النصر يصنعه
المقاومون، والهزيمة يأتي بها السياسيون. بعد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات،
تحدث زياد نخالة عن بنود اتفاق الهدنة، فشعر الفلسطينيون ومؤيدو المقاومة
بالخذلان، وبعد ارتقاء المزيد من الشهداء واستمرار تدمير المنازل والأبراج، خرج
الناس في مسيرات صاخبة، فرحا بالتوقيع على الاتفاق ذاته، تؤكد من جديد الحاجة للاستعانة
بعلم نفس الجماهير للتفسير.
شهدت وأنا جلس
في ساحة المهد، بعض هذه الاحتفالات العفوية، والتي فيها جميع سمات المهرجانات التي
تنظمها الفصائل الفلسطينية عادة، كرفع الاعلام العصبوية، وسماعات تصدح بأناشيد غير
مفهومة، وخطابات ليس مهما ما يقوله أصحابها. يريد المحتفلون فرحا نصرا رقصا..!!.
حالة تشبه تلك التي رافقت توقيع اتفاق اوسلو (التي لم يتوقف عندها علماء الاجتماع
حتى الان)، أوّ ظاهرة محمد عسّاف، التي وضع مثقفون أنفسهم خلالها في تصرف جشع
شركات الاتصالات. أوّ الاحتفالات بإعلانات استقلال أوّ دولة لم تحدث.
يمكن
للمحللين، يان يفسروا معاني النصر الذي يحذر المتحمسون له على الفيس بوك غير
المقتنعين به (أمثالي) بالخيانة والتكفير، ولكن أنا كروائي وباحث، معني أكثر بقراءة
الظواهر الجماهيرية. في الحالة الفلسطينية، تكاد الأمور تتكرر، الجماهير تبادر
وتسبق القيادات المتخمة بالفساد المالي والمعنوي والاداري والاجتماعي والعاطفي،
وعندما تشعر الجماهير بان ثمة خيانة ما في الأفق (في الواقع تعرف ذلك منذ البداية)،
تتشدد، ولكن هذا التمنع لا يطول كثيرا، فسرعان ما ينتهي بالتسليم بما يقرره السياسيون،
ويتم التعبير عنه بأكثر الأشكال بدائية، الدوران في الشوارع، واطلاق العنان
للصافرات، والاغاني، ورفع الاعلام العصبوية، بشكل يذكر باحتفالات أجدادنا بالرقص
حول النار، والذي نجد موازيا له بالاحتفالات الشرقية بالنور المقدس في سبت النور،
التي لا تخلو من عصبويات طائفية تؤدي إلى اقتتال في أحيان ليست نادرة. انها ارث
الأجداد. انسان الغاب.
عاصرت العديد
من "الانتصارات" والتي مرت بالمراحل الثلاث لدورة "النضوج"
الجماهيري الفلسطيني، تقدم، وتمنع، وتسليم راقص. وهي دورة تنتهي بميلاد كاذب، بعدها
يظهر السياسيون بأكثر وجوههم قباحة، المتاجرة بالدماء، في سوق التجاذبات
الاقليمية، والعالمية، مهد له اعلام الفضائيات المشبوه خصوصا تلك التي تحبذ ان
توصف نفسها بالممانعة أوّ المقاومة، والتي مارست طوال فترة العدوان كل ما يلزم
تحضيرا لمرحلة البيع القيادية، وما يستلزم ذلك من الكذب وتغييب العقل، مستعينة
ببكاء مذيعين ومذيعات، وكذب مراسلين أميين، ومحللين يصلحون أكثر للعمل محللي
زواج..!
المقاومة
الفلسطينية التي ابلت بشجاعة في غزة، هي اكثر المقاومات مغدورة، حاول ناطقون
باسمها ان يحددوا للسياسيين، الخطوط الحمراء، ويبدو انها محاولات يائسة. ولا أعرف إذا
كان يدركون مقدار بشاعة السياسيين، وقدرتهم على طرح الدم الفلسطيني في المزاد.
وبهذه السرعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق