لا تظهر
تعابير مشاعر محمد جرادات، الاستاذ في الجامعة العربية-الأميركية، بسهولة على وجهه
الهاديء، ولكنه عندما تأكد من حضور نحو 50 فتى وفتاة، لأوّل تِجّوال ينظمه في مرّج
بن عامر في جنين، بدت علامات الرضا واضحة على وجهه.
فكرة التِجّوال،
كما يقول جرادات، بدأت في مكتب زميله المبادر سعيد أبو معلا، مدرس الإعلام في
الجامعة العربية الأميركية، والذي يتعامل مع طلبته بشكل غير تقليدي، ودائما لديه أفكار
جديدة، تجعله محط اعجاب وتقدير الطلبة.
يقول جرادت،
خلال استراحة المشاركين في التِجّوال، بين أشجار الزيتون، في مرّج بن عامر، الذي
يحتل مكانة وجدانية في عقول ونفوس الفلسطينيين: "منذ ان عملت في المدارس، قبل
سبع سنوات، وأنا أحب التعامل مع الشباب بأفكار مجنونة غير التقليدية، في الفن
والفكر، والان أتعاون مع سعيد في تطبيق الأفكار الجديدة".
أبو معلا الذي
أدار نقاشًا بين المشاركين، لاستكشاف علاقتهم بالأرض كشف: "أجمل شيء في
حياتي، وأنا طفل، الصعود إلى الجبل، والركض، في المساحات المفتوحة، وسط شعور بأنني
لست مراقبًا، تلك اللحظات لها القدرة على إحداث التوزان، عندما أشعر بالملل
والاحباط".
وتساءل أبو
معلا: "كيف يمكن ان ندافع عن أرضٍ لا نعرفها؟ المعرفة حالة علاقة بالمكان، أعتقد
بان جزءًا من انتمائنا به خلل، بسبب ضعف العلاقة بالأرض".
أبو معلا،
الفرح بالمشاركين والمشاركات خاطبهم بحماسة، وهو يجلس على التراب: "كل واحد منكم
قصة وحكاية وكل واحد منكم هو بطل هذه الرحلة".
اختار منظمو التِجّوال،
على ما يظهر، طرقا غير صعبة، للتجوّال بين المساحات المزروعة والمتروكة بدون زراعة
في مرّج بن عامر، غير بعيد عن الحدود مع الأراضي المحتلة عام 1948، وتُذكر مشاهد
لمعالم للناصرة وحيفا، المشاركين، بفضاء فلسطين الواسع، قبل النكبة.
تحلق
المشاركون، جلوسًا على الأرض، بعد استراحة قصيرة، تعالت خلالها، من إحدى الجهات،
غناء لمشاركات، استذكرن الأغاني الخفيفة لحقبة سبعينات القرن الماضي، إضافة إلى
اغان شعبية، وعمد أحدهم إلى بناء نموذج للبئر التقليدي، وانشغل آخرون بإعداد الشاي
على الحطب، ووزع مشاركون، القهوة السادة، لمن يرغب.
أكثر ما لفت
الانتباه، هي المساحات المزروعة بالتبغ، ومساحات أخرى متروكة، وثالثة زُرعت
بالفلفل، علق يعقوب الأطرش الذي يشارك في تجوالات عديدة في أنحاء الوطن: "بالإمكان،
مع سياسات زراعية حكيمة، زراعة هذه الأرض الخصبة، عدة مرات في العام، كما يفعل الإسرائيليون
على الجانب الآخر".
فيصل زكارنة،
من جمعية الحياة الخضراء، التي تنشط في التوعية البيئية خصوصًا في شمال الضفة
العربية، أبدى حسرة، على استبدال التبغ، بالبطيخ، الذي اشتهر به المرّج، الذي يصفه
بانه من أعظم السهول الداخلية في فلسطين.
يقول زكارنة:
"يعاني المرّج، الذي كان سلة فلسطين الغذائية، من الاحتلال، والامتداد
العمراني، وممارسات المجتمع المحلي، ونتيجة الممارسات الزراعية الخاطئة، تعاني الأرض
من وجود جرثومة، تجعل زراعة البطيخ، عملية صعبة، مؤسف ان نرى التبغ يحل محل
البطيخ، والمؤسف أكثر ان يتم الترويج بان زراعته مفيدة للأرض، وهذا غير صحيح"
يفسر سعيد
حجة، أمين مكتبة بلدية عرّابة، والذي يعمل أيضا، مرشدا محليا، مع مؤسسة مسار إبراهيم،
اقبال المزارعين على زراعة الدخان، بالجدوى الاقتصادية.
ويقول:
"يتكوّن الندى في سهل مرّج بن عامر، 200 يوما في العام، مما جعل الزراعة فيه،
مناسبة جدا، ولا تتأثر بالأشهر الجافة".
حجة، مثل
زكارنة، يثمن مبادرة التِجّوال في مرّج بن عامر، ودورها في نشر التوعية والمعرفة،
يقول حجة: "أمضيت سنوات طويلة من حياتي، دون معرفة معالم مهمة قريبة مني،
ولكن خلال عامين من التِجّوال مع مسار إبراهيم، عرفت الكثير مما أجهله، كنت استغرب
كيف يأتي الأجانب من دول عديدة للتجّوال في بلادي، وأنا لا أفعل ذلك؟"
ويرى حجة، أهمية
في ان يعيش المتجوّلون، الحياة اليومية، للمجتمعات المحلية التي يتجوّلون فيها،
ويطلعون على التقاليد والعادات.
أبو معلا، أبدى
سعادته، بان بعض المتجولين، حثوا آخرين واقنعوهم بالمشاركة، أملا، في تنظيم
تجوالات أخرى، وبمشاركة أوسع.
روت مجد
جثناوي، التي ساهمت في تنظيم التِجّوال، عن علاقتها بالأرض: "كنت محظوظة
بانني من عائلة عززت فينا العلاقة مع الأرض، ومع الفلاحين، كصحافية أحب دائما اكتشاف
العلاقة بين الفلاح والأرض، العلاقة لست تجارية، وقد لا يكسب شيئا، العلاقة بالأرض
نوع من الوعي والواجب".
سارة أبو الرب،
طالبة في جامعة النجاح بنابلس، وتعمل صحافية: "كانت الأرض بالنسبة لي تعني رحلات
الشواء في الربيع، المسالة الان تتعلق بالوعي، أُعزز الان العلاقة مع الأرض، من
خلال التِجّوال فيها".
محمد خنفر
طالبة إعلام في جامعة النجاح، تحدث عن أهمية التِجّوال، في المعرفة، متحدثا عن
تجربته الشخصية، مطالبا بتعميم مثل هذه التجارب.
بعد نهاية التِجّوال،
كان لدى كل من المشاركين، ما يمكن ان يرويه لاحقا، عن علاقة خاصة بأرض، وتراب،
وصحبة، وجدال.
يبلغ طول مرّج
بن عامر، طوله 40 كم، وعرضه المتوسط 19 كم، ومساحته الاجمالية 351 كم. ويظهر على
شكل مثلث أطرافه: حيفا، وجنين، وطبريا. واستهدف مبكرا من قبل المؤسسات الصهيونية،
حتى نُكب عام 1948، وتقع معظم أراضيه الان الأراضي المحتلة عام 1948.
ويعتبر مرّج
بن عامر، من أهم سهول بلاد الشام، بالإضافة، إلى سهل البقاع في لبنان، وسهل الغاب،
في منطقة حماة في سوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق