يافا 1886: ناس من كل الدول

أنجز الباحث ج. ل. بورتر (Josias Leslie Porter)، عام 1886، كتابا بعنوان (القدس، العيزرية وبيت لحم) يتضمن تأملات ورسوم هذا الرحالة خلال زيارته لفلسطين. صدر في لندن عن توماس نيلسون وأولاده، عام 1887م.
ويخصص بورتر، جزءا من كتابه لمدينة يافا، التي كانت بوابة فلسطين، وأكثر الأماكن شيوعا التي يدخل منها المسافرون والرحالة إلى فلسطين.
تطرق بورتر، الذي تعشش في خلفيته الثقافية قصص الكتاب المقدس، إلى النظريات التي تعد يافا، واحدة من أقدم المدن في العالم. وإلى تاريخها الذي يعود إلى ما قبل الطوفان، أو تلك الآراء التي تنسبها للفينيقيين، باعتبارها أول مرحلة من المشاريع التجارية التي جلبت الشهرة للفينيقيين، كتجار جابوا البحار. والى تلك التي تجعلها مسرحا للأسطورة اليونانية، بإنقاذ الأميرة الأثيوبية أندروميدا من وحش البحر، والتي يعتقد البعض، انها كانت اساسا لقصة النبي يونس، وحوته،كما صورها الفن المسيحي في بداياته.
ولكن بورتر، يبدي امتعاضا، يحاول ان يكظمه، من الأساطير الوثنية، ومن ارتباط يافا بالفينيقيين، وأهم أمر بالنسبة له، ان المدينة كانت ميناء القدس قبل ثلاثة الاف عام، وهنا يتبنى، بالطبع، قصة تزويد الملك حيرام، ملك صور، خشب الأرز للملك داود ليبني هذا قصره، ثم ارساله، لاحقا، للملك سليمان، بعد اعتلائه العرش، الأرز والسرو والصناع الخبراء في تجهيز الخشب وقطع الحجر، وذلك لبناء الهيكل الأول.
وكم هو مثير، بالنسبة لبورتر، ان تظل يافا ميناء القدس منذ تلك العصور، حتى عام 1886م، فمعظم المسافرين، يكونون على موعد في يافا مع: "أول لمسة لتربة فلسطين المقدسة، والذهاب من هناك إلى الأمام في رحلة حجهم إلى المدينة المقدسة".
ويقدم بورتر صورة شاعرية أخاذة، لوصول المسافرين إلىشاطئ يافا، مع هبات الريح، ويصف جمال الشوارع والمنازل، والنوافير، والبوابات، والصلبان على الجدران.
ويلاحظ بورتر التنوع الثري في يافا، فالداخل إلى المدينة سيرى حشودا من الناس: "يدون ازياء من كل بلد تقريبا من أوروبا وآسيا".
ويقول، ان الزائر، يرى أسطح منازل البلدة، وبعض من الأبراج القديمة، الغنية المتفردة، وتطوف الأعين على بحر شاسع من الخضرة، مع النخيل، والرمّان، والبطم، والبرتقال والليمون الذهبي، والسرو الفخم. وما وراء البساتين تظهر روافد واسعة من المروج الخضراء والذرة وحقول من "سهل شارون"، بينما في الأفق الشرقي، وعلى بعد أميال، مدى طويل من "جبال يهودا"، ملونة بدقة مع ميل إلى الرمادي الفاتح على القمم، واللون الخمري على الجانبين، والأرجواني العميق للوديان.
هذه البانوراما الكبرى، كما يصفها للهضبة الفلسطينية الوسطى (الضفة الآن) بدت له: "مقدمة مناسبة للأمجاد التقليدية والتاريخية لأرض الميعاد".
يضم كتاب بورتر، نحو 200 صفحة، و90 صورة، وهو ليس الكتاب الأول للمؤلف الذي عاش في دمشق منذ عام 1849، وكتب"دليل للسياح إلى سورية وفلسطين" الصادر عن دار جون موراي في عام 1858. اما كتابه عن القدس، والعيزرية، وبيت لحم، فصدر قبل وقت قصير من وفاته عام 1889.
واهمية الكتاب، انه ليس نتاج زيارة واحدة لفلسطين، ولكن نتيجة اقامة فيها، كما يذكر بورتر، ويشير إلى انه لم يحاول كتابة تاريخ القدس، او يقدم اطروحة في علم الطوبوغرافيا، ولكنه حاول من خلال الكتابة والرسم بقلم الرصاص، توجيه انتباه القراء من جميع الفئات لأهمية المشاهد في الاراضي المقدسة.
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=3&id=194548&cid=2825