أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 27 مارس 2020

الهراطقة قادمون..!



لا يصدق أبناء الأرض، بأنَّ أُمهم، كعادة جميع الأمهات، يمكن أن تغضب، وتعبّر عن ذلك بشكلٍ دوري، في محاولة لتصحيح خلل، أو إعادة توازن، أو إرسال رسائل لأبنائها، أو لمجرد الغضب فقط.
ولكنَّ الأبناء غالبًا، لا يأبهون برسائل الأمهات، وإن فعلوا، فيكون ذلك بعد فوات الأوان، فيجنحون لتقديم تفسيرات دينية، أو خرافية، أو أيدلوجية، أو سياسية، أو علمية، أو يلجأون إلى نظرية المؤامرة.
أتذكر تلك المرأة التي أعرفها مسبقًا، عندما التقيتها في مستشفى بيت جالا الحكومي، وأكدت لي، وكانت أخبار الكورونا محصورة في الصين، بأنَّ الفيروس لا يصيب المسلمين. ما فاجأني هو منسوب اليقين المرتفع الذي تحدثت به.
كثيرون في زمن الوباء، يجدون أنفسهم، مدفوعين بغريزة رسولية، إلى إرسال الروابط والفيديوهات والرسائل عبر المسنجر، الذي أنا لست على وفاق معه، ولا أجيد استخدامه، فاختصر وأبتسر.
مما يصلني، ومما أقرأه، أجد أن مِن أبناء الأرض مَن يحاول تفسير الأمر علميًا، فيعزوه إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض مثلاً، أو أيديولوجيا، فإحدى الشيوعيات تعتقد بأن الرأسمالية اتفقت على حظر التجوال في العالم، لأسبابٍ امبريالية  تتفق مع أهداف الرأسمالية المتوحشة التي أنا لا أفهمها جيدًا، وهناك من يعتقد بأنَّ الرأسمالية المتوحشة تريد الانتقام من الرأسمالية الشيوعية الصينية، وهناك، أيضًا، من يؤكد بأن الصين هي صاحبة السبق الانتقامي.
أعرف ممانعًا يؤكد بأنَّ إيران هي المستهدفة، والدليل ببساطة أن الفيروس الذي ضربها أقوى أربع مرات من الفيروس العادي، ويغير من طبيعته كل أربع ساعات، مختبرًا ثورية الجمهورية الإسلامية.
وهناك من يشعوذ، دون أن تنقصه ملكة التخيّل والتأليف، فيستند إلى كتاب اسمه عظائم الدهور، على الأغلب غير موجود، ولمؤلف اسمه أبو علي الديبيزي، وعلى الأغلب لم يدب على أمنا الأرض يومًا، تنبأ بالكورونا، وكتب قبل قرون بحس رؤيوي يحسد عليه:
عندما تحين العشرون قرون وقرون
.....وقرون يجتاح الدنيا كورون
يواجه أبناء الأرض، الكورونا بطرقهم، ومنها الصلوات والأدعية، ويبدو رجال الدين، وهم يواجهون رعاياهم، في حالة من الصلوات الفكهة، وهم يخاطبون التجمعات، معتقدين بأن الكورونا قد تصيب غيرهم فقط.
الشيخ من قرية شقبا، الذي تعهد، متحمسًا وغاضبًا، بفتح 300 مسجدًا، بدلاً من المساجد الثلاثة التي أغلقت، لم يخطر بباله، بأن الفيروس لا يبعد عنه إلّا خطوات، وهو يطرق باب القرية، متوطنا فيها.
الرهبان الأقباط فوق كنيسة القيامة، يعيشون، كما يبدو، في القرون الأولى للمسيحية، رفعوا دعوتهم إلى السماء، ليحمي الكنيسة التي أغلقت أبوابها، متضرعين: "نجنا من الغلاء والوباء والزلازل والغرق والحريق، وسبي البربر ومن سيف الغريب ومن قيام الهراطقة... آمين".
ربما يعنون بالبربر والغريب، العرب القدامى، أمّا بالنسبة للهراطقة، فعليهم الخوف من عودتهم فعلاً. لولا الهراطقة العظام، وغير العظام لما تطور الفكر الإنساني.
ما يظهر من مواجهة أبناء الأرض، لغضب أمهم، أننا بحاجة للهراطقة أكثر من أي وقت. لقد مضوا دون إكمال مهمتهم.
أهلاً بالهراطقة..!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق