أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 31 أكتوبر 2025

قُدس المهمَّشين في رواية بنت من القدس الجديدة

يعيدك أسامة العيسة إلى محاولة قراءة تاريخ المكان من زوايا المهمَّشين وحالهم وأحوالهم بدون تكلّف، وبلا استبعاد للواقع مهما كان فجًّا أو منهكًا أومعتلًا، بل بانصهار تام مع حياة العاديين الذين نحن منهم، الأمر الذي يدفع فيك كقارئ الفضول إلى ما هو أبعد من رؤيته وروايته. إنه انتصار الراوي والروائي الذي يفتح أمامك فصلًا آخر يكسر جمود سرد التاريخ اليابس، حين يربت على كتف قارئه/قارئته، وكأنه يقول له: لا تأخذ التاريخ مسلَّمة من مسلَّمات الحقيقة الكاملة، بل افتح ذراعيك وعقلك لاستكشاف ما هو خلف الأشياء، وامتحن صبرك في النحت والبحث من أجل نجاة أسئلتك المشروعة، لعل مصادفة تأخذك إلى الحقيقة الغائبة أو المُغيَّبة أو المسكوت عنها لأي سبب كان في زمانها المتعثر بالغزاة والمحتلين الأغراب. ولأن زمان القدس مليء بالملوك والقادة والوجهاء والأعيان، فإن حكايات العاديين البسطاء هي التي تغيب عن كل حكايات الزمن البعيد، فنجد العيسة يستحضرها ويعيدها بذات المعنى، في صورهم المعتادة من دون تكلف، ويمشي بنا في نواحي النفس وأزقة المكان.

صالحة التي أجفلت قاضي المحكمة الشرعية حين وجدها تدَّعي على شاب قالت إنه "أزال بكارتي بطريقة غير شرعية"، من هنا تبدأ حكاية صالحة في رواية أسامة العيسة الأخيرة بنت من القدس الجديدة، وللاسم دلالة واضحة تكشف عنها صفحات العمل الروائي الذي جاء مكثفًا بدون أي إطالة في صفحاته أل157 من القطع المتوسط، فبين القدس القديمة والقدس الجديدة حكايات داخل السور وخارجه: القطمون، وحي الطالبية، وسلوان، وباب العامود، وكأن القدس في سرد العيسة أكثر من مكان مقدس، أو مكان تراثي وحضاري، أو مكان من حجارة وحفر ونحت ونقوش الغزاة والطغاة والحالمين، لأن العيسة يلتقط ما هو أبعد وأعمق مما هو ظاهر للعين المجردة والفكرة الواحدة، فهو يتقفى الأثر ويسير خلفه، وليس فقط في هذا العمل الروائي، بل في أعماله السابقة، وعلى وجه التحديد سماء القدس السابعة الصادرة عن دار النشر نفسها، وهي دار المتوسط.

إنه شأن صالحة التي كشفت عن قضيتها بكامل إرادتها، وصدح صوتها في المحكمة، غير آبهة بما يقوله المجتمع، متمسكة بأخذ حقها ممن «أزال غشاء بكارتها»، الكلمة التي دوَّت في المحكمة وجعلت القاضي يكلِّم نفسه باستغراب ودهشة، فما من قضية مشابهة في سجلات المحكمة الشرعية في القدس، أو حادثة كتلك الحادثة، حيث تعود القضية إلى زمن قدوم الاستعمار الإنجليزي إلى البلاد، وانتهاء زمن بني عثمان كما جاء في وصف الكاتب. مآلات الواقع الزماني تشير إلى ما قد يسكن النفوس بين زمانين، والآمال العريضة والبسيطة، وإلى ظرف التغيير المأمول الذي قد يراه المهمشون انتصارًا لحقوقهم التي يمكن أن تُسترد، أو لا تسترد بفعل القوة التي لا تزال هاجمة عليهم.

حكاية صالحة تدور أحداثها مع بداية الانتداب البريطاني لفلسطين، والتي يشير لتلك الحقبة الكاتب بتسمية احتلال أبناء التايمز لبلادنا، لكن الكاتب لم يغفل أن يدخل عميقًا إلى زمن أبعد من بدايات الانتداب، كضرورة من ضرورات الاشتباك الحياتي بين الماضي والحاضر، لأبناء القدس وبناتها في دورة الأجيال وتتابع الأزمان، وصولًا إلى زمن القدس الجديدة المحتلة من قبل عصابات الهاغاناة وشتيرن والذين سيصير لهم دولة وجيش وشأن يخيف المحيط، وسيقيمون معاهدات سلام وتفاهمات مع الجوار واتفاقيات هدنة وتحالفات.

تجوب الرواية بين الأمكنة والأشخاص في حكايات الأيام والناس البسطاء العاديين بمشكلاتهم وظروف حياتهم، فنجد البقعة وحي القطمون والطالبية في القدس الجديدة التي بدأت تبنى خارج السور القديم ببيوت ناسها التي ستسرق من قبل الغزاة بعد حين، كما نجد حكايات السكاكيني وإميل حبيبي وآخرين من رواد الثقافة والأدب، وكأن زمن القدس لا يتوقف عند المكان، بل يأبى إلا أن تحضر الأسماء كشواهد في مشاهد دورة حياة القدس الجديدة التي بُنيت خارج السور القديم رغبة في الحياة والتطور الحتمي للمدن العتيقة.

سرد العيسة الذكي يجعل القارئ منشغلًا معه في تفكيك حبكة الحكاية وتتابع الأحداث بين العام والخاص، كما أن لغته التي باتت صنيعته، وهو ينحت صورًا بحرفه المعهود من الطراز الأنيق، تجعل الرواية وفيرة الأحداث المتماسكة، وغنية بالشواهد المكانية والتاريخية والزمانية واللغوية، حيث تطوف بالقارئ بين أزمنة وحقب تاريخية ونزوات أفندية جهوية ومحلية، وانطباعات كانت سائدة، ظلت سائدة، وقد تبقى سائدة للأبد.

يلتصق العيسة بالقدس أكثر، قدس المهمَّشين، وقدس المجانين، وقدس العاديين، لا قدس الوجهاء والولاة وأصحاب النفوذ، فهو يدخل القدس من بوابات العاديين وأسواقهم وحاراتهم، ويحاكي تفاصيل المكان والناس والاحتلالات، ليفتح الباب أمام أسئلة خاصة وعامة لا تزال تراوح مكانها. وتمامًا، فقد صار معلومًا أن العيسة في أعماله يستدعي التاريخ من باب إعادة قراءة الأشياء بصور أخرى، خارج الجمود والتسليم بما هو معروف ومعلوم، وفي الوقت ذاته فإنه يوظف هذا الاستدعاء لخدمة عمله الروائي، بدون تكلف أو تصنع، بل بطريقة تجذب القارئ، وبلغة سردية شيقة وأنيقة.

بنت من مدينة القدس الجديدة، رواية عذبة من الطراز الرفيع، تحكي واقع الناس البسطاء العاديين في القدس أبان فترة الانتداب البريطاني، حيث انتهى حقبة زمن الحكم العثماني وجاء حكم أبناء التايمز على حد وصف الكاتب، وهي ترصد التحولات بين زمانين جاء بعدهما زمن الاحتلال الذي اتخذ من احتلال القدس مكانة له بين قديمة وجديدة، فهذه الجديدة أخذها مساحة هامة في البداية لزرع هويته المزيفة في أرض مسروقة من أبنائها وناسها وأهلها ونسَّاكها ومفكريها وأفندييها ومريديها.

إنها رواية صالحة، بنت جميلة وشابة يافعة لم تتنازل عن حقها المسلوب، ولم ترهبها عادات وتقاليد أهل المكان الذين هم أهلها وناسها، بل أخذت لنفسها مكانة من الحرية لتمسح عنها لوثة التنازل عن الحق، حقها الذي انتزع منها، غير آبهة بالقيل والقال، مستعدة لمواجهة قدرها، وعاقدة العزم على مواصلة المطالبة بحقها في القضاء الشرعي والقضاء الكنسي والقضاء المدني، طامحة بأن القضاء بكل أصنافه ينصفها ويعيد لها حقها الذي انتزع منها، بيد أن بعض الحقوق تضيع، حقوق البلاد وحقوق العباد.

بقي لي أن أقول هذه الرواية صوت من أصوات العاديين مثلنا في القدس، وفيها نسيج حقيقي وواقعي، وخيط غير مرئي يمسك الرواية من أول صفحة إلى آخر الصفحات والذي يجعل القارئ يعيش معها من دون انقطاع، فهي من الروايات التي تقرأ دفعة واحدة في ليلة واحدة، وقد تقرأ على فترات ومحطات متباعدة بحيث لا تضيع المعنى والحبكة والسرد المنتظم، كما أنها لا تشتت القارئ رغم ما بها من انحناءات تاريخية هنا أو هناك، وقد جاء في كلمة الناشر على الغلاف الخلفي،" صالحة ابنة حيّ البقعة، فتاة جميلة، ومثقفة، ومتمرد، تذهب إلى المحكمة لتطالب بثمن بكارتها، التي أزيلت دون وجه حق، كما تقول. فهي ليست ضحية، بل صاحبة حق. تقف وحدها في مواجهة قاضٍ ومجتمع وميراث طويل من التواطؤ والخوف".

هنيئًا للقدس بمن يكتبها وهنيئًا للكاتب الذي يكتب هذه القدس، قديمة وجديدة، داخل السور القديم وخارجه، شبابها وبناتها، شيبها ونسائها، حاراتها ومقاماتها، حواريها وشوارعها، أسوارها ومقدساتها، وهنيئًا لأسامة العيسة الروائي القدير الذي يكتب القدس مرّة أخرى، بهذا الشكل الشجي السخي، العميق والمغاير، الغارق في نحت المكان والزمان، المبهر بصورة بطلته الصالحة، وهنيئًا لنا لأننا نقرؤك.

 

الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

في الجزائر وفلسطين!


 


تتوفر الرواية في  #صالون_الجزائر_الدولي_للكتاب 2025

جناح لدار المتوسط رقم ( B30)

يتوفر الكتاب في فلسطين الانتدابية:

رام الله: دار الشروق.

رام الله: مكتبة الصحافة العربية/ الجعبة.

بيت لحم: مكتبة تنوين.

نابلس: دار الشامل.

حيفا: إبحار للكتب/ جمعية الثقافة العربية.

دبوريا: وطن للكتب.

عكا: مكتبة اسوار عكا (يعقوب حجازي)

القدس: المكتبة العلمية (عماد منى)

طولكرم: مقهى ومكتبة أوغاريت.

#بنت_من_القدس_الجديدة #منشورات_المتوسط #أسامة_العيسة

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

حكي بيروتي!


 


عندما اقترب منا، لم تبدو عليه حماسة سائق مُرحب، ولكن ذلك لم يهمني، فخلال الرحلة من عمَّان إلى بيروت، أخذت كفايتي من الحُسن اللبنانيِّ. منذ جلوسي بجانبها. لا أعرف السبب الَّذي جعلها تعتقد أنَّني بحاجة لمن يؤنس قعدتي، ويساعدني حتى في ازدراد ما لا يُزدرد من طعام. فقدمت، باسمة، دون طلب منها، الإرشادات في كيفية استخدام أدوات الطعام الجوية الكروموسومية. وعندما سألتني إذا كانت هذه المرَّة الأولى التي أطير فيها. لم أشأ إضعاف نشوة انتصارها، فقلت: على ما يبدو ستكون الأخيرة. أخبرتني، وهي تتصرَّف كأخت كبيرة، تظهرها طيبتها بأقل بكثير من عمرها الحقيقي، من باب تبديد وحشتي أنَّ جَدتها في البقاع فلسطينيَّة، ما أثار اهتمامي فعلًا، ولكن ما أبأسني عندما سألتني عن طائفتي. دُهشت وصُدمت، مجيبا: اسمحيلي. فدُهشت ولم تطلب تفسيرًا! آخر ما ترغب به طائفة جديدة في بلد الطوائف.

الحُسن اللبنانيِّ؛ أدهشني في المطار مقارنة مع التجهم الأردني الأبدي، اختبرنا صبرهم وهم يضعون التأشيرة على ورقة خارجيَّة منفصلة، لأنَّهم، حال النظام الممانع، لا يعترفون بالجواز الفلسطينيِّ. قال لنا الموظَّف المبتسم بلهجة أبوية: ليحتفظ كل منكم بورقته فهي جواز سفره. خيِّل لي أنَّني سمعت كلمة رقبته، بدلًا من ورقته، فتحسَّست الأولى، وخبأت الثانية، ولدي احساس أنَّ الرقبة والورقة ستضيعان في المدينة التي سأدخلها بعد قليل، وقد أظلم يومها.

حاول السائق الكهل الذي بدا لي مترنحًا، أخذ حقائبنا، لوضعها في السيَّارة، لكنَّني رفضت بأباء فأنا لا أقبل لأحد أن يحمل عني حقيبتي. تركنا ودلف إلى مقعد السائق. بعد دقيقة صمت انتبهنا إلى أنَّ أم كلثوم تسلو، سلو قلبي في ليل بيروت:

وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى/ أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصابا

استرخيت على صوت الست، إلَّا أنَّ السائق وقد بدأ أكثر ترنحًا خلف مقود السيارة يقول بصوت ناعم ولكنه حاسم ودال كسيف حاد، لا تظهر حدته: هذا نشيد أهل السُّنة!

أردت أن أضحك، لكنَّ نبرته، جعلتني أنظر الى صديقيّ، ومن حسن تدبيرنا أننا جلسنا معا ولم يجلس أي منا بجانب السائق. تساءلنا بلغة العيون: هل هو يمدح /م يتبرم؟ هل هو سني ينشد نشيدها، أم شيعي متوعِّد. وإذا أردنا النجاة من عمليَّة خطف محتملة هل نعلن شيعيتنا أو سُنيتنا، ونحن أصلًا لا نعرف لأي طائفة تُعقل خيولنا.

أطالت أم كلثوم، وسلت، وكأنَّه ليس في رائعة أمير الشعراء سوى نشيد أهل السُّنة والجماعة. أمَّا السائق الذي صمت على غش، فإنَّ عينيه لا تكفَّان عن النظر في المرأة لسبرنا. يبدو أنَّه اقتنع أننا لا نعرف بالضبط إلى أي طائفة ناجية يجب أن ننتمي، فرثا لنا.

عندما نزلنا أمام الفندق، وكأنَّنا وصلنا شاطىء أمان،. تقدمت من السائق المترجل متهيبًا وقد تخلى عن خطة اختطافنا لطمأنته: أخوك المعتزلي، فتهيب اضفت للطمأنة جاحظي معتزلي. فنط في السيارة هاربًا وكأنَّ الحياة دبَّت فيه ولم يعد مترنحا. قلت لرفيقيّ السفر اذا كان لا بد من الفرز، حسب لغة السجون، فإنَّني لن أختار السُّنة فكيف بالسُّنة والجماعة مرَّة واحدة، لن أحشر مع ابن باز أو الشعراوي، فلنختار الشيعة، طائفةً وطريقةً، وعشقًا. وافقا ممتدحان حكمتي.

رمينا الحقائب في الفندق، وقررنا رمي أنفسنا في شوارع هذه المدينة التي تنشد فيها أم كلثوم، نشيدًا طائفيًا، لكَّنه لا ينافس بقوته صوت الزوامير. بيروت أيضًا مدينة الشبق الزواميري.

مشينا في منتصف ليل بيروت المخيف، لكن بدون خوف فقد عرفنا أخيرًا إلى أي طائفة تتسامق لها أعناقنا، حبًا وارادة. عند صخرة الروشة تعرفنا على المصوِّر الساهر يلقِّط رزقه بكاميرته، في عصر الكاميرات الرقميَّة، كأنَّه آت من السبعينيَّات، عرفنا أنَّه من عائلة المطرب السوريِّ فهد بلان، فهو من غير طائفتنا، ولكن الأمر تغيَّر عندما فاجأنا أنَّه يقطن في الضاحية، التي اعتقدنا أنها غيتو شيعي. تهللنا. قلت له أرأيت كيف أننا نحتضن في مدينة الغرباء هذه كل غريب شريف، يأكل مما يُصور. أرجوك صورنا وخذ نقدنا، واترك الصور ذكرى لك. استخدمنا كاميرات في تصوير أنفسنا.

عدنا إلى الفندق بسيَّارة سائق سوري، في وقت عنصرية ضد السوريِّين، أخبرنا أنَّ هذه ليست مدينة الطوائف، وإنما مدينة المال. روى علاقته الوثيقة مع بارات زحلة ومطاعمها، لأنَّه يجلب لها الزبائن فتتراجع الطائفية أمام المال. انبهرت بكفاحه من أجل عائلته. قلت له: نحن من سوريا الجنوبيَّة.

في اليوم التالي في مؤتمر الهيئة الصحية للأمم المتحدة. افتتحه الدكتور الباكستاني بحزن وشجن كربلائي لأنَّ اليوم يصادف ذكرى استشهاد الحسين. وأطال وشعرت أنَّه لم يعد لدينا إلَّا البكاء عندما رأيت دموع محبوسة في أعين عاملات الفندق ذوات التنانير القصيرة. استغربت هل تسمح قوانين المنظمة الدولية بمثل هذا الخروج الطائفي. قلت لرفيقيّ: في ذكرى الحسين، يصبح لون ماء عين سلوان أحمر، مثل عيوننا المتضورة للنوم. قررنا الخروج من الشيعيَّة. بدا مغريًا أن نصبح رومًا بعد تعرفي على الدكتورة خوري، العشرينية في سبعينيتها، والتي ألهمني لقائي بها سلسلة مرئيات عن مسيحيي شمال الضفة الغربيَّة المجهولين، لصالح مركز الإعلام المسيحي بالقدس بدعم من عيسى بشارة.

حسمت الأمر، لن أكون روميًا، يكفي ثقل أصدقائي الروم الذين سأعود إليهم ومنهم العم يعقوب. عندما عاد صديقي من لندن وقال لي أصبحت مسيحيًا وأريد كنيسة أُصلي بها. ضربت على صدري واتصلت بالعم يعقوب، تبرم معتذرًا: صاحبك بروتستانت لا ترسله إلينا. سنضحك على ذلك لاحقًا كثيرًا.

اليوم التالي كان يومًا مشرقًا ومختلفًا وطويلًا. وقصته طويلة. بدأ قبل خروجنا من الفندق بمقال نشرته جريدة الأخبار عن مجانين بيت لحم. المجانين للمجانين أنسباء. أضحت بيروت، بيروتي.

مشينا إلى مثوى شهداء فلسطين، أسر لي الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي، أن غادة لم تحبه هو فقط ولكن أيضًا أحبت كمال ناصر، ومع غسَّان أصبحوا ثلاثة فلسطينيين عاشوا الحلم. أزلنا الأوساخ عن قبري غسَّان وكمال المتجاورين، ليس صرعى غادة بيروت الدمشقية، ولكن قُوَّادة الشرق الأوسط. حييت ماجد أبو شرار في مستقره، الذي لم أعرف إن كانت غادة أحبته، مثلما لا أعرف من اغتاله.

في اليوم الأخير قرَّر أحدنا التريث، سأل من باب الاطمئنان، ماذا يفعل إذا طارده طائفيون؟ اقترحت أن يهرب إلى الجبل، سأل: عند الدروز؟ أجبت: لا تقل لهم أنك تعرف مجرم حرب اسمه وليد بك، أعلن في لقاء تلفزيوني، مبررًا مجزرته ضد (المرابطون) في الحرب الأهلية: في النهاية هم من السُّنة. يبدو أنَّه استفزه نشيدهم.

سألنا سائق آخر غير سائق الوصول عن الطائفة، صرخنا به: خلص اللعبة انتهت. أوصلنا المطار صامتًا. قال بلطف: بصراحة نحن نسأل عن الطائفة لأن بيننا كلام خاص. قلت له لنا كلامنا ولا نريد كلامكم!

#غسان_كنفاني #كمال_ناصر #ماجد_أبو-شرار #أسامة_العيسة


الاثنين، 27 أكتوبر 2025

تقاصيل عابرة إلى نصوص نابضة/ عبد الله الخطيب



أسامه العيسة؛ هو صوت فلسطيني مميّز في المشهد الأدبي والصحافي الفلسطيني، عرف بقدرته على تحويل التفاصيل اليومية العابرة إلى نصوص نابضة بالمعنى والوجع والجمال.

يجمع في كتابته بين حسّ السخرية المرّ وعمق التأمل الإنساني، فتغدو اليوميات لديه مساحةً لكشف الذات والواقع معًا، ومرآةً تعكس تناقضات الحياة الفلسطينية والعربية في آنٍ واحد.

شاركنا بمداخلة من مدينة بيت لحم حول كتابه : بهمش: يوميات كاتب في انتفاضة مغدورة.

#عبد_الله_الخطيب #ملتقى_تورنتو_الدولي_لفن_اليوميات #toronto_international_forum_of_art_of_diaries

#بهمش #يوميات_كاتب_في_انتفاضة_مغدورة #المؤسسة_العربية_للدراسات_والنشر #أسامة_العيسة

الأحد، 26 أكتوبر 2025

ينحت صورًا/ بهاء رحَّال


 


إنه شأن صالحة التي كشفت عن قضيتها بكامل إرادتها، وصدح صوتها في المحكمة، غير آبهة بما يقوله المجتمع، متمسكة بأخذ حقها ممن «أزال غشاء بكارتها»، الكلمة التي دوَّت في المحكمة وجعلت القاضي يكلِّم نفسه باستغراب ودهشة، فما من قضية مشابهة في سجلات المحكمة الشرعية في القدس، أو حادثة كتلك الحادثة، حيث تعود القضية إلى زمن قدوم الاستعمار الإنجليزي إلى البلاد، وانتهاء زمن بني عثمان كما جاء في وصف الكاتب.

سرد العيسة الذكي يجعل القارئ منشغلًا معه في تفكيك حبكة الحكاية وتتابع الأحداث بين العام والخاص، كما أن لغته التي باتت صنيعته، وهو ينحت صورًا بحرفه المعهود من الطراز الأنيق، تجعل الرواية وفيرة الأحداث، وغنية بالشواهد المكانية والتاريخية والزمانية واللغوية، حيث تطوف بالقارئ بين أزمنة وحقب تاريخية ونزوات أفندية جهوية ومحلية، وانطباعات كانت سائدة، ظلت سائدة، وقد تبقى سائدة للأبد.

#بهاء_رحال #بنت_من_القدس_الجديدة #مكتبة_تنوين #منشورات_المتوسط  #أسامة_العيسة

السبت، 25 أكتوبر 2025

قراءة في كتاب: بنت من القدس الجديدة/ عزة العزة


 


أهلا وسهلا بكم هنا في عالم أسامة، أهلا بكم في هذا الزمن الصعب، زمن الموت والحياة معًا. فطوبى لمن رحلوا باسمين، وطوبى لمن صبروا جائعين، وطوبى لنا عودتنا نصف احياء ونصف اموات، لنقرأ .

لنقرأ معا ما خط الكاتب في هذا الزمن المجنون، و لقد شرفني الكاتب بتقديم كتابه الجديد، المعنون -  بنت من القدس الجديدة  - والصادر عن دار المتوسط، لسنة 2025م، بصفحاته الماية والخمسين.

 لقد رسم الكاتب لهذه الرواية ثمانية وعشرون عنوانا جانبيا تحفز ملكات القارئ على الاستطراد في ملاحقة السرد لسيرة غيرية لبطلة الرواية.

البطلة الأولى هي القدس مدينة الزمان والمكان والاحتلالات، مدينة الماضي والحاضر والمستقبل. أما صاحبة البطولة المطلقة فهي صالحة، وهذا اسمها فقط. هى بنت من بنات القدس الجديدة. بنت جريئة، جميلة، متمردة، مثقفة، حالمة مجروحة، بنت الأفندي. الصحفي صالح الرومي.

المؤلف بأسلوبه المبطن والعميق والصريح معًا، والذي لا يخلو من الدهاء المستحب، أحيانًا كثيرة، وعلى لسان شخصيات الرواية وهي كثيرة، وأحداثها وهي سريعة، يستحضر فلسطيننا المنتهكة أرضا وعرضا، الى ذهن القارئ ويلبسها ثوب صالحة وطاقية الاخفاء، ويسير بها بين الجمل والمفردات والأحداث والأسماء، لتصبح إحدى بطلات الرواية، لكن بتوقيع القارئ وليس الكاتب.

بين القدس المسورة والأحياء الجديدة والفلل والقصور التي شيدت على حطام البساتين الممتدة بين مدينيتي القدس وبيت لحم، يمتعنا الكاتب بتغريبة صالحة غير الصالحة بمعايير المجتمع. بنت القدس الجديدة، والتي مر عليها الآن أكثر من مئة عام وما زلنا نسميها جديدة، أما بنت القدس، فهى ليست بنتا، لقد سقط حجابها وبانت سوؤتها وفقدت ما لايستطاع أن يرد. كان هذا في زمن دخول أبناء بلفور مدينة القدس وخروج أبناء عثمان منها.

نتابع مع الروائي الذي يتداخل بهذا الاسم في النص أحيانا كثيرة ليقطع رتابة لا بد منها في السرد، نتابع معه، معركة صالحة في جرأة غير معهودة لنساء مجتمعنا، تواجه بها الثقافة الوضعية والسماوية معا، باحثة عن حقها متحدية. والزمن يسير بها مسرعا، تسقط حينا وتنهض حينا، لم يسلحها الكاتب بقوى خارقة ولم يمنعها من التشتت أحيانا كثيرة. لكنه أعطاها أبا يسندها ويدعمها دائما. الزمن لا يتوقف كعادته ويتسارع، فتشيخ الدول وتهرم الأحلام وتبهت الصراعات، وتتولد دول وصراعات جديدة.

من الدهاء والامتاع والعمق أن الروائي يضيئ على ازدواجية التضاض، فيظهر الحاكم الجديد ويغيب القديم ، والمقدسات توازيها المدنسات، والقدس وما عليها، تخفي القدس التحتية، والمحكمة (بيت العدل) تغزوها الرشوة، والقاتل يرث المقتول. الفلاحين والأفندية. صالحة غير البنت، تلقب البنت البكرية، وداوود يلاحق جالوت. قطز يصرعه بيبرس. روبرت كندي وفرحان فرحان تجمعهما فلسطين وتفرقهما. السكاكيني يردد (راس روس ، دار دور). نجيب نصار يكتب. الحاج سيف الدين يفتي، والاسماء الاعجمية تلوي عنق الأحرف العربية. محمد حنا مسيحي، وباشاوات القدس يدافعون عن حيهم الجديد من غزو أحفاد هرتسل عن بعد.

 أما نكبة صالحة ونكستها وانتفاضتها وهبتها وابادتها وجنونها وسكونها ومجونها وحزنها أالمها وضعفها وقوتها ونهايتها، فيرسمها المؤلف بحرفية، يميتها ثم يبعثها حية من جديد، كطائر فينيق انثوي.

 والقدس. القدس كما يقول اسامة  تاريخها دائري .

وشكرا لكم. عزة العزة – تحياتي

الجمعة، 24 أكتوبر 2025

صعلوكي في عشاء ملوكي!


 


آخر مرَّة رأيت فيها الوزيرة وربَّما قبل الأخيرة، عندما اعتذرت بإباء عن الاحتساء. ونحن نجرِّب كرم الأتراك الجدد، خلال عشاء في أي بي في أنقرة.

أظن أنَّ الوزيرة لم تكن مرتاحة لوجودي صعلوكًا بين الملوك، ونحن الذين نعرف بعضنا، عندما كنا كلنا صعاليك في زمن الثورة العالمية المستمرة السحيق. ولكن الله، لحكمة نجهلها يمكنه رفع من يريد درجات، وإبقاء آخرين، مثلي، تحتها. قبل العشاء بساعات، وتحت شمس أنقرة المخاتلة، حاولت الوزيرة إقناعي، أنَّ السلطة من الشعب وللشعب، وهو ما أيدته بشدة، فهو أمر، كشمس أنقرة، لا يحتاج إلى إقناع.

قالت الوزيرة إنَّ أنظمة الحكومة تحظر على الوزراء الاحتساء خلال المهام الرسميَّة، ويبدو أن هذا عكس الأنظمة الرسميَّة التركيَّة فنظيرها التركي في حكومة الإسلاميين الجدد، تجرَّع حتى سكر سكرة  أنضولية، فسَكَّرت لديه حواس كثيرة.

ولأنَّ الوزيرة تنظر لي كثيرًا شزرًا، تقيس ردَّات فعلي، التي قيدتها، اعتقدوني ناظم حكمت فلسطيني متجاهلين الشزرنة الحقودة. وهم أو الأصح هن، المنَظِمات الوديعات، اللواتي أصرن على حضوري شفقة باعتباري ميميد الناحل، على الأرجح ربطن ذلك بسؤالي عن الكاتب يشار كمال، وتأكد ذلك لهن، عندما لاحظن شهيتي للأسماك التي توضع تباعًا على المائدة، مع شرح قيصري إقطاعي عن النوع ومن أي شاطيء ومكان جلبن للعشاء الملوكي. ولاحظن قبل انتهاء الشرح القيصري اختفاء الأسماك التي تُتناول زَلطا، سريعًا، تتسحب إلى داخل المعدة المشتاقة. فاقتنعن بجوعي المزمن.

تعالى السفير على الوزيرة لأنَّه اعتبر نفسه من زمن ثوري أسحق من زمنها، فهو قائد الدفاع عن المخيم المجزور، الذي نجا معظم قياداته بينما بشَّعت العصابات الفاشية الانعزالية في ناسه المسحوقين، غير الأسحقين مثله. وما حدث لاحقًا في العشاء، جعله، يترك لي ازدراد الأسماك، ليتابع ضاحكًا متشفيًا، عندما تمادى النظير التركي، وفتح بالفنجان للوزيرة، ثم مسك يدها ليقرأ لها المستقبل، وليس مثل سكِّير يمكنه السَبر.

استمعت للفنان محمد الضمور، يحكي تجربته الطويلة في وزارة الثقافة الأردنية، لا أعرف لماذا على المثقفين أخذ هذا النوع من الوزارات جَدًا.

#أسامة_العيسة

الخميس، 23 أكتوبر 2025

قريب للقلب والروح/ مصطفى بدر


 


رغم توجّسه من توريث هذا اللقب، يمسح صديقنا "كاتب المجانين" والمساكين غبار الزمن عن مجنونةٍ أخرى وحكايةٍ أخرى عمّن ربما كانت عاقلةً لكنها عاشت في زمنٍ مجنون، لتملئ فراغاً في أنطولوجيا حكايتنا المنقوصة.

في هذا الكتاب نطارد حقّاً، ونطرق أبواب محاكم مدنيّة وشرعيّة وكنسيّة، ونخاطب السماء من ظلم الأرض المقدّسة وظلم كثيرٍ من أبناءٍ لها ذوي طباعٍ مُدنّسة.

عملٌ قريب للقلب والروح، ويدعو للتفكير.

#مصطفى_بدر #بنت_من_القدس_الجديدة #مكتبة_تنوين #منشورات_المتوسط #أسامة_العيسة

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025

لا صورة أخيرة لإسماعيل!


 


في عام 2003، طلبت من إسماعيل عبيات التقاط صورة له. دماء كثيرة سالت في الانتفاضة الثانية، وظروف حوَّلت موزع الصحف، إلى مقاوم في كتائب شهداء الأقصى.

قال لي باسمًا: أعرف لماذا تريد الصورة؟ وأجاب: حتى تنشرها بعد اغتيالي!

تأثرت من الاجابة، دولة الاحتلال صعَّدت في تلك الانتفاضة، ونفَّذت أول عملية اغتيال وكان ضحيتها الشهيد حسين عبيات. أصبح الموت عاديًا، وربما كان الأهم بالنسبة للمستهدفين، ليس الموت، ولكن عدم اعتقال جثامينهم، أو أن يحظوا بدفن سريع. شهدت، خلال عملي الصحفي، على مقاومين ينتظرون موتهم، وآخرين يستعجلونه.

الصورة الأخيرة لإسماعيل، التي التقطها، كانت بعد اغتيال العديد من رفاقه، من عائلته، العبيات مثلًا، استشهد نحو 25 شابًا. لكنَّ قُدَّر له أن يُعتقل، بعد مطاردة لمدة 3 سنوات، ويحكم عليه بالمؤبد 6 مرَّات.

فقد إسماعيل، خلال سجنه الطويل، اثنين من أبنائه، وحصل على شهادة البكالوريوس.

الصورة المرفقة لإسماعيل في القاهرة، بعد تحرره أخيرًا. سعيد لأن ثمت صورة أخيرة أخرى، قرَّرتها غزة! مزيد من الصور لإسماعيل!

#إسماعيل_عبيات

#أسامة_العيسة

الاثنين، 20 أكتوبر 2025

من حيفا!


 


في متجر إبحار للكتب

رواية جريئة ومؤثرة، تضع القارئ في قلب **القدس التي لا تُروى في الحكايات الرسمية.

من حيّ البقعة، تخرج صالحة، فتاة مثقفة ومتمرّدة، لتطالب في المحكمة بثمن بكارتها، في مواجهة قاضٍ ومجتمعٍ وموروثٍ ثقيل من الخوف والتواطؤ.

يكتب أسامة العيسة بجرأة وعمق عن تقاطع الجسد مع القانون وعن العدالة حين تصطدم بالشرف والعرف.

بلغةٍ ناقدة وساخرة، يرسم ملامح مدينة تُقرأ من نسائها، لا من حجارتها فقط.

 

رواية عن امرأة تقف في وجه مجتمعٍ صامت، وعدالةٍ عمياء، وجدارٍ لا يُهدم بالكلمات فقط.

متوفرة الآن في متجر إبحار للكتب – حيفا أو عبر موقعنا

ibharBooks.com

#بنت_من_القدس_الجديدة #أسامة_العيسة #منشورات_المتوسط #إبحار_للكتب

الأحد، 19 أكتوبر 2025

عندما استحمت القدس بالندى/ عزة العزة


 


موعدنا الثلاثاء، مع أسامة العيسة لنروي معا حكاية الخميس الثاني من  شهر القيامة حين يتلون الوادي بزهوره، وتستحم  القدس بالندى والحنَّون. مع رواية بنت من القدس الجديدة.

مكتبة تنوين ، الساعه السادسة، 21/10.

#عزة_العزة #بنت_من_القدس_الجديدة #مكتبة_تنوين #منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

السبت، 18 أكتوبر 2025

أُمثولة صعلوك القدس!


قي المهرجان الوطني الأول للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة (من 15-18 آب 1981)، وكنت أصغر المشاركين بقصة ستعجب الناقد إبراهيم العلم، ويعتبرها واحدة من أفضل قصص المهرجان (يا للزهو المتأخر على من سيزهون كتَّابًا وصحفيين بهيدروليك رفع الاحتراب الفصائلي)، صعد فوزي البكري (1946 - 2025) على مسرح مدرسة المطران في القدس، آخر المشاركين، ليلقي قصيدة، بدت مفاجأة، تبتعد كثيرًا عن سائد الشعراء الثوريين وهو محسوب عليهم، منشدًا لعرار وخمَّارات عمَّان.

يتوفر لدي ارشيف جيد عن المهرجان، ومن بينها كلمة إميل حبيبي، الَّذي سخر منا، فإذا كان هذا الأوَّل في ظل الاحنلال، فكم سنعد من سنوات؟ وهل سيتأبد الاحتلال؟

سيظهر البكري، ابن الشيخ ياسين، المجاهد والإمام، متمردًا صعلوكًا، كما وصف نفسه في ديوانه الأوَّل: صعلوك من القدس القديمة، وشاعر رفض، شارك سميرة الخطيب وأحمد  حسين وربما أيضا عبد اللطيف عقل، ندوات رفضية، مع تغول فصائل المنظمة وأفرادها لمشهد ثقافي عُوِّل عليه في الأرض المحتلة.

سخر وهجا وهاجم ما اعتبرهم متنفذي المنظمة في الصحافة والأدب، باسمه وتحت اسم عبد الباقي هون، وهذه برأي أهم أُمثولة صعلوك القدس، الصمود في المدينة التي تبدو طاردة لمثقفيها، منهم من يثير زوابع نقدية ثم يختفي في المهجر. أين غسَّان طهبوب وطلال حمَّاد ومازن مصطفى وسحر خليفة وليلى علُّوش والشاعر والتشكيلي (....) عبد السلام وسميرة الخطيب والياس نصر الله وعبد اللطيف عقل وهو صاحب قصيدة عن الصمود في الأرض المحتلة يحث فيها صديقه المفترض على البقاء؟ لماذا لم يعد من تمكنوا من العودة؟ منهم من رتب راتبه المجدي مع السلطة وغادر، مثلًا رشاد ابو شاور الَّذي قابلته عشية الانتفاضة الثانية، ثم لم أره إلَّا على فضائيات الممانعة والجزيرة، وزهير النوباني الذي بذل جهدًا لتأسيس مسرح يومي في رام الله التحتا بعد عودته مع أوسلو ثم غادر، ومريد البرغوثي، الذي عاد وغادر حتى الوزير الأردني الراحل صالح قلَّاب، وغيرهم. لم تسمع أن أي منهم قرَّر التبرع براتبه لصالح ضحايا الوطن، ما داموا اختاروا عدم المكوث فيه.

لماذا لم يستقر تميم البرغوثي في الأرض المحتلة؟ أطنب والده، في كتابه الجميل: رأيت رام الله، بفخر كيف حرص على إتمام أوراق حصول ابنه على بطاقة هوية مثلنا. لماذا لا يعد خالد الحروب ونائلة الوعري وياسر سليمان وجوزيف مسعد وفيصل درَّاج؟ لماذا غادر عزمي بشارة؟ هل خشي من السجن؟ أحرام عليه حلال علينا، لماذا لا تعود غادة الكرمي؟ عادت وعملت مع السلطة وغادرت بسبب خلل وظيفي له علاقة ربَّما بالفساد أو البيروقراطية، لتترك عملها وتمكث مثلنا بين الحواجز والبوابات. سمعت أنَّها مستقرة في عمَّان الآن.

ما يضحك أنه عندما نلتقي أي منهم يقولون نحسدكم لأنكم هناك. طيب تعالوا من هناك إلى هنا وبلاش حسد على قتلنا وسجننا وهدم منازلنا.

أظن أن المسألة غير عادلة. ناس تموت وناس تَنظمهم شعرًا، وحكايات. هل نحن فُرجة لكم؟ يكفي أنَّنا فرجة للعالم والإقليم.

أمثولة صعلوك القدس الذي غادرنا قبل أيَّام هي البقاء. تُذكِّر بأمثولة نادرة وهي عودة إبراهيم أبو لغد، وتخطيطه ليدفن في يافا. لماذا عاد إبراهيم ولم يعد إدورد سعيد؟

في عام 1984م، التقيت ورجائي البيطار صعلوك القدس في كشك فلافل البكري في شارع صلاح الدين. سأله رجائي هل يحق للشاعر ما لا يحق لغيره؟ لن أنشر إجابته، رغم أنَّها لا تدخل في العيب حسب معايير الرفيق ابن قتيبة. ويمكن أن تكون مفيدة في وصف واقع مثقفينا المتمفصلين.

#فوزي_البكري

#أسامة_العيسة

 

الجمعة، 17 أكتوبر 2025

من حيفا/ فؤاد نقارة


 


"بنت من القدس الجديدة" رواية جديدة للروائي أسامة العيسة، في نادي حيفا الثقافي.

رواية مميزة، متمنين على أسامة مواصلة الإبداع وإمتاعنا برواياته المميزة.

#فؤاد_نقارة #نادي_حيفا_الثقافي #بنت_من_القدس_الجديدة

#منشورات_المتوسط #أسامة_العيسة