أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 19 مارس 2020

كورنة جسد الفلسطينيّ...!



احتاجت دولة الاحتلال، إلى أداة جديدة، لإحكام سيطرتها على الجسد الفلسطينيّ في زمن الكورونا، فلم يكن فرض طوق أمني على أجساد البيتلحميين، كافيًا، وتنافسيًا مع إجراءات السلطة الفلسطينية، التي سبقتها بإعلان حالة الطوارئ، ودحرجة الخطوات.
فجر اليوم، تعمدت قوات الاحتلال، التي اعتاد الفلسطينيّ، على احتكارها لفرض التجول عليه، ومصادرة حيزه الفيزيائي، ونخر حيزه الذهني، إلى تحطيم حظر التجوال، الذي أقره رئيس الحكومة الفلسطينية على بيت لحم، دون أن يسميه بذلك، نظرًا للحساسية الاجتماعية.
بعد ساعات، من قبول البيتلحميين الطوعي، لفرض السلطة، لأسبابٍ وقائية، حظر التجوال عليهم، وعزلهم بالحواجز، والمكعبات الإسمنتية، والأمطار السماوية، تصل جرافات الاحتلال لتزيلها، وتقتحم مخيم الدهيشة، وتعتقل ثلاثة شبان وتمارس ما اعتدنا عليه من تحطيم أبواب، وتفتيش، وترويع، ولكن هذه المرة، استلزمت إضافة احتلالية، تناسب الزمني الكوروني.
رمت للمعتقلين زي وقائي لارتدائه، وكمامات، فجسد الفلسطيني موبوء، في حين أن الجنود، التي تسجل في دولتهم 100 إصابة جديدة بالفيروس يوميًا، لم يتخلوا عن زي الجيش الذي لا يقهر، ولم يرتدوا الزي الذي يمكن أن يساويهم مع ضحاياهم. ويمكن أن يتجسد جسد الفلسطيني، ليس بكونه يردي زي الفيروس المخيف، وإنا أيضًا بالفيروس نفسه، ما يجعل أصابع الجنود، ترتخي أكثر على الزناد، ويصبح الجسد الفلسطيني، هدفًا للقتل الفوري، وكأنّ بقتله، يقتل الفيروس. لذا يجب أن يتميز المحتل عن الذي يحتل، بالزي، وبغيره.
كلاسيكيات الاستعمار مستمرة لدى ما يوصف بأنه آخر احتلال على الكوكب الموبوء.
في ساعات النهار، تظهر جهة أخرى، القوى الوطنية في المخيم، تمارس أيضًا قدرتها على فرض حضورها، في الحيز المحاصر بالكورونا، والاحتلال، فتنظم مجموعة مناضلين يرتدون الزي الكاكي، الذي يحيل إلى سلطة عسكرية، والحطات؛ سمراء وحمراء، للدلالة على التنوع التنظيمي داخل المجموعة؛ فتح وجبهة شعبية على الأغلب، لتغلق المحلات التي لم تلتزم بحظر التجول الوطنيّ الرسميّ.
هل تحتاج الكورونا إلى مظاهر ميليشوية من ملثمين؟
تقبل الجهات الرسمية، بهذا الحضور التنظيمي، حتّى في ظلّ حالة الطوارئ، وصراع السيطرة على أَحْياز المثقلين بتاريخ طويل من الحفر على أجسادهم.
في حارتي، سأفتقد صديقي مصطفى. أفرج عنه قبل اقل من شهر. التقيته في اليوم التالي، قال لي بأنه عاد إلى الجامعة وأبرز لي أوراقا تفيد بذلك. قلت له عليك أن تعدني بأن هذه ستكون أخر مرة تعتقل فيها. عليك أن تنهي الجامعة على الأقل.
ولم أكن أدري بأنه كان علي أن اطلب وعدًا من جهة قاهرة، لا تطلب منها الوعود.
يئن جسد الفلسطيني وحيزه الذهني، من تعدد السلطات التي استحوذت عليه، وأممته. ولا أمل ولا كُوَّات ولا أنفاق أصلاً.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق