أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 11 أغسطس 2019

أوج القُدْس..!



(كيف يساهم العاديون في مصيرهم)
تقترب سنة عشرين عشرين، ذات الوقع المموسق، والتي لو جاءت في غير زمننا، لقدمت محاطة بالأساطير، وربما سبقتها تنبؤات بنهاية العالم.
وعمومًا ينسب لمفكر إسلامي، قوله بان نهاية إسرائيل ستكون في العام المموسق هذا، ويقال بان الشيخ الشهيد أحمد ياسين تبنى هذا الطرح وأعلنه، ولكنني لا أصدق أن الشيخ المقاوم يمكن ينزلق إلى هذا المنزلق.
تهل السنة المموسقة، وقد فشلت الخطة الاحتلالية لتهويد القُدْس، والتي أثارت فزعنا، وحللها المحللون، وتوسعت الصحف في النشر عنها، ولم يترك أحد من أصحاب الاختصاص إلَّا قال كلمته فيها، دون أن يقول كيف يمكن لشعبنا مواجهتها، وأصلاً لم يعد، هذا الشعب، منذ زمن، يستمع لأحد ليقول له ما يجب أو لا يجب فعله. إنه يستمر، مثل النمل، في طريق هدفه.
حقق شعبنا نجاحًا شعبيًا لافتًا، وأيضًا حققت دول الاحتلال نجاحًا باهرًا..!
تمكنت دول الاحتلال من جعل القُدْس في وسط فلسطين الانتدابية، بعدد سكان يزيد عن 90,0000 نسمة (الإحصاءات إسرائيلية/السياسية الإسرائيلية السابقة نعومي حزّان).
ونجحت دولة الاحتلال في جعل القُدْس أكبر مدينة يهودية في البلاد وربما في العالم، أكثر من 580,000 نسمة؛ 62 ٪ من السكان.
ولكنها أيضا أكبر مدينة فلسطينية نحو 320,000 نسمة، 38.5 ٪ من سكان المدينة.
يعاني القدسيون من ألف مشكلة ومشكلة، ومع ذلك تمكنوا من اجتراح هذا الأعجوبة، كيف؟
لا شك أن الأمر يتلخص بكلمة بسيطة هي الصمود، وهو ما بدأوا ملحمته بعد التقاط الأنفاس اثر حرب حزيران، وانضمام الآلاف من السكان إلى أفواج النازحين، واستمر نزيف الهجرة حتّى الآن.
من الصعب معرفة كم عدد الذين انتموا أو ما زالوا للفصائل الفلسطينية من ال 320 ألف فلسطيني في القُدْس، ولكن المؤكد أنها نسبة قليلة، لم تكن سياسات الفصائل في القُدْس، ومنها الراديكالية مقنعة للقدسيين، فاجترحوا طريقًا خاصة، أنجزوا فيها ملحمة صمود أسطورية (رغم الهدم، والقتل، والتهجير الصامت)، قد لا تكون حدثت على مدى تاريخ القُدْس، التي عانت تاريخيًا من نقص السكان.
جلب الصليبيون مسيحيين من شرق الأردن، ليغطوا النقص، وسكنوا في حارة حملت اسمهم؛ حارة المشارقة، ووطّن صلاح الدين قبائل عربية وكردية في القُدْس وبرها، ضمن خطة استيطان إستراتيجية، وفي تاريخ قريب استدعى الحاج أمين الخليليين، بناة القُدْس الأشاوس.
هل يمكن أن يكون لبرامج الصمود، أي دور في صمود القدسيين؟ لا أعرف شيئًا عن مثل هذه البرامج، وعندما سألت العديدين من العاديين في القُدْس، نفوا علمهم بأية برامج صمود، قد يكون ذلك من فلكلور الإنكار الفلسطيني، لا أعرف حقيقة.
ولكن حتى من يفترض أنهم يتلقون دعمًا مؤكدًا ينكرون ذلك؛ مثلاً شاهدت مديرة مركز ثقافي على فضائية عربية تبكي ضعف التمويل، أو عدمه، رغم أن مركزها يقوم على الدعم.
إنها مشكلة النخب في القُدْس، كثير من المواربة، صحيح أن نخب القُدْس أفضل بما لا يقاس من نخب رام الله (أدين بهذه الملاحظة للعم جورج)، ولكن علينا تصوّر أن في الحديث عن العاديين، نجد فجوات بين الطرفين. فلكل طريقه.
تنقسم النخب في القُدْس إلى أكثر من جهة، منها ما زال موجودًا بقوة دفع ذاتي كوريثة للارستقراطية الدينية-السياسية التي أوجدها الفتح الإسلامي، وبدأت كنخبة قرشية (حسب المدونات الإسلامية التاريخية التي فصلت كثيرًا في الموضوع)، حتى أضحت عائلات بعينها تتوارث المناصب الدينية والوجاهية، إضافة إلى نخب الانجي اوز، والفصائل، ورجال الدين، ومخاتير الفئات والطوائف، وغيرها بالطبع.
ما أعرفه عن سنوات الثمانينات، كيف لعبت أموال الصمود دورًا في ترسيخ الانقسام الوطني الفلسطيني، وشراء الذمم، وتخريب العمل النقابي، والثقافي، والسياسي، وما زالت هزات تلك المرحلة حاضرة في جيل جديد من الفصائليين.
أعتقد بأنَّ القُدْس لا تحتاج إلى دعم أو أموال صمود، فدخل القدسي، أعلى من نظيره المواطن في أكثر الدول العربية، ولا شك أن وفرة الأموال، إضافة إلى أسباب أخرى بالطبع، دفعت القدسيين، لأن يكون لهم دورا رئيسا، في اعمار وبناء الكثير في قرى ريف بيت لحم الجنوبي والشرقي، وقرى رام الله.
وعلى الأقل هناك جانب من الدعم، هو تخريبي بالأساس، ومصدره خليجي، سألت قبل سنوات أحد قادة الحركة الإسلامية المتنورين، لماذا لا يجيرون الأموال التي تصرف على الطعام في رمضان لمشاريع أبقى وأفضل؟ فأجابني بأنها شروط الممولين العرب، وحسب إحصائية أذيعت قبل عامين فإنَّ إفطار الصائمين في المسجد الأقصى كلف ملايين الدولارات، وهو أمر يمكن الاستغناء عنه، بل من الضروري فعل ذلك، لأسباب كثيرة.
لا تحتاج القُدْس، بجيشها المدني المكوّن من كل هذه الآلاف، إلى صلاح دين يأتي من دول العرب، أو العجم، أو الكورد، أو الفرس، وإنما كل هذه الجماعات هي التي تحتاج القُدْس، لتتاجر بها، وتقمع شعوبها باسمها، والأمر ينطبق أيضًا على المنتج الثقافي السخيف، من الكتب، والمؤتمرات، التي تموّلها هذه الجهات أو تلك. المنتج المعرفي الثقافي الحقيقي عن القُدْس، يأتي من باحثين ليس لهم علاقة قومية أو وطنية بالعرب أو بالمسلمين.
هكذا يساهم العاديون في صنع واقعهم؛ إذا كانت تقنيات الصمود تدخل في مفهوم المقاومة، فهذا جيد، وإن لم تكن كذلك، فالصمود أجدى من المقاومة.
**
الصورة: 19-5-2019م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق