحم. كان قد اعتقل في الماضي واليوم، ابنه باسل "الذي كان عليه هو الآخر ان يكتوي بالمسكوبية، وعمره 15 عاما" تم اعتقاله في أحدى أيام انتفاضة الأقصى، خلال عملية عسكرية واسعة النطاق حيث شارك فيها أكثر من 200 جندي وقناص وضابط صهيوني للبحث عنه، ودمروا المنزل العائلي بالكامل في المخيم. أسامة العيسه كاتب وصحفي له مؤلفات كثيرة، تاريخية وسياسية ومنها عن عمليات اغتيال المقاومين خلال الانتفاضة وعن الاستشهادية آية الأخرس.
المسكوبية "دويلة المسكوب في القدس" في التاريخ
المسكوبية هي البناء الضخم الذي أسسته الامبرطورية الروسية في القدس في نصف القرن التاسع عشر، بعد حرب القرم. "كان يوصف بأنه دولة داخل دولة، إشارة الى عظمته، وهو يعود الى العام 1858، بناه الروس كمجمع للمصالح الروسية، يضم نزلا للحجاج الذين يجدون فيه كل شيء، من المستشفى الى الكنيسة وحتى المحكمة والسجن".
وبعد الاحتلال البريطاني، أصبحت المسكوبية مركز أمني للاحتلال ومنها السجن حيث زج فيه الكثير من المثقفين والسياسيين ورجال الدين ورموز الحركة الوطنية. ومن بينهم الكاتب نجاتي صدقي الذي قدّم شهادة عن السجن بعد اعتقاله عام 1931.
ثم سقطت المسكوبية عام 1948 تحت الاحتلال الصهيوني الذي واصل استعمالها كمركز أمني، فاصبحت مركزا للشرطة وبعد احتلال الجزء الشرقي من القدس، "أخذت تستقبل أفواجا جديدة من المقاومين والمقاومات للاحتلال الجديد. ولم تكن المسكوبية وحدها تضطلع بهذا الدور، فمراكز التحقيق والسجون التي يعتقل فيها الشعرات من الشبان الفلسطينيين توزعت على مختلف السجون داخل الضفة الغربية والأراضي التي احتلت العام 1948."
أصبحت المسكوبية "المسلخ" حيث يتم تعذيب المعتقلين دون أي رقابة، في أقبية التحقيق. فهنا سقط الشهداء من جراء التعذيب مثل الشهيد قاسم أبو عكر (ابو خالد) الذي اعتقل في أوائل أذار 1969 واستشهد في 23 منه وإسحق مراغة الذي استشهد في 16 تشرين الثاني 1983.
يطلعنا الكاتب على الكثير من التفاصيل، حول المسكوبية مثلا حيث يذكرها كما وصفها الموسيقي الفلسطيني المقدسي واصف جوهرية، أو حول الاعتقالات السياسية أبان الاحتلال البريطاني أيام الثورة الكبرى، ويورد أسماء كثيرة من المجاهدين والمناضلين والمثقفين والشعراء، وقد تم اعدام البعض منهم، مثل الشاعر الشعبي "لم يعرف إلا باسمه الأول وهو عوض: في ليلة اعدامه، وكانت العام 1936، ... أمسك بقطعة فحم وخط على جدران الزنزانة قصيدة شعبية أصبحت شهيرة فيما بعد يقول مطلعها : "يا ليل خلي الأسير تا يكمل نواحه"، أو الشيخ فرحان أوالشيخ يوسف سعيد أبو درة.
أشبال القدس في المسكوبية
أما الرواية، فهي تدور حول تجربة الشباب المقدسي في سجن المسكوبية والأسير هو المتكلم : من التحقيق والشبح والتعذيب الى العزل في الزنازين العتمة تحت الارض، ومن ثم الى الغرفة التي تستقبل الجنائيين والسياسيين على حد سواء. هناك في السكوبية زنزانة النساء حيث يتم سجن الفلسطينيات مع اليهوديات، وزنزانة اليهود الجنائيين ايضا. بضعة أيام أو أشهر يعيشها الأسير المقدسي في هذا السجن حيث يلتقي بأنواع مختلفة من البشر، ومعظمهم من المقدسيين. يصف الراوي هذا المكان الغريب الذي يضم الجنائي والسياسي، حيث الجنائي الفلسطيني من "ابناء الليل" يبدي احتراما كبيرا للسياسي ويقدم له المساعدة، قبل ان يقوم هو الآخر بعمل بطولي عندما يقتل جنديا من حرس الحدود الاسرائيليين في بداية الانتفاضة الأولى وهو خارج السجن، كما فعل محمد الجابري، وذلك لأن "أي احتلال تتوسع مع استمراره الدائرة التي تناهضه. وفي حالة الاحتلال الاسرائيلي، وبحكم طبيعته الاستيطانية والتوراتية التي ترى في الآخر نوعا من الأغيار يحل ماله وأرضه ودمه، لم يتمكن من عقد تحالفات مع أية فئة أو طبقة من الشعب الفلسطيني".
عند قراءة هذه الرواية، يتعرف القارئ على الأقبية التي يزج فيها اليوم أشبال القدس والى أساليب التعذيب التي تمارس على أجسادهم، وعلى بعض أشكال التحقيق التي يقوم بها رجال المخابرات الصهيونية. ولكنه يتعرف أكثر على مشاعرهم ومشاعر أكثرية الأسرى عندما يوضعون بين الجدران وصعوبة الانتظار، وخاصة لدى الأسرى الاداريين أو الذين لا يعرفون، مثل الراوي، ان كان سيتم الافراج عنهم أم اعادة التحقيق والشبح والعزل.
في السجن، يخوض الأسير معركة داخلية مع الذاكرة والتفكير، تُعتبر من أهم سلاحه النفسية لمواجهة السجان. "الدماغ لا تكف عن التفكير في الزنازين، ستتذكر أمورا كنت نسيتها وتفاجأ بأنك تذكرها... الدماغ يبقيك على قيد الحياة في السجن. دون هذا العضو العجيب في الجسم، لا توجد حياة. كل اعضاء الجسم تتألم من آثار الجروح والرضوض، وهو وحده يسليك، يؤنس وحدتك..."
يجهد الأسير لترويض نفسه على الصبر لمواجهة المحتل وعدم "الاعتراف" : "تعرف انك مراقب في زنزانتك،... تدرّب نفسك على التذكر، تجري امتحانات لذلك. تروي قصصا لا تنتهي، تضع برامج لما ستفعله بعد خروجك من هذا المستطيل الذي وضعوك فيه.... تنشغل طوال أوقات مقتنصة لتنقش على الباب شعارات كنت تؤمن بها تؤكد على الصمود وعدم الاعتراف". يحاول المحقق ان يخترق القلوب والأفكار والحياة، ويجب على الأسير ان يواجهه ويحتفظ ويحافظ على كل ذلك بعيدا عن هذه الاختراقات.
فالزمن مختلف عند الأسير وهذا ما عبّر عنه أسرى آخرون كالأسير وليد دقة في ذكرى العشرين لأسره. "الزمن في السجن غير الأزمان في الخارج، وزمن الزنزانة غير زمن الشبح، وهذا غير زمن التحقيق، وهذا غير زمن شبح الكرسي، وهذا غير زمن تعذيب الخزانة،... الزمن نسبي، فكيف عرف آينشتاين ذلك دون ان يسجن؟"
في الغرفة رقم 12 من المسكوبية، يمضي الأسير الراوي أيام طويلة ينتظر الافراج عنه ومعه أسرى سياسيين ينتظرون نقلهم الى سجون أخرى وأسرى جنائيين من القدس، من "ابناء الليل". ومن هذه الغرفة، يروي الأسير أخبار القدس وأهلها، فهو ينقل قصصهم وذكرياتهم عن الحرب والاحتلال والمقاومة.
انتفاضة القدس من خلال المسكوبية
اعتقل الراوي في آذار 1982، عندما كان يحضّر مع أخوانه في المخيم فعاليات يوم الأرض في 30 آذار. ورغم اعتقاله، يتابع الأحداث المهمة التي حصلت في القدس والضفة الغربية وكل فلسطين في تلك الفترة، كما ينقل لنا بعض الاجواء السياسية، قبيل اجتياح الجنوب اللبناني في حزيران 1982. ثم يأتي الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى من قبل الصهيوني الاسترالي غولدمان. وتندلع انتفاضة القدس وانتفاضة الأراضي المحتلة. نعيش أيام الانتفاضة المقدسية من خلال المسكوبية والاخبار التي ترد الى الأسرى عن طريق الموقوفين والمعتقلين الجدد. فيضيف المؤلف أخبار أخرى عما يحصل في المناطق الفلسطينية الأخرى والبيانات والتصريحات التي صدرت في هذه الأيام. يحاول الأسرى قتل غولدمان الذي وضع ايضا في المسكوبية ونتابع بعض تفاصيل الخطة وكيف اجهضت المحاولة.
الرواية ليست فقط ذكريات الأسر التي ينقلها فتى فلسطيني عن أوضاع هذا السجن الرهيب، بل ايضا ذكريات من عاش ويعيش في القدس ومن تابع هدم حارة المغاربة في البلدة القديمة وهدم الآثار التاريخية : "تحركت الجرافات الاسرائيلية لهدم حارة المغاربة على رؤوس بعض سكانها الذين رفضوا المغادرة، لتوسيع الساحة. وطرد نحو 700 مقدسي من حارة المغاربة، اضافة الى ثلاثة آلاف من حارة الشرف المجاورة التي تحولت الى حارة اليهود. وأصبحت بعض أهم الآثار الأيوبية والمملوكية والتراث المغربي الأندلسي المميز، ركاما..."
اضافة الى ذكريات الحرب والاحتلال، يطلع ايضا القارئ على تنوع البنية الديمغرافية لأبناء القدس وهي المدينة المقدسة التي استوعبت القادمين اليها عبر التاريخ من نساك وجنود وطالبي علم وتجار وغيرهم. يلتقي الراوي ببعض هؤلاء في السجن أو خارجه لينقل لنا صفحات غنية بالمعلومات عن القدس والمقدسيين، أصولهم وتاريخهم.
وعند متابعة أخبار انتفاضة القدس التي اندلعت بعد اعتداء المجرم غولدمان على المصلين في المسجد الأقصى، نبقى حائرين لمعرفة ما الذي تغيّر اليوم، لماذا لا تنتفض باقي الأراضي المحتلة وباقي الدول العربية والاسلامية، أمام عملية الدمار الشامل الذي يواصله المحتل في القدس ؟

هناك 3 تعليقات:

  1. Hello, Neat post. There's a problem with your website in web explorer, could test this? IE still is the marketplace leader and a huge portion of other people will miss your wonderful writing because of this problem.
    my webpage > transfer news chelsea fc

    ردحذف
  2. I think this is one of the most vital info for me. And i'm glad reading your article. But wanna remark on few general things, The web site style is ideal, the articles is really nice : D. Good job, cheers
    Here is my blog post :: transfer news man utd today

    ردحذف
  3. Merci pour le partage, beaucoup d'information utile. Je laisse mon premier commentaire sur ce site

    my blog :: Candice

    ردحذف