حكواتي بيت لحم الضاحك ينام حزينًا

عندما اندلعت الثورة التونسية، كان الحديث المفضل لشاهر البدوي (49) عاما، مع الناس، عن محمد بوعزيزي، الشاب التونسي الذي عانى من شظف العيش، وأهانه المسؤولون، فحرق نفسه.

أما الآن، فان بدأ عامل نظافة في بلدية بيت لحم، بتقديم التحليلات حول الثورة المصرية، وتقييم الفاعلين الآن في الساحة المصرية، مثل وزير الدفاع المصري، ورئيس أركان جيشه، ويتحدث عن صفات كل منهما، وميزاتهما الشخصية، وكأنه يعرفهما بشكل حميم.

ويتمتع البدوي، الذي أمضى 34 عاما، في عمله، بروح النكتة، ويقول بتواضع، انه يردد النكات، ولا يؤلفها، كما يشاع عنه.

ويرفض البدوي، وهو رجل سمين قصير القامة، إخبار القراء عن وزنه، باعتبار ذلك جزءا من أمنه "القومي" كما يقول ضاحكا.

ويطلق أصدقاء البدوي ومحبوه، عليه صفة "حكواتي الحارات"، ويحب، أصحاب المحال، وربات البيوت، والأطفال الذين يسكنون الأحياء التي ينظفها يوميا، الاستماع إليه، والاستنارة بآرائه السياسية، كما يؤكد التاجر محمد الفاغوري، الذي يقول إن شاهرا: "يستطيع أن يناقش ويحاجج اكبر رأس في البلد".

ويحرص أصدقاء البدوي، من الأدباء، على سماع، رأيه في إنتاجهم. وربطت البدوي، علاقة صداقة حميمة مع المؤرخ الراحل حنا جقمان (أبو عبد الله)، الذي كتب عدة كتب عن تاريخ بيت لحم، ويطلق عليه البدوي (أبو عبده).

ومدّ البدوي، صديقه الراحل ببعض المعلومات، ورافقه كثيرا في أحياء بيت لحم القديمة، التي يعرفها البدوي جيدا.

ويستذكر البدوي، الراحل جقمان: "خُضت مع أبي عبده، نقاشات دينية، واجتماعية، وسياسية، وربطتنا علاقة وثيقة، رغم فارق السن الكبير بيننا، كنا في حالة نقاش مستمر، واشهد أن المؤرخ الراحل، كان يدفع من دخله القليل، لكي ينشر كتبه وأبحاثه، في مجتمع لا يُقدر".

ولا تقتصر علاقة البدوي بالتاريخ، على صداقته القديمة مع جقمان، ولكنها علاقة صراع لا يهدأ، مع كثير من المؤرخين الذين لم يعرفهم البدوي إلا على الورق، ولكنه يتحدث عنهم وكأنهم أصدقاؤه مثل فيليب حتي، الذي يوجه له البدوي دائما، وبمناسبة وبدون مناسبة سهام نقده.

 ويزج به في كثير من النقاشات، قائلا إن "الحق على فيليب" الذي يعتبره احد الذين شوهوا التاريخ الإسلامي.

عن ذلك يقول البدوي: "لم يعجبني أسلوب فيليب في طرح مواضيعه، أنا أؤمن بان الصحابة بشر، ومن حق فيلب أن يتحدث في الخلافات التي عصفت بالمسلمين، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، ولكنه كان متجردا بشكل كبير وهو يتحدث عنهم، في النهاية، شئنا أم أبينا، فان الصحابة جزء من موروثنا المقدس".

يعتبر البدوي، قارئا نهما، وآخر ما قرأه ديوان شعر لصديق له اسمه جمال صومان، وديوان (لغة اللغات) للشاعر أمان الله عايش، الذي تربطه بالبدوي "علاقة محبة أخوية". ومعظم الكتب المحلية، يحصل عليها البدوي، كإهداء من مؤلفيها.

وخلف الشخصية المحبوبة، صاحبة النكتة الحاضرة، تسكن البدوي مشاكل حياتية عديدة، أدت إلى حرمانه من إكمال تحصيله العلمي في سن مبكر.

ويروي لـ (ألف): "كنت في الرابعة عشرة من عمري، عام 1977، عندما توفيت والدتي، ولم يتمكن والدي من إدارة أسرة عددها عشرة أفراد لوحده، وتدبير تكاليفها، فتم إخراجي من المدرسة، لألتحق بالعمل في البلدية، وما زلت على رأس عملي".

ويضيف: "الأحلام الشخصية أُجهضت مبكرا، لا اعرف ماذا كانت أحلامي وأنا في الصف الثاني الإعدادي، ولم يكن واضحا أمامي، ماذا سأكون في المستقبل؟ وأسرتي لم تكن مهتمة لمثل هذه الأمور، فانا مجرد واحد يذهب إلى المدرسة ويعود منها، وعندما احتاجته الأسرة أخرجته منها، ليعمل".

ويشعر بأسف، لان أبناءه، أيضا لم يتعلموا، ويقول إنهم تأثروا بأسلوب حياته، رغم حرصه على أن يتعلموا.

يحمل شاهر البدوي، عدة العمل، وينظف شوارع بيت لحم، وتبرز من جيب بنطاله الخلفي، دائما نسخة من الصحيفة اليومية، وقد طبقها على بعضها بشكل طولي، ويمضي في الأحياء والشوارع، كما فعل طوال 34 عاما، يلاطف الناس، ويحل مشاكلهم، ويجيب عن أسئلتهم، وعندما يضع رأسه، أخيرا على الوسادة، فانه ينام، وهو حزينا.

http://radioalif.com/atemplate.php?id=2947