أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 13 مارس 2020

في مواجهة عدو غير مرئي..!



*مقاربات أولى في زمن الوباء..!
أكثر ما أثارني في رواية الطاعون، لألبير كامو، وصفه لمدينة وهران، مسرح الرواية، ولناسها.
قد يكون كامو، أراد بوصفه للمجتمع الاستعماري في وهران، في أربعينات القرن الماضي، أن يرمز، كما فسر كثيرون الرواية، ولكن ما همني هو السؤال حول تنميط مجتمع معين بصفات محددة.
سمعت من أصدقاء كثر، من خارج بيت لحم، عن صفات وجدوها في ناس المدينة، ولكنني لم أجرؤ، على التفكير بوجود صفات نمطية يمكن وضع مجتمع في قالبها. فقاومت غواية تقديم أوصاف لأهالي مدينتي. ولكن وجودي في المدينة الآن، كأوّل مدينة عربية معزولة بكورونا، وبالحصار الاحتلالي أيضًا، يجعلني أتأمل..!
عشت أنواعا مختلفة من الحصار في بيت لحم، منذ ثمانينات القرن الماضي على الأقل، كحظر التجوال الطويل، وحظر التجوال الليلي، والاغلاقات. واخرها ما جرى في انتفاضة الأقصى وحصار كنيسة المهد، والآن حصار كورونا.
رغم أنّه لم يمض على الحصار سوى تسعة أيّام، إلّا أنه يمكن تسجيل ملاحظات سريعة، مقارنة بتعامل المجتمع المحلي والسلطات النافذة، مع الأزمة، وأزمات انتفاضة الأقصى.
في انتفاضة الأقصى كانت الخسائر فادحة، ومرعبة، حتى أن الموت أصبح عاديا. وفي بيت لحم سُجلت أول عملية اغتيال، وتهجير للأهالي في بيت جالا بؤرة الأزمة الحالية، ولكن تعامل الجهة المسيطرة آنذاك، وهي الفصائل المسلحة، لم يتحل دائمًا بالمسؤولية، فسادت الفوضى، وارتكبت الحماقات، بل وأكثر من ذلك. ربما عدم التعامل بمسؤولية، هو استمرار لنفس أسلوب الحركة الوطنية الفلسطينية من الحاج أمين، إلى منظمة التحرير وفصائل المقاومة المختلفة، رغم أن العدو معروفا وواضحا.
في أزمة كورونا، يُلاحظ مسؤولية أعلى في التعامل مع الحدث، قد يكون أحد أسبابه، وجود سلطة أكثر بيروقراطية ومركزية وكلمة الرئيس هي النافذة، من سلطة الفصائل، وربما أن العدو الذي تجري مجابهته غير مرئي، يعزز هذا النوع من المسؤولية.
لا خسائر في الأرواح حتى الآن، وتعامل المجتمع المحلي مع الأزمة، هو في نطاق المتوقع، من المزاح، إلى الصدمة، إلى الالتزام.
وربما ساعد غياب الأحزاب والفصائل المختلفة، لصالح الحزب الحاكم، في تعامل أوفق مع الازمة، فلا وجود لأمور يمكن الاختلاف عليها بين الفصائل التي تختلف على كل شيء، وتفتقر الفصائل المعارضة، لأية مبادرات، إمّا بسبب أنها لم تتقن غير الكلام، أو لأنها عاجزة، وغير قادرة على الإقدام على أية مبادرات.
في ظل بطالة الفصائل، يتسلى بعض أعضائها، خصوصًا من الفصائل اليسارية، بغباء لا يحسدون عليه، في طرح الأسئلة والإجابة عنها، حول مسؤولية الامبريالية الأميركية عن الفيروس، منتصرين للصين الشيوعية، وإيران الثورة.
لا يخلو الأمر من مظاهر تتعلق بالتقاليد الكلاسيكية لدى السلطات العربية، فوسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية، مثلاً، وكذلك شبه الرسمية، وتلك التي تدور في فلكها، لديها الاستعداد دائمًا للتأكيد على دورها، كبوق للسلطة القائمة، رغم أنها غير مضطرة أبدًا لذلك. بل إن ذلك في غير صالح المواجهة مع عدوٍ غير مرئي، ولم يكشف عن أنيابه بعد، ولديه الكثير مما يخفيه، وسيظهر في الأيّام المقبلة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق