أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 26 نوفمبر 2022

عندما تحفظ الجدران أنين الضحايا





 أطلق المحتلون، على الساحة المقابلة لمسجد دهمش، في مدينة اللد، اسم (البلماح)، المنظمة الصهيونية التي ارتكبت المجزرة المروعة في المسجد في شهر تموز 1948، وكان يوافق شهر رمضان، وذهب ضحيتها نحو 180 شهيدا وشهيدة من الرجال والنساء والأطفال، لجأوا إلى المسجد، خلال هجوم العصابات الصهيونية على المدينة، وفي ظنهم أنهم قد يكونوا محميين في مكان العبادة وفي الشهر المقدس، ولكن أفراد العصابات الصهيونية، ارتبكوا مجزرة مروعة، بحق كل من لجأ إلى المسجد، لم ينج منها إلا شخص واحد اسمه أبو كامل الزبن، الذي روى ما حدث.

استمرت المجزرة حتى ساعات المساء، تفقد خلالها المجرمون، الضحايا، وسلبوهم، وقتلوا كل جريح.

بعد يوم، جلب المحتلون، عددا من الشباب، وأمروهم بإخراج الجثث، رافضين دفنها، وإنما حرقها، وبعد ذلك اعتقلوا الشباب في معتقل صرفند.

لم يكن ضحايا المجزرة في المسجد، إلا جزءا من عدد كبير من الشهداء الذين ارتقوا خلال احتلال اللد، التي تعرضت لأقسى هجوم خلال النكبة.

في عام 1997، تمكنت هيئات محلية عربية في اللد، من استعادة جزئية للمسجد، وحسب شهود فإن آثار الدماء، كانت ما زالت عالقة على الجدران، ويكاد أنين الجرحى قبل استشهادهم يسمع، رغم الهدوء الذي يسود الجامع.

الآن، لا آثار للدماء في المسجد المفروش بالسجاد، ويحوي مكتبة دينية، ويمكن رؤية عدد من المصلين داخله يستعدون للصلاة الجامعة.

تحفظ إمام المسجد الشاب، من الحديث لمراسلنا، قائلا إنه يحظر عليه الحديث للصحافة، بينما قال مصل مسن: "المهم أننا الآن استعدنا مسجدنا، ولكن المعركة لم تنته بعد".

يحمل المسجد اسم مؤسسه خليل دهمش، الذي مول البناء في عام 1922م، ولم يكن فتح المسجد في عام 1996، تعبيرا عن تماسك أهل اللد العرب، بعد ما مروا به، ولا يزالون من تمييز فاضح، فقط، وإنما بداية لمعركة مستمرة لاستعادة مرافق المسجد، ومنها الدكاكين التي استولى عليها المحتلون، وفي عام 2006م، وفي الذكرى الثامنة والخمسين للمذبحة، تمكن الأهالي من استعادة مرافق المسجد، والبدء بأعمال ترميم واسعة، ليكون على الصورة التي كان عليها قبل المذبحة.

دفع الأهالي، مبالغ كبيرة لليهود الذين آلت إليهم الدكاكين، كي يتركوها، وجاء ذلك، مع انتقال كثير من اليهود من بلدة اللد القديمة، إلى الأحياء الفاخرة التي بنيت على أراضي العرب في اللد، وبيعهم شققهم للعرب.

تبقى في اللد، بعد النكبة نحو أقل من ألف مواطن، جمع نحو نصفهم في منطقة أطلقت عليها العصابات الصهيونية، اسم الغيتو، وفرضت عليهم إجراءات قاسية، وما زالت المنطقة تحمل نفس الاسم، بينما اعتقل الشباب في معتقل صرفند، بعد استعبادهم في نقل جثث الشهداء من مواقع مختلفة في اللد وحرقها، وتنظيف الشوارع، وأعمال أخرى.

تقع منطقة الغيتو في منطقة المسجد العمري (المسجد الكبير) وكنيسة مار جرجس (الخضر)، حددت بالأسلاك الشائكة، وعاني الأهالي داخلها من الجوع والبرد والأمراض، واستمروا فيها نحو عام.

لم تكن مذبحة دهمش، إلا واحدة من سلسلة أعمال العنف القاسي التي مارستها العصابات الصهيونية ضد اللد وناسها، فهي أول مدينة فلسطينية تقصف بالطائرات، ثم تقدمت قوات من سلاح المدرعات، والمدفعية، والمشاة، وبدأت تتناثر جثث المدنيين في الشوارع.

مشهد الطرد الجماعي للأهالي، حفر عميقا في الذاكرة الفلسطينية، وكذلك أعمال السلب، التي طالت المطرودين، الذين خضعوا لتفتيش وسلب ما معهم كالنقود، ومصاغ النساء، وكذلك الشهداء، فقبل أية عملية تجميع للجثث، كان جنود الاحتلال يفتشونها ويسلبون الضحايا، آخر ممتلكاتهم الصغيرة.

كل موقع في اللد، يشهد على مقتل ناس من أهلها، في تلك الأيام المصيرية، جمعت الجثث وحرقت، ويحفظ الشهود، حكايات مروعة عن قتل الرضع الذين تشبثوا بأثداء أمهاتهن المقتولات.

حكاية مسجد دهمش، لم تنته، ويبدو أنه على الأهالي خوض المزيد من المعارك، آخرها بعد استيلاء الشركة الاقتصادية التابعة لبلدية اللد على مبنى ملاصق للمسجد، يعود أصلا للأوقاف الإسلامية، مثل باقي الأبنية والساحات التي تعتبر من أوقاف المسجد.

حاولت لجنة المسجد، استملاك المبنى الذي أصبح ملحمة، على مدار 15 عاما، واتفقت مع من يديره على دفع 6 ملايين شيقل، ولكنه باعه للبلدية بسعر أقل بكثير.

تصدى الأهالي، لآليات البلدية التي وصلت للموقع، وأحبطت مشروعها، ويتوقع أن تشهد الأيام المقبلة، أحداثا حاسمة، بالنسبة لنحو 35 ألف مواطن عربي يعيشون في اللد، في أحياء متفرقة، يعانون من الإهمال والتمييز والتفرقة.

http://www.alhaya.ps/ar/Article/142913/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%AD%D8%A7%D9%8A%D8%A7

فيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=8TswHwCMCsU

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق