أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 15 سبتمبر 2013

بركة البطرك..!


تختفي بركة البطرك، بين المنازل، التي تحيط بها وكأنها تريد ان تخفي معلما عظيما في بلدة القدس القديمة.

تقع هذه البركة، بين سويقة علون وحارة النصارى، وهي عبارة عن خزان مائي مكشوف، على شكل مستطيل، غير متماثل، وهي محاطة بالمنازل من جميع الجهات، ويُشكل خان الأقباط الذي بناه الأنبا ابراهيم عام 1839م، جهتها الشمالية. وتبدو إحاطة المنازل والمحال التجارية بالبركة، غريبا ومثيرا، ولوّ كانت البركة مليئة بالمياه مثلما هو الحال في السابق، لكان بإمكان الساكن إنزال وعاء من شباكه وتعبئته بالماء من البركة.

وضع البركة الان، لا يشي بمجدها السابق، فهي فارغة من المياه، تنتظر ما يمكن ان يفعله بها ناس هذا الزمن الذي تتداخل فيه الصراعات السياسية والدينية والمصالح الاقتصادية.

تحمل هذه البركة أسماء عدة، بالإضافة إلى بركة البطرك، مثل بركة حمام البطرك، وبركة حارة النصارى، وبركة باب الخليل (لقربها منه)، وبركة خان الأقباط، وبركة حزقيا (حزقياهو-حزقيال) ويبدو ان هذا الاسم كان متداولا بشكل أو بآخر، في قرون سابقة، فنجد مثلا مجير الدين الحنبلي يذكر في القرن الخامس عشر الميلادي: "كان في بيت المقدس ست برك عملها حزقيال أحد ملوك بني إسرائيل. منها ثلاث في المدينة: بركة بني إسرائيل، وبركة سليمان وبركة عياض وثلاثة خارج المدينة: بركة ماملا، وبركتا المرجيع. جُعل ذلك خزائن للماء لأهل بيت المقدس. قلت: أما بركة بني إسرائيل فهي موجودة مشهورة، وهي شمالي المسجد الاقصى، لصق سوره، بين باب الأسباط وباب حطة. ومنظرها مهول. وهي من العجائب. وأمّا بركة سليمان وبركة عياض، فلا أعرفهما، ولم اطلع على شيء يدل عليهما. ولكن بداخل القدس بركتان، احدهما بخط مرزبان، وهي لجمع المتحصل لحمام علاء الدين البصير، وهي بجواره. والثانية بحارة النصارى لجمع الماء المتحصل لحمام البترك. وقف الخانقاه الصلاحية. فيحتمل انهما البركتان المذكورتان. والله اعلم".

نسبة البركة إلى الملك حزقيال، الذي يفترض انه عاش في القرن الثامن الميلادي، لا يعتد به، ويعيدها جل الباحثين إلى العصر الروماني. لم تجر حفريات اثرية في البركة، حتى يؤرخ لزمن بنائها، ولكن تم الكشف عن قناة صرف المياه المتصلة بالبركة، ونسب تاريخها إلى أواخر العصر الروماني ( القرن الثاني للميلاد).

كان النظام المائي في البركة يعمل حتى قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، كما قال لمراسلنا سكان في خان الأقباط، وتُظهر صور للبركة في ثلاثينات القرن العشرين وجزء كبير منها مغطى بالماء.

لكن وضع البركة تغير، وأصبحت لا تخلو فقط من المياه، بل تحولت إلى مكب للنفايات، وهو ما جعل منها مكرهة صحية في بلدة القدس القديمة. في حزيران 2001، بدأت بلدية القدس الاسرائيلية وسلطة تطوير القدس، ووزارة حماية البيئة الإسرائيلية، بأعمال تنظيف للبركة، دون مشاركة الكنيسة القبطية والاوقاف الاسلامية والكنيسة الارثوذكسية وكلها تتشارك في ملكية البركة.

وما فعلته البلدية وشركاؤها، سبقه دعوات لمجموعة اسرائيلية على الأنترنت لتنظيف البركة، التي أصبح وجودها كمكرهة صحية، يشكل خطرا كبيرا. استمرت عمليات التنظيف المكثفة، عدة أشهر.

تشرف على البركة الان جامعة القدس، بالاتفاق مع الأوقاف الإسلامية والكنيسة القبطية، وتسعى الجامعة الى تأهيلها لفائدة المجتمع المحلي.

ترتبط البركة، بخان الأقباط بشكل كبير، وهو مكون من طابقين وخمس وسبعين غرفة، ويفتقد للنظافة، وفي حالة سيئة نسبة لأحياء مقدسية أخرى، ويحتاج الى ترميم عاجل، وحسب السكان فان بلدية القدس عرضت عليهم في عام 2012، ترميم الخان، ولكنهم رفضوا ذلك لأسباب وطنية، داعين جامعة القدس إلى الإسراع في تأهيل البركة، وترميم الخان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق