أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

بديعة مصابني وام كلثوم في القدس..!


بمناسبة يوم الموسيقى، اتذكر مجموعة من الموسيقيين الفلسطينيين، ومن بينهم واصف جوهرية، المؤرخ والموسيقي، والشخصية المرحة:
عُرف واصف جوهرية، للمتابعين محليا وعالميا، بعد نشر مذكراته الشخصية، التي صدرت في جزئين، ولوّ كان الواقع الثقافي الفلسطيني بكامل عافيته، لم تفسده الممارسات الحزبية، لعدت هذه المذكرات حدثا تاريخيا في الثقافة الفلسطينية، وكما يحدث مع مثل هذه الاعمال التي تكتسب بعدا مرجعيا، فان الباحثين الاجانب كانوا الاكثر استفادة منها.
مع الجزء الاول من المذكرات الذي صدر تحت عنوان (القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية) الذي حرره وقدم له الباحثان سليم تماري وعصام نصار، وزعت اسطوانة، لأغاني واصف جوهرية، الذي ولد عام 1897م داخل أسوار القدس القديمة وتوفي عام 1973م في بيروت لاجئا بينما ما زال منزله في حارة السعدية بالقدس القديمة موجودا، ولكن يسكنه مستوطنون يهود أضافوا إليه طابقا جديدا.
جوهرية واحد من مجموعة من الموسيقيين الفلسطينيين الذين عاشوا في القدس وبيت لحم ويافا، عُرف بعض منهم عربيا مثل رياض البندك، وحليم الرومي، ومصطفى اللبابيدي (صاحب لحن يا ريتني طير لفريد الأطرش)، وروحي الخماش، وحسين نازك، وغازي الشرقاوي، واوغسطين لاما (باخ فلسطين)، ويوسف خاشو (بيتهوفن فلسطين)، وسلفادور عرنيطة (برامز فلسطين)، وفرانسوا نيقوديم، واسكندر شحتوت، وحنا الخل، ومارون اشقر، وامين ناصر، ووليم نيقوديم، وعبد الحميد حمام، ويسرى جوهرية عرنيطة، ولكن ظروف النكبات المتتالية ضربت مشاريعهم الموسيقية وشردتهم، وغابوا ضمن الصورة التي ظهر فيها الفن الفلسطيني المصاحب للمقاومة الفلسطينية، ولكن هناك من شكل امتدادا لهم، بشكل أو بآخر، مثل باتريك لاما الذي يعيش اليوم في باريس ويزور فلسطين بين الوقت والأخر والمايسترو سليم سحاب الذي يعمل في دار الأوبرا المصرية.
وتوجد إشارة على الاسطوانة إلى أنها سُحبت عن شريط مغناطيسي قديم، وهي بمثابة اعتذار غير مباشر عن أي شوائب في الصوت يمكن أن يلمسه المستمع. وأهمية اسطوانة واصف جوهرية، المنقولة عن تسجيل أنجزه لحفيده (واصف الثاني)، في مدينة لجوئه بيروت، كما المذكرات أنها تكشف عن وجه غير سياسي بالمعنى المباشر للقدس لم يعرفه أحد قبلا، وفي مذكراته، تبرز أسماء فنانين من مصر كانوا يترددون على فلسطين بشكل دوري لتقديم فنهم على مسارحها مثل: زكي أفندي مراد، ومحمد العاشق، والشيخ احمد طريفي، وام كلثوم، وبديعة مصابني التي كانت "تقدم أغنياتها الراقصة بلباس شفاف" على مسرح قرب باب الخليل بالقدس، وعرفها جوهرية عن قرب ورافقها بالعزف على عوده في قصور أعيان القدس في حفلات خاصة حميمة. وفي احدى المناسبات، رافقها عزفا طوال الليل.
وفي هذه الاسطوانة نحن أمام صوت قوي ومتمكن يقدم مقطوعات لأساطين الفن في عصره مثل داود حسني، اليهودي المصري، والذي يعيش ابنه الآن في إسرائيل باسم عبري، وأبو العلا محمد، وعبده الحامولي وغيرهم.
ويبدأ واصف جوهرية بالتنويه بأنه سجل هذه المقطوعات لحفيده واصف الثاني كذكرى من جده، ثم يقدم في الجزء الأول من الاسطوانة، أو ما يسميها الوصلة الأولى، عزفا لافتا وشجيا لمقام بيات ومقطوعة استقبال للعروسين في الأفراح باسم (البدر لما زار) مشيرا إلى انه يستقبل فيها حفيده واصف، ثم يعزف ما يقول انه رقصة الفرجالة، ويختتم هذا الجزء بأداء طقطوقة مصرية قديمة بعنوان (أمان يا يمة على المصرية)، وهي خليط بين الفصحى والعامية المصرية ولكن بشكل غير منفر ومن كلماتها: "أمان يا يمة على المصرية سافر حبيبي يوم ما وصى عليه". ومثلما نجح بتقديم هذه الطقطوقة يقدم، في الوصلة الثانية موشحا، على مقام رصد بعنوان (احن شوقي إلى دياري) ويقدم له بشهقة أسى وحنين جارحة "…أي والله احن شوقا إلى دياري". ويتبعها بتقاسيم ثم قصيدة قديمة يصفها بأنها "من القصائد الخالدة"، وتعود لعبده الحامولي ومن (تسجيل المندلاوي) ـ كما يشير، وهي لحن مميز يكشف عن قدرات عبده الحامولي التي صنعت شهرة له ما زالت تتردد حتى الان.
ويقدم واصف جوهرية في الوصلة الثالثة مقام حجاز على الدبى في موشح اسمه (ليالي الوصل عندي عيد)، وهو موشح كما يقول: "يتصل بسبعة موشحات منسجمة مع بعضها البعض وهي في غاية الطرب". وفي الوصلة الرابعة توجد قصيدة بعنوان (يا صاحي الصبر) على مقام بيات دوغا، ويقول بان هذه الأغنية كانت معروفة في القدس، وتحوي كلمات غزل جريئة حسية ولكنها مغلفة بوجد روحي تجاه الحبيب، ويقدم قصيدة "افديه إن حفظ الهوى أو ضيعه" من نظم وتلحين الشيخ أبو العلا محمد صاحب الفضل الكبير على أم كلثوم في بدايتها.
ويطلق واصف، الذي يُعتقد انه سجل هذه الاسطوانة في سن متقدمة، لصوته العنان يجوب دواخل هذا اللحن، الذي يقدم كل شطر بيت في القصيدة بجمل موسيقية مختلفة. وتحوي الاسطوانة أيضا عدة موشحات وقصيدة من تلحين الشيخ أبو العلا محمد، وأيضا تتضمن دور (أشكو لمين ذل الهوى) من ألحان داود حسني، وكان يغنيه كما يقول واصف: "السلطي وأيضا عبد الحي"، ويقدم أيضا طقطوقة مقدسية بعنوان (يا ميمتي آه يا يمة). والتي كانت من الطقاطيق المعروفة على نطاق واسع في فلسطين العثمانية والانتدابية، ولكن بعض نقاد الموسيقى العربية يرجحون ان اصلها مصري.
كان واصف جوهرية، متعدد المواهب، فبالإضافة الى ظهوره المفاجيء كمؤرخ للقدس، كما لم يؤرخ لها احد، ترك مجموعات مهمة ونادرة من الصور والتي كانت ضمن مجموعات أخرى، استند إليها المؤرخ وليد الخالدي في كتابه المعروف (قبل الشتات) الذي صدر بالعربية، ولغات أخرى قبل عدة سنوات. واعتمد فيه الخالدي على الصور للتأريخ لفلسطين وناسها.


هناك تعليق واحد:

  1. It's an awesome piece of writing in favor of all the online users; they will get benefit from it I am sure.
    Feel free to visit my web page ... transfer news central twitter

    ردحذف