نهيل عويضة وابراهيم ابو دية..!

خلال عملي على تحقيق عن رسالة كتبها مقاوم فلسطيني عام 1948، عرجت على سيرة ابراهيم ابو دية، بطل معركة القطمون ومعارك اخرى، ومدني احد اقرباء ابو دية بكتاب لنهيل عويضة عنه، فيما يلي استعراض كتبته عن الكتاب:

تسترجع الكاتبة نهيل عادل عويضة، في كتابها (معارك القدس الجديدة ومداخلها عام النكبة وسيرة البطل ابراهيم ابو دية)، فترة مهمة من تاريخ القدس.

ويكتسب الكتاب الصادر العام الماضي في دمشق، اهميته، من كون المؤلفة، تعرف تماما المنطقة الجغرافية التي يتحدث عنها، بخلاف كتب فلسطينية وعربية عديدة يتطرق اصحابها الى القدس، دون ان يكونوا خبروها، فيقعوا في مثالب عديدة.

وتقدم المؤلفة لكتابها، بلمحة عامة عن تاريخ القدس، تكرر فيها الروايات التقليدية عن تاريخ المدينة المقدسة، دون الاستفادة من الكشوف الاثرية الحديثة، او الجهود التي قدمها باحثون اجانب حول تاريخ المدينة، الذي لم يكتب الا وفقا لأهواء دينية وسياسية، سواء كان صاحب هذه الغايات من العرب او من الاسرائيليين او الاجانب التوراتين.

وقد يكون من المهم الاشادة بما كتبته المؤلفة حول توسع القدس العثمانية خارج الاسوار، وما تلاه من فصول حول وضع القدس حتى عام النكبة.

وتنوعت فصول الكتاب، تبعا لموضوعاته المتعددة، ولكن يبرز اهتمامها بإبراهيم ابو دية، ابن قرية صوريف في جبل الخليل الذي اسس، مع عبد القادر الحسيني، كتائب الجهاد المقدس، وعُرف كمقاوم مقدام نظيف اليد.

وتتطرق المؤلفة الى المعارك التي دارت حول القدس، ومن بينها معركة الدهيشة في 27 اذار 1948، وتنقل عن العقيد ابو موسى المراغة عن هذه المعركة، بانه تم محاصرة المقاتلين اليهود في مقام النبي دانيال "لكن اهالي المنطقة اصبحوا يطلقون عليه بيت اليهود تجاوزا".

وهذه معلومة غير صحيحة، فالبيت المقصود كانت تملكه عائلة الحذوة من مدينة بيت جالا، اما مقام النبي دانيال فهو بعيد عن موقع المعركة، وهو مقام ليس عليه بناء، ومجرد "حويطة من الحجارة"، يقع الان ضمن مستوطنة النبي دانيئيل اليهودية.

وفعلا كان يطلق الاهالي على المنزل المذكور اسم دار اليهود، ولكن تم هدمها مع دخول قوات السلطة الفلسطينية الى بيت لحم، ولم يعد لها الان أي اثر.

المعارك التي تتحدث عنها المؤلفة ومن ضمنها معركة الدهيشة، شارك فيها ابو دية ببسالة، وتشير الى جوانب لم تكن معروفة فيما يتعلق بابي دية، مثل تأثر ما اصبح قادة حركة القوميين العرب به امثال جورج حبش.

وتصف المؤلفة ابراهيم ابو دية كأحد منظري تجمع الشباب القومي الذي عُرف لاحقا باسم حركة القوميين العربة، وما انبثق عن هذا التنظيم من احزاب سياسية، وحركات تحرر في بعض الدول لاحقا.

وتعتمد المؤلفة في تقريرها لصفة ابو ديه هذه التي لم تكن معروفة سابقا، وقد يكون فيها مغالاة، على مكالمة هاتفية اجرتها مع اديب قعوار احد اعضاء الشباب القومي عن جنازة ابو دية يوم 7 اذار 1952 في بيروت: "الجنازة كانت فعلا تظاهرة قومية، حضرها جميع اعضاء الشباب القومي وبقينا نهتف شعارات فلسطينية وقومية طوال مسيرة التشييع حتى انني فقدت صوابي كليا عند عودتي من التشييع وكثيرون منا فقدوا صوتهم وبكينا".

ولكن المفاجأة التي توردها المؤلف ما كتبه الدكتور جورج حبش في اوراقه الشخصية في السنة الاخيرة من حياته، وفقا لزوجته هيلدا: "في العام الدراسي 1948-1949 تجاوز نشاطنا حدود الحياة الجامعية حيث اصبحنا نتصل باللاجئين في المخيمات وشمل نشاطنا بيروت وصيدا وطرابلس، فقمنا بنشاطات جماهيرية وحماسية تبعث الامل في النفوس، وفي هذه الفترة تعرفت الى الشهيد البطل ابراهيم ابو دية بطل معركة القطمون، كان مصابا بالشلل نتيجة اصابته برصاصة في العمود الفقري. اخذت ازوره بين وقت واخر".

ويضيف حبش: "..وكانت له زوجة رائعة بمعنوياتها وهي بطلة بالنسبة الى ما كانت تتحمله. كم كانت روحه المعنوية عالية. كان يسألنا عن الاخبار ويناقشنا، كما كان يسالنا عن نشاطاتنا، كم كان تأثري شديدا يوم وفاته في مستشفى الجامعة الاميركية".

وتنقل المؤلفة شهادات اخرى للدكتور احمد الخطيب، والدكتور وديع حداد، والدكتور صبحي غوشة، والدكتورة ملك الناظر، وبهجت ابو غربية، واخرين لتؤكد نظريتها حول الدور التنظيري الذي اضطلع به ابراهيم ابو دية، في تأسيس حركة القوميين العرب، ولكن قد يكون ما استطاعت اثباته هو تأثر كوكبة الشباب الفلسطيني والعربي، الذين اضطلعوا بأدوار مهمة لاحقا في مسيرة النضال الفلسطيني والعربي، بشجاعة مقاوم مقدام مثل ابو دية، برز في المعارك الحاسمة التي جرت حول القدس عام 1948، ما ادى الى اصابته وخروجه للعلاج في بيروت.

افتتحت المؤلفة كتابها بأبيات شعرية بعنوان (نقش على ضريح الشهيد ابراهيم ابو دية) بتوقيع ابن الخليل وهو الشاعر يوسف الخطيب الذي رحل عنا في الاسبوع الماضي.

وتقول المؤلفة ان الخطيب نقش هذه الابيات في دمشق بتاريخ 15 ايلول 2009:

"لَكَ إبراهيمُ في شَعْبك ذكرى -  تملأ الانفسَ إعجابًا وفَخرا

عشْتَ ليْثًا في رُبى القدْس، وفي - هامَة القَسْطل قَد حَلقْت نَسْرا

ليْتَ صوريف الفدا قَدْ انجبت – بَدَلَ الواحد منْ مثلكَ عَشْرا"

وبهذا يكون الكتاب تحية للاثنين الخطيب وابو دية.