أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 8 سبتمبر 2013

أبواب القنوات المهددة..!!





بعد رحلة مشي مضنية، في الجبال، بدأت منذ الصباح الباكر، وصلت مجموعة من الشبان، إلى مدخل نفق هائل في جبال بيت لحم الجنوبية، يطلق عليها السكان المحليون (أبواب القني)، أي أبواب القنوات. وهو عبارة عن أعظم الأنفاق في قناة العروب التي نقلت المياه من عيون العروب، إلى الجنوب من بيت لحم، إلى برك سليمان، بطول نحو 47 كلم، مخترقة الجبال والوديان، بشكل يدل على عظمة بناتها في العصر الروماني. ومن الصعب تصور الجبال التي تبدو مقفرة الان، انها كانت تعج بالحياة خلال أعمال بناء القناة، وتردد صدى ضحكات العمال، والطباخين، وتذمر المهندسين، والمسؤولين عن الخدمات اللوجستية. انها صورة تبدو وسط الصمت والارض التي تبدو بكرا، كنوع من خيال لم يتحقق في يوم ما.

وتعتبر قناة العروب، جزءا من مشروع نقل المياه إلى القدس، الذي عُرف في الحقب الإسلامية باسم قناة السبيل، وبعد تجميع المياه في برك سليمان الثلاث الضخمة، يتم نقلها عبر قناة طولها أكثر من 22 كلم إلى القدس. مما يجعل قناة السبيل أطول القنوات في فلسطين وأهمها. واكثرها لفتا للانتباه، وقد خضعت لتغيير في مسارها أكثر من مرة، لإيصال شريان الحياة بشكل أيسر للمدينة المقدسة.

توقف العمل في قناة السبيل منذ زمن، ورغم ان مسار القناة وقنوات أخرى من البرك إلى القدس وبيت لحم ومواقع أخرى معروفة نسبيا، تظل مسارات قناة العروب، الأكثر غموضا بالنسبة للمواطنين، بسبب المسافة الطويلة التي تقطعها، للمحافظة على درجة انسياب يراعي الجاذبية، ولوعورة الطوبوغرافية التي تقطعها.

واستفاد مهندسو المشروع، من نسبة انحدار تقل عن 45 مترا، وهذا ما يفسر طولها، مقارنة، بالمسافة بين العروب وبرك سليمان، وكلاهما يقعان على شارع القدس-الخليل، بمسافة تقدر بنحو 12 كلم.

أدخل البريطانيون، بعد احتلالهم لفلسطين، تعديلا على النظام المائي المعمول منذ ألفي عام، وسحبوا مياه العروب بأنابيب حديدية، الى القدس الجديدة، وكان المحظوظون فقط من تمتعوا بهذه المياه الجارية، كما نستشف مما كتبه، المربي خليل السكاكيني، فرحا، عندما انتقل الى منزله الجديد، غرب المدينة المقدسة، وكان سعيدا لتمكنه من ممارسته طقوسه في الاستحمام بالمياه الباردة، وهذه المرة من مياه العروب.

وبسبب الطبيعة التي تمر بها القناة، التي فقدت اهميتها العملية، بعد مدّ أنابيب الحديد البريطانية، على طول شارع القدس-الخليل، حافظت على أقسام منها، ولكن أقساما أخرى دُمرت، أو في طريقها للتدمير، بفعل الجهل، والمنقبين غير الشرعيين كما لاحظ مخلص غرير أحد افراد المجموعة التي تتبعت جزءا من القناة، لأول مرة.

وقال غرير: "رغم فرحي لأنني اتعرف على هذا الجزء من القناة لأول مرة، لإلا انني أشعر بالاسى، لعدم وجود أي مشروع لحمايتها"

وفي حين عبر فادي سند عن دهشته لما يراه، بدى حزينا وهو يشير إلى مقطع منها تم حفره حديثا، من قبل المنقبين غير الشرعيين عن "الدفائن".

وقال الشاب نزار العيسة: "هذا تدمير مستمر لهذه القناة التي يفترض ان تشكل مفخرة لنا، أعدها من أهم المآثر العمرانية في فلسطين، انني ادعو وزارة السياحة والاثار إلى الاهتمام بهذه الاثار".

وقد تبدو دعوة العيسة، انها لا تأخذ بالحسبان واقع الاحتلال الذي يسيطر على المنطقة، فمعظم مسار قناة العروب، يمر في مناطق تصنف (ج) التي لا توجد سيطرة للسلطة الفلسطينية عليها.

ويظهر الإهمال، وقلة الحيلة، والتدمير في (أبواب القنوات)، وهو واحد من ثلاثة أنفاق، ضمن قناة العروب، تم حفرها، من قبل المهندسين، لاختصار مسافات في مسير القناة الطويل. وبالطبع هناك أنفاق أخرى عملاقة ضمن مشروع نقل المياه الى القدس. لكن ليس ضمن قناة العروب هذه.

ويبلغ طول هذا النفق المهيب، الذي يخترق إحدى التلال، نحو 165م، ويتجاوز ارتفاعه الثلاثة أمتار، وله عدة فتحات تهوية كبيرة، حُفرت بشكل متقن، ولا يسير بشكل مستقيم، خصوصا في بداياته.

وقال خالد بركات أحد افراد المجموعة المتحمسين للكشف عن الأنفاق: "انظروا ما زالت اثار الازاميل والادوات التي حفروا فيها النفق ظاهرة، اية مشاعر تغمرني وانا أتحسس جدران هذا العمل الضخم، وأسير على درب بُناته العظام؟".

ويعتبر النفق، الحد الفاصل بين أراضي عشائر التعامرة، والفواغرة، في ريف بيت لحم الجنوبي، وتظهر في بداياته، اثار أعمال تجريف نُفذت باليات ضخمة حديثة كالجرافات والبلدوزرات.  

ولا يتهدد هذا النفق، الذي يشكل لوحده، معلما اثريا مهما، أعمال التنقيب غير الشرعية، ولكن أطماع الاحتلال، ومستوطنيه، الذين صادروا الأرض التي يقع فيها النفق، تمهيدا لإقامة مشروع استيطاني ضخم، أعلنوا عنه قبل سنوات، ويقضي بإسكان نحو 20 الف مستوطن. وتم لهذه الغاية مصادرة 1800 دونما، وهو مشروع خطير يطوق مدن محافظة بيت لحم، وجنوب القدس، ويمهد لربط المستوطنات اليهودية في بيت لحم والخليل بمثيلاتها في صحراء البحر الميت.

وتمنع قوات الاحتلال، المواطنين مِن الوصول إلى المنطقة، وتفرض مخالفات على الفلاحين الذين يعملون في أراضيهم، وينظم المستوطنون احتفالات دورية في المنطقة، وسهرات تستمر حتى الصباح، وينصبون الخيام فيها خصوصا في الاعياد اليهودية.

يشعر أفراد المجموعة بحزن، وهم يغادرون النفق، لا يعرفون الطريقة التي يمكن فيها الحفاظ على هذه المعلم الاثري، ويقولون: "سنبدأ بحملة تعريفية به، وبهذه القناة العظيمة، في أوساط المجتمع المحلي، ليدرك عظمة الاثار التي يعيش قريبا منها، ولا يدري بها، وهذا أضعف الايمان. والخطوة الأولى لحماية اثارنا، ان نعرفها لكي نشعر بعظمتها، ونحميها".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق