في
العقد الأوّل من القرن الثامن عشر، حمل الشيخ محمد الخليلي، مفتي القدس الشافعي،
شتلة لشجرة صنوبر، من مدينة الخليل التي ينحدر منها، إلى القدس، ليزرعها أمام
مصيفه الذي بناه خارج أسوار بلدة القدس القديمة، وتقول الحكاية، ربما لإضفاء أسطره
عليها، بان الخليلي، وهو شخصية مهمة في تاريخ القدس في تلك الحقبة، حمل الشتلة في
عمامته. وتولاها بالرعاية، فكان يتوضأ تحتها.
في
عام 1711 بنى الخليل قصره الصيفي في الكرم الذي يحمل اسمه (كرم الشيخ) قبالة باب
الساهرة، وسيعرف، حتى الان، بقصر الشيخ، وهو مكون من طابقين، في الاسفل معصرة
زيتون، وفي الاعلى قصر الشيخ.
لا
نعلم اذا كان الشيخ، يشعر بالخطوة "الثورية" التي خطاها ببناء قصره في
هذا المكان الذي ظل يحتفظ بطابعه الريفي، طوال قرون، بينما كانت القدس قابلة
بقدرها خلف الاسوار.
في
كرم الشيخ، عسكر قسم من الجيش الصليبي، بقيادة غودفري، ودخل إلى القدس يوم 15 تموز
1099، حيث ارتبكوا في المدينة، وفقا لمرويات صليبية، المجزرة المهولة. ولوّ صدقنا
ما كتبوه، لكانت أبشع المجازر على مدى العصور. واحتفالا بانتصارهم، نحت صليبيو
القدس، نَصّبا حجريا عليه الصليب كشعار. هذا النصب يمكن تبينه في بعض الخرائط
القديمة، وكان الصليبيون يحتفلون، بانتصارهم، في المكان في 15 تموز من كل عام. لم
يعثر على هذا النَصّب، الذي يُعتقد بان المسلمين حطموه سنة 1187م.
أعيان
القدس بنوا قصورهم الصيفية، على قمم التلال، ولم يكن هناك أكثر من كرم الشيخ، مكانا،
ليبني عليه الخليلي قصره، حيث بالإمكان الاطلال على المسجد الأقصى والبلدة
القديمة، وجبل الزيتون، والشيخ جراح، ووادي الجوز. بالطبع كانت المنطقة خالية من
البنايات، وليس كما هو الحال الان.
اسم
اخر أُطلق على قصر الشيخ، وهو قلعة الشيخ، بسبب طريقة البناء التي كانت تأخذ
بالاعتبار المسائل الأمنية. والتي تضمنت بناء سور مرتفع يحيط بالقصر والكرم.
حكاية
قصر الشيخ، طويلة، وذات أبعاد درامية، ومن تفاصيلها شجرة الصنوبر، التي اعجبت ولي
العهد البريطاني الذي لم يجد افضل منها عندما زار القدس عام 1862، ليعسكر تحتها.
هذا الامير هو مَن سيصبح لاحقا الملك ادوارد السابع.
كتبت
السيدة فن، زوجة القنصل البريطاني في تلك الفترة: "اقترح آنذاك، انه من
الافضل للأمير نصب خيامه قرب المدينة، واقترح الباشا بان تنصب الخيام تحت شجرة
الصنوبر الكبيرة، حيث نصب غودفري من بويوف خيامه زمن حصار الصليبيين للقدس، تم ذلك
ورفض الأمير جميع الاقتراحات بالإقامة داخل القدس".
وعلى
درب ولي العهد، والملك لاحقا، نصب في سنة 1865 الامير آرثر معسكره في المكان. لم
يبق القصر معزولا، وشجرة الصنوبر الكبيرة وحيدة. في نهاية القرن التاسع عشر، بنيت بالقرب
منه، المدرسة الرشيدية، وبعد عدة سنوات، شُيدت أولى بنايات ما سيعرف بحي الساهرة.
في
عام 1906سعت الحركة الصهيونية، من خلال الصندوق القومي اليهودي، للاستيلاء على المكان،
الذي يشرف بالنسبة لها على (جبل الهيكل)، وكان هدف الحركة الصهيونية، إقامة معهد (بتسالئيل)
للفنون، وحلم مؤسس هذا المعهد بوريس شاتس، بإقامته مع جامعة عبرية مكان كرم الشيخ،
لكن الحلم الصهيوني تأجل.
لاحقا،
بُني في كرم الشيخ ومساحته 32 دونما، بعد شرائه من ورثة الشيخ الخليلي، متحف
الاثار الفلسطيني (متحف روكفلر)، عام 1935، وافتتح للزوار عام 1938م، وتم الابقاء
على قصر الشيخ، وعلى شجرة الصنوبر الضخمة، التي شهدت على التغيرات التي عصفت
بالمكان، وبالأراضي المقدسة، وظلت تقاوم حتى عام 1988، عندما ماتت، فتقرر قطعها.
وعندما يمرّ البعض من كبار السن، قرب قصر الشيخ، يتذكرونها بألم وحسرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق