أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 18 أبريل 2018

صدمة يوسّا في الخليل..!




























في أواخر عام 2015م، اختفى الروائي العالمي حائز نوبل ماريو فارغاس يوسّا، مع عشيقته (التي ارتبطت طوال تاريخها المديد بقصص حب مع رموز فنية وسياسية)، عن عدسات الكاميرات، ولكنه عاد ليظهر في بداية عام 2016م في أخر موقع يمكن أن يخطر على بال صحافيّ الإثارة الذين كانوا يطاردونه، وهو مدينة الخليل، بدعوة من منظمة كسر الصمت الإسرائيلية التي تضم جنودًا إسرائيليين، خدموا في الضفة الغربية، وخبروا ممارسات الاحتلال الوحشية.
يحب يوسّا إسرائيل، ولكنه يكره احتلالها لما تبقى من فلسطين في حزيران 1967م، ويتخذ مواقف قريبة من اليسار الإسرائيلي، مثل صديقيه الكاتبين الإسرائيليين عاموس عوز، وديفيد غروسمان.

جاء يوسّا إلى الخليل، ليكتشف، عبر الجولة التي نظمتها المنظمة الإسرائيلية بالتعاون مع مجموعة شباب ضد الاستيطان الفلسطينية، في تل الرميدة، والخليل القديمة، وخِرب يطا، جرائم الاحتلال البشعة.
تحقيق في جرائم الاحتلال
يوسّا ليس صديقًا للشعب الفلسطيني، ولم يزعم ذلك، ولكن الملفت هو حرصه لأن يكون بمثابة لجنة تحقيق في جرائم الاحتلال، يجلس مع الضحايا، ويستمع، ويناوش الجنود على الحواجز، ويسجل هذا الثمانيني حائز نوبل، ملاحظات، وكأنه يجمع مادة أولية لرواية، ولكنه سيكتب لاحقا عدة مقالات في صحيفة البايس الاسبانية، ومقالاً في كتاب (مملكة الزيتون والرماد) الذي يضم ما كتبه زملاء وزميلات يوسّا في رحلتهم إلى الضفة الغربية.
الوصول إلى تل الرميدة في الخليل، حيث مقر عيسى عمرو، أحد الذين ساهموا في تنظيم جولة يوسّا وغيره من كتّاب، مهمة صعبة. أُفضل دائما الذهاب إلى هذا الموقع الذي بنيت عليه خليل العصر البرونزي، عن طريق المقبرة الإسلامية، ملتفا عن الحواجز الاحتلالية الصعبة.
عندما انتهيت من السير بعناية بين القبور، حفاظا على قدسية المكان وحتى لا أقلق نوم ساكنيه الأبدي، كان عليّ تسلق بعض السلاسل الحجرية، والمرور من أمام منازل مواطنين، بدون استئذان منهم، حتى أصل منزل عمرو، الذي تمكن من الحفاظ عليه، بمعارك قانونية، وصمود في وجه المستوطنين وجنود الاحتلال.
جلست مع عمرو وعدد من مؤيديه في باحة المنزل، الذي بدا وكأنه موجود في عالم خيالي، في الخليل وليس في الخليل، لا يمكن معرفة القوانين التي تنطبق عليه.
ارتفع العلم الفلسطيني خفاقا على المنزل، وعلى جدرانه انتشرت ملصقات لمجموعة (شباب ضد الاستيطان) التي يقودها عمرو، تدعو لفتح شارع الشهداء، بالإضافة إلى رسومات غرافيتي لفنانين أجانب زاروا المكان.
فكرة..فكتاب..!
تحدث عمرو عن الساعات الأربع أو الخمس التي قضاها يوسّا في الخليل: "بدأت الفكرة في عام 2016م، بمناسبة مرور خمسين عاما على الاحتلال في السنة اللاحقة، بدعوة كتّاب من مختلف أنحاء العالم، ليزوروا فلسطين، ويطلعوا على ما يجري فيها خصوصا في الخليل، التي تعاني من سياسات فصل عنصري لا مثيل لها، استعدت الكاتبة الأميركية أييلت ولدمان، والتي كانت متعاطفة مع إسرائيل، لإرسال الدعوات والتنسيق مع الكتاب الذين يرغبون بالمجيء إلى هنا، ولم تطلب منهم في البداية أن يكتبوا، ولكنهم بعد ما شاهدوا الواقع على حقيقته كتبوا شهادات عن ممارسات الاحتلال، وحتى أييلت غيرت مواقفها، وحررت لاحقًا مع زوجها مايكل شايبون كتاب: مملكة الزيتون والرماد، الذي خصص ريعه لدعم منظمة كسر الصمت وشباب ضد الاستيطان".
يقول عمرو: "ننظم جولات لمن يأتي إلى الخليل ليرى ماذا يحدث فيها، وليشاهد سياسات التمييز العنصري، ووحشية الاحتلال، والحواجز والصعوبات، ونرتب للقاءات مع الناس الذين يعانون".
صدمة يوسّا
رافق عمرو، يوسّا في جولته في مدينة الخليل، والتي صدمت الروائي العالمي، وقال بأنه لم ير مثل ما يحدث في الخليل، حتى في ظل نظام الابرتهايد في جنوب أفريقا.
يقول عمرو: "جولة يوسّا في الخليل استمرت ما بين أربع إلى خمس ساعات، كل ما رآه اثر به، وتعرض للاعتداء والشتم من قبل المستوطنين، واتينا إلى المنزل في تل الرميدة، حتى يرتاح ويأكل، ونرطب الأجواء".
ويضيف عمرو: "استنتجت بان يوسّا لم يكن يعرف الكثير عن الوضع الفلسطيني، كما هو حال معظم الكتاب والصحافيين في العالم، ولكنه عندما جاء إلى هنا رأى ما يجعله تغيير آرائه".
تأثر يوسّا بحقيقة انه في أماكن في الخليل يستطيع هو كأجنبي السير فيها، ولكنها ممنوعة على مرافقه عمرو لأنه فلسطيني.
ولاحظ عمرو بان ضيفه البيروفي ذكي جدا: "فقد لاحظ عدة مواضيع خلال جولتنا، مثل سرقة مياهنا، والقوانين العسكرية، ورأى كيف أن المستوطنين يعيشون برفاهية على حساب الفلسطينيين، كان سريع الفهم، ولم أكن بحاجة لان اشرح له الكثير، كان يقول هذا غير معقول، وحكى الكثير عن الأوضاع في أميركا اللاتينية، وسياسة الفصل العنصري وكيف أن المافيا هناك مثل المستوطنين هنا ووصف المنطقة هنا بأنها خارجة عن أي قانون حتى لو كن الإسرائيلي".
طلب يوسّا، حضور مباراة كرة قدم كان يلعب فيها فريق اسبانيا، كنوع من تغيير الجو، كما يقول عمرو، وفرح الجميع بفوز اسبانيا.
يقول عمرو: "كان يوسّا فرح جدا، بفوز اسبانيا، أيقنت ونحن نشاهد المباراة كم بدا بسيطا وشعبيا، لم يشعرني أبدا بأنه شخص مهم أو انه حامل جائزة نوبل، كنت أراه مهما، وكان يتعامل معي ببساطة مدهشة غير مفتعلة أبدا".
ويضيف: "ما لفت انتباهي في يوسّا، تواضعه، وتعلمت انه مهما علت شهرة شخص، فعليه أن يظل متواضعا مع الآخرين، وان عليه أن يسافر ويرى ويتعلم".
تناول يوسّا طعاما خضريا، وهو عبارة عن المجدرة الفلسطينية، وأبدى تقديره للمقاومة الشعبية ونجاح عمرو ورفاقه في حماية منزلهم في تل الرميدة، وعبر عن أمنيته لو كان جميع أبناء الشعب الفلسطيني يفعلون ذلك.
آخرون
لاحظ عمرو، بان يوسّا، لم يتحدث عن وضعه الشخصي، وربما ما شاهده اثر كثيرا عليه، وقد يؤدي إلى كتابة عمل روائي.
يقول عمرو: "عادة ما يصاب ضيوفنا الذين يأتون ليروا كيف نعيش بالصدمة، ولكننا نحتاج دائما من يتابع معهم لاحقا، نحن نشطاء إمكانياتنا محدودة، والمطلوب هو وجود لجنة أو جهاز ذكي ليتابع مع مؤيدينا في أنحاء العالم".
ويضيف عمرو: "هناك إمكانيات فلسطينية واعدة جدًا في الخارج من أبناء الجيل الثالث للشتات الفلسطيني، مثلاً التقيت مع مساعد المخرج العالمي مايكل مور، فكان فلسطينيا، لدينا قدرات فلسطينية مدفونة وغير مستغلة، ولو تم تفعليها لاستفدنا كثيرا على الساحة العالمية".
وقدم يوسّا نصيحة لمضيفيه يعتبرها عمرو مهمة جدا، وهي ضرورة الاهتمام بالثقافة والأدب، وضرورة إفهام العالم ما يحدث هنا، لان معظم العالم لم يفهموا ولا يعرفون حقيقة الاحتلال، كما قال يوسّا، وان الناس في العالم يعتقدون بوجود  مشكلة بين دولتين، ووجود عنف ضد دولة هي إسرائيل تدافع عن نفسها.
وقال يوسّا لعمرو: "عليكم أن تشتغلوا جيدا على الجانب الثقافي، والفني أيضا، وأنصحكم بالتوجه،ل للمثلين والمشهورين في العالم كالرياضيين والمطربين والفنانين والكتّاب".
ولاحظ عمرو، بأنه ليس لدى ضيفه معرفة في الثقافة الفلسطينية، وحاول كما يقول أن يقدم لها معلومات بهذا الشأن.
وقال يوسّا بأنه لبى الدعوة بالمجيء إلى الخليل، يعرف واقع الناس تحت الاحتلال، ويصف عمرو بأنه: "شخص صاحب ضمير، وغير استهلاكي، وسوف ندعوه مجددا، وندعوا غيره، خطتنا الآن التركيز على المشاهير ليأتوا إلى هنا ويعيشون الصدمة التي تعرض لها يوسّا".
قال يوسّا بأنه لم يتخيل بان الفلسطينيين يعيشون في مثل هذه الظروف، وكتب صاحب الصوت المسموع عن ذلك، لقد أصبح شاهدا على آخر احتلال على وجه المعمورة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق