أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 22 مارس 2015

شاهد على صباحات بيت لحم منذ 38 عامًا



من الصعب رؤية شاهر البدوي (52 عاما) عامل النظافة المخضرم لدى بلدية بيت لحم، دون وجود صحيفة مطوية في جيب بنطاله الخلفي، إلى درجة أن معارف البدوي يربطون دائما بينه وبين الصحيفة التي يحرص على قراءتها يوميا.

يعمل البدوي، كل يوم، من الساعة 6 صباحا إلى الساعة 12 ظهرا، بهدوء ودأب ونشاط، والصحيفة برفقته، التي يقرأها بين الاستراحات خلال العمل، ويكملها بعد انتهاء دوامه.

يعتبر البدوي، واحدا من العمال المثقفين، والمطلعين، يحب كثير من الناس الاستماع لآرائه في الشؤون المحلية والعربية والدولية، بالإضافة إلى اطلاعه الواسع، فان البدوي، يتميز بخفة ظل لافتة.

ويتمتع البدوي، الذي أمضى 38 عاما، في عمله، بروح النكتة. ويقول بتواضع: انه يردد النكات، ولا يؤلفها، كما يشاع عنه.

ويرفض البدوي، وهو رجل سمين، اخبار القراء عن وزنه، باعتبار ذلك جزءا من أمنه "القومي" كما يقول ضاحكا.

ويطلق أصدقاء البدوي ومحبوه، عليه صفة "حكواتي الحارات"، ويحب أصحاب المحال، وربات البيوت، والأطفال الذين يسكنون الأحياء التي ينظفها يوميا، الاستماع إليه، والاستنارة بآرائه السياسية، كما يحرص أصدقاء البدوي، من الأدباء، على سماع، رأيه في انتاجهم.

مع المؤرخين

وربطت البدوي، علاقة صداقة حميمة مع المؤرخ الراحل حنا جقمان (أبو عبد الله)، الذي كتب عدة كتب عن تاريخ بيت لحم، ويطلق عليه البدوي (أبو عبده).

ومدّ البدوي، صديقه الراحل ببعض المعلومات، ورافقه كثيرا في أحياء بيت لحم القديمة، التي يعرفها البدوي جيدا.

ويستذكر البدوي، الراحل جقمان: "خُضت مع أبي عبده، نقاشات دينية، واجتماعية، وسياسية، وربطتنا علاقة وثيقة، رغم فارق السن الكبير بيننا، كنا في حالة نقاش مستمر، وأشهد أن المؤرخ الراحل، كان يدفع من دخله القليل، كي ينشر كتبه وأبحاثه، في مجتمع لا يُقدر".

ولا تقتصر علاقة البدوي بالتاريخ، على صداقته القديمة مع جقمان، لكنها علاقة صراع لا يهدأ، مع كثير من المؤرخين الذين لم يعرفهم البدوي إلا على الورق، لكنه يتحدث عنهم وكأنهم أصدقاؤه مثل فيليب حتي، الذي يوجه له البدوي دائما، وبمناسبة ومن دون مناسبة سهام نقده.

عن ذلك يقول البدوي: "لم يعجبني أسلوب فيليب في طرح مواضيعه، أنا أؤمن بان الصحابة بشر، ومن حق فيليب أن يتحدث في الخلافات التي عصفت بالمسلمين، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، لكنه كان متجردا بشكل كبير وهو يتحدث عنهم، في النهاية، شئنا أم أبينا، فان الصحابة جزء من موروثنا المقدس".

عمل مبكر

 ينحدر البدوي من بلدة بيت عوا في جبل الخليل، التي يسكن الكثير من أبنائها في بيت لحم، ويشكلون ما يشبه الظاهرة، نتيجة جدهم وكدهم في العمل، ودرس في مدرسة ذكور الدهيشة الاعدادية حتى الصف الثاني الاعدادي.

يتذكر البدوي: "عمل والدي في بلدية بيت لحم منذ عام 1963، وكنت في الرابعة عشرة من عمري، عام 1977، عندما توفيت والدتي، ولم يتمكن والدي من إدارة أسرة عددها عشرة أفراد وحده، وتدبير تكاليفها، فتم اخراجي من المدرسة، لألتحق بالعمل في البلدية، وما زلت على رأس عملي".

ويضيف: "الأحلام الشخصية أجهضت مبكرا، لا اعرف ماذا كانت أحلامي وأنا في الصف الثاني الإعدادي، ولم يكن واضحا أمامي، ماذا سأكون في المستقبل؟ وأسرتي لم تكن مهتمة لمثل هذه الأمور، فانا مجرد واحد يذهب إلى المدرسة ويعود منها، وعندما احتاجته الأسرة أخرجته منها، ليعمل".

لا يستطيع البدوي تذكر أول أجر تقاضاه، لكنه يقول: "إن لم تخني الذاكرة فان أول راتب كان 45 ليرة اسرائيلية، لا أعرف كم تساوي قيمتها الشرائية الآن".

تزوج البدوي عام 1981، ولديه الآن ثمانية من الأولاد والبنات، ويشعر بأسف، لأن أبناءه، لم يتعلموا، ويقول: إنهم تأثروا بأسلوب حياته، رغم حرصه على أن يتعلموا.

مشاكل ومطالب..!

خلف الشخصية المحبوبة، صاحبة النكتة الحاضرة، تسكن البدوي مشاكل حياتية عديدة، ومطالب من الناس.

يقول البدوي: "أعمل في نفس الحارة منذ عام 1977، ومن كان عمره أو عمرها عندما جئت إلى الحارة خمس سنوات، أصبح عمر الواحد أو الواحدة فوق الأربعين، تربطني علاقة أخوية أو شبه أخوية مع سكان الحارة".

ويضيف: "خدمت في لجنة العاملين في البلدية، منذ عام 1988-2007، كان وما يزال لدينا مطالب نقابية، خلال السنوات العشر الأخيرة لم تطرأ أي زيادة على الراتب، واجهنا خلال المدة الطويلة في العمل، صعوبات عديدة، لكن بشكل عام لا توجد ديون للعمال على البلدية، ومعظم الاضرابات التي خضناها كانت من أجل مطالب نقابية".

مع الناس وللناس..!

مفارقات كثيرة واجهها البدوي خلال عمله، بعضها لا يحب الحديث عنها، ويتذكر مثلا انه عثر في إحدى المرات على مبلغ ليس كبيرا (800) شيقل، واعاده لأصحابه.

البدوي يبدأ عمله عندما تبدأ بيت لحم بتنفس يوم جديد، لذا فهو شاهد على بدايات أيام بيت لحم، ويختزن كل ذلك في ذاكرته.

للبدوي عتب على الناس: "للأسف الكثير من ناسنا، يعتقدون ان الشارع عبارة عن حاوية نفايات كبيرة، أكبر من حاوية المنزل، أو حاوية البلدية، فيرمون النفايات في الشارع، أطلب من الناس، رغم انني أعلم ان مطلبي لن يستجاب له، بعدم رمي النفايات في الشارع، ومن خلال التجربة، لن تنجح اية جهود لمؤسسات أو لأفراد لنشر الوعي البيئي وعدم رمي النفايات في الشوارع، إن لم يكن المجتمع نفسه يقرر بنفسه التوقف عن ذلك".

يحمل شاهر البدوي، عدة العمل، وينظف شوارع بيت لحم، وتبرز من جيب بنطاله الخلفي، دائما نسخة من الصحيفة اليومية، وقد طبقها على بعضها بشكل طولي، ويمضي في الأحياء والشوارع، كما فعل طوال 38 عاما، يلاطف الناس، ويحل مشاكلهم، ويجيب عن أسئلتهم، وعندما يضع رأسه، أخيرا على الوسادة، فانه ينام، مع مشاكله وهمومه الكثيرة التي لا يجد من يهتم بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق