فقر قاموس أمي
التشبيهي، بعد النكبة، منذ توقفها قسريًا، عن أن تظل فلَّاحة، باستثناء تشبيهات،
أصبحت، إذا أخذنا بمعايير شيخنا الجرجاني، مبتذلة. أشهرها الوصف الذي تحاول، إضفاء
جرعات دراماتيكية عليه ليشعر الولد النحيل، بعقدة ذنب:
-عصبانك، مثل عصبان
أبو سعد!
كانت ترى ذلك الطير
الحزين، في سهوبنا الممتدة، في أيَّام الخير، يلقِّط رزقه، مما يخلفه الفلَّاحون، ومناجل
الفلَّاحات، أيَّام الحصاد.
كانت الواحدة منهن، تحصد، في أيام المخاض. روت
لنا الأمهات، حكايات البطولة في ولادة الحاصدة، وهي في السهوب، تدفع للدنيا،
مخلوقا جديدًا، وهي تقطع الحبل الذي يربط الجنين بعالم ما ورائي، وقد تعود للحصيدة
من جديد!
استعانت اللاجئات،
بتشبيهات ما بعد النكبة، من التشبيهات الأثيرة في مخيمنا، أن تقول الأم لأبنها
المشرتح:
-شكلك مثل حربي النَّوَري!
أكاد أسمع الآن
تشبيهات نوريات مخيمنا، يؤنبن أولادهن:
*صرتم مثل أولاد
اللاجئين، لا مظهر، ولا محضر!
لا أعرف ما هو مصير
حربي النَّوري، الذي قطن، قبالة المخيم، يفصله عنه شارع القدس-الخليل.
لم يكن التعريض، بالنَّوَر،
من قبل اللاجئات، يُظهر دائمًا تعاليًا، حتَّى لو كان هشًا. أذكر عندما كانت تسمع
الموسيقي جميل العاص، من الإذاعة الأردنيَّة، تهمس مبتسمة:
-هذا من نَوَر وادي
الجوز، صار النَّوَر وتصوَّروا!
أستمع الآن لشهادة
الكاتب الراحل رسميِّ أبو علي، عن نكبة قريته المالحة، قائلًا، إن جميل العاص من نَوَر
قريتهم.
اشتهر العاص، ببزقه،
وتجنده، في تشكيل الجانب الموسيقي في الهوية الأردنية. يقول في لقاء مع المذيع حكمت
وهبي عام 1985م، إن النَّوَر هم من أدخلوا البزق إلى بلاد الشام، وهم يتنقلون
مرتحلين في بادية الشام.
أشهر ألحان العاص،
أغنية يا طير يا طاير، التي اشتهرت عربيًا، عندما أدَّاها محمد منير، ولكن مبتسرة،
أقل ثراءً من اللحن الغجري للعاص.
لا تبدو الأغنية،
أنها تمد نسبًا للفلكلور الفلسطينيَّ أو الأردنيِّ، كأغنية يما مويل الهوا، التي
أداها منير أيضًا، ولم أجد لها أصلًا فيما جمعه روَّاد الفلكلور الفلسطينيِّ بعد
الانتداب. يؤدي العاص الأغنية الشجية، وهو يتراقص، ملوحًا ببزقه، كأنّه راقص
فلامنكو وحوله فتيات يرقصن مطوحات شعورهن الطويلة، فاردًا يديه، كأنّه يحاول أمساك
صدى الغجر الأسبان، وحزن لوركا، عندما لم يعد يرى الغجر يصعدون التلال!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق