يشهد
شارع القدس-الخليل، في الخريف، تغيرات دراماتيكية، أكثر ما يشعر بها أولاد مخيم
الدهيشة، الذين يجلسون على بقايا المواسير، التي كانت تنقل المياه إلى القدس،
المشروع الذي أوقفته النكبة، وأوقفت أسلافهم على حد السكين، لاجئين، في بلاد الناس،
وأوقفتهم النكسة على الشارع، يتسلون برشق مركبات المحتلين الجدد، بالحجارة.
ولكن
ذلك الخريف، كان مختلفا، أحس الفتى، من حالة الحزن الجماعية، على رحيل الزعيم، والأب،
والبطريرك. خرجت مسيرات ذكورية يتقدمها حملة الأكاليل، ولكن التعبير الأنثوي، كان
عميقا وطاغيا.
تجمعت
نساء المخيم، بثيابهم الفلاحية المطرزة، في الساحة المقابلة، ليدخلن في حلقة نواح،
هي إلى حلقات الرقص أقرب، رقص المذبوح، من حرارة الروح.
استمرت
الحلقة الدائرية، عدة أيام، يدرن فيها النساء، وهن يشهقن بالدموع، يحركن أيديهن،
يلوحن بالمناديل، ويرددن منظومات الحزن الموروثة، والممتدة إلى موت أدونيس.
بعد
سنوات طويلة، عندما لم أستوعب، كل هذا الحزن، لزعيم مهزوم، وضع صديقه محب
الممثلات، على رأس جيش، لم يحتمل ستة أيام، وتسبب في عيشي في ظل احتلال حتى الآن،
سألت والدتي عن حفلة النواح الجماعية تلك، والتي لم تتكرر لاحقًا، رغم موت زعماء،
وآباء، وشهداء، فقدمت تفسيرًا:
-كنا،
في الواقع، نبكي شعبنا المذبوح في أيلول الأسود...وموت ناصر كان مُشعلا..!
هذا
التبرير-التفسير المتأخر، لم يكن مقنعا، لواحدٍ مثلي، خبر عائلة، ومجتمع، وأحزاب،
ومدرسة، وسجن، وعمل، لا يحيا فيها الفرد إلا عبدًا للجماعة المقدسة، ولا وجود له
خارجها، والتي تتلخص في النهاية، بزعيم ضرورة، أو مستبد عادل، أو بطريرك فوق مستوى
المحاسبة، أو بمسيح سيأتي في أخر الزمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق