أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

شهادة سعدات عن اغتيال زئيفي




في نحو الساعة الحادية عشرة والربع بالتوقيت المحلي من يوم 27 آب (أغسطس) 2001، رن الهاتف الخلوي الذي يستخدمه أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي كان جالسًا في مكتبه بمدينة رام الله، رغم التهديدات الإسرائيلية الجدية باغتياله، وعندما تناول مصطفى جهاز الهاتف ونطق: نعم، لم يكن الشخص على الطرف الآخر بحاجة إلى أكثر من ذلك للتأكد من هويته ومكان وجوده، وخلال ثوان كانت المروحيات الإسرائيلية، تطلق أكثر من صاروخ على المكتب، في عملية اغتيال إسرائيلية جديدة، طالت أرفع مسؤول سياسي فلسطيني، حتى ذلك الوقت.
وكان لعملية الاغتيال هذه ردود فعل مختلفة، وعلى صعيد الجبهة الشعبية، دفعت كوادر الجبهة أحمد سعدات ليخلف مصطفى في منصب الأمين العام للجبهة، ليكون أوَّل أمين عام من الأراضي المحتلة.

وتم انتخاب سعدات في منصبه الجديد في أوائل شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2001، ويوم الثالث عشر من نفس الشهر كان سعدات على رأس الجماهير التي أحيت الذكرى الأربعين لوفاة مصطفى، واعتلى المنصة، مهددًا بالانتقام لمصطفى باغتيال مسؤول إسرائيلي كبير أو حسب تعبيره آنذاك بان يكون الرد "رأسا برأس".
وبعد أربعة أيام، وفي صباح الأربعاء 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، نفذت خلية من الجبهة الشعبية عملية اغتيال طالت وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق رحبعام زئيفي، في فندق حياة ريجنسي، بالقدس الشرقية.
واختفى سعدات عن الأنظار، وأصبح مطاردًا لقوات الاحتلال، وفي ظروف المطاردة هذه سعيت لمقابلته لتسجيل شهادته عما حدث، ونجحت المحاولات، رغم ظروف السرية التي أحاط سعدات نفسه بها، وتم الاتفاق على إرسال الأسئلة له، ليرد عليها بخط يده، وكان ذلك حلاً مثاليا، يكسب شهادته قيمة تاريخية، وأيضا تعطي الكتابة فرصة للمدون أن يعيد النظر ويضيف أو يحذف ما يريده.
ووصلتني إجابات سعدات بتاريخ 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، محييا بتحية "العودة والاستقلال والديمقراطية"، …منوها قبل إيراد الردود بخط يده، بان هذه الردود ستكون "محاولة لوضعكم في صورة مواقفنا المبدئية التي تعبر عن قناعاتنا بعيدًا عن تدوير الزوايا والأصباغ والرتوش، خاصة ونحن نعلم أن ما تقوم به محاولة للتأريخ والتوثيق، الأمر الذي يملي علينا ونحن نساهم في عرض جزءا من تاريخ شعبنا التزام الحقيقة الموضوعية التي تحتاجها عملية التأريخ".
وأورد هنا الأسئلة كما وصلت لسعدات وإجاباته كما وصلتني لتحقيق أكبر قدر من الأمانة التي تحتاجها كما قال سعدات بحق، عملية التأريخ، التي يمكن أن تكون الآن ضرورية، بعد أن اكتملت إلى حد كبير فصول القصة باعتقال سعدات ورفاقه من سجن أريحا يوم الثلاثاء 14 آذار (مارس) 2006.

(رد في اشتباك طويل)
*يفهم من بعض تصريحاتكم في الجبهة الشعبية أن عملية اغتيال زئيفي، وهي عمل نوعي وأول عمل فلسطيني مخطط يطول مستوى سياسي إسرائيلي، انه نوع من الانتقام ورد الفعل على اغتيال أبو علي؟ هل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحا فهل يمكن القول أن قتل زئيفي جاء من قبل طرف فلسطيني كجملة عابرة في الصراع الطويل بينكم وبين الإسرائيليين؟
-سعدات: اغتيال العنصري الصهيوني داعية الترحيل لشعبنا وان يكون في جانبه المباشر ردًا على اغتيال الرفيق الشهيد والقائد أبو علي مصطفى، فهو يأتي في إطار فهمنا لصراعنا مع العدو كاشتباك تاريخي مفتوح، ومحاولة لأحداث التوازن في الردع والرعب وتثبيته كقاعدة في الحرب غير المتكافئة بيننا وبين العدو الصهيوني، باعتبار أن فرض هذا التوازن هو فقط المنطق الذي يمكن لإسرائيل أن يعقد حساباتها ويوفر المناخ المواتي لإلزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ووفق هذا الإطار فان اغتيال الرفيق القائد أبو علي شكل الحافز لهذه العملية، وهي تأتى في إطار التصعيد الموازي لتصعيد العدو باستهدافه للمستوى السياسي القيادي الفلسطيني الأول في الساحة الفلسطينية، ومن يراقب عمليات الجبهة يرى أن هذه العملية جاءت ضمن سياق لرفع مستوى التأثير في توجيه ضربات موجعة ومؤثرة، فذراع الجبهة العسكري ووفق اعتراف العدو نجح أكثر من مرة في اختراق السياج الأمني الصهيوني في أكثر لحظات تشديد الإجراءات، الرد على نجاح شارون في 8شباط (فبراير) من هذا العام (2001م) بتفجير سيارة مفخخة في حي مئة شعاريم الذي يسكنه المتطرفون اليهود الصهاينة، ووضع سيارة مفخخة وتفجيرها على بعد بضعة أمتار من مقر الشرطة العامة والمخابرات الصهيونية (المسكوبية) في القدس في أيار (مايو) 2001، وهذه المحاولة تكررت مرة أخرى في آب (أغسطس) من نفس العام، وقبل أيام من اغتيال الرفيق أبو علي.
وعليه فإننا نطمح أن تتواصل محاولاتنا وان نرتقي بالمعركة إلى المستوى الذي يمكن أن تربك مخططات العدو وتمهد لشعبنا لتحقيق أهدافه الوطنية المباشرة على طريق تحقيق كامل أهدافه بتحقيق فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وعليه أمل أن لا يكون هذا النجاح النوعي عابرا في محطة الصراع الفلسطيني الصهيوني.
(ماض جنائي)
*قدمت إسرائيل روايتها الجنائية عن مقتل زئيفي وذكرت أسماء، وقدمت السلطة روايتها أيضا؟ ولم يصدر عنكم أي شيء بهذا الخصوص؟ هل تُكذِّبون ما قالته إسرائيل؟ هل بودكم تأجيل روايتكم لأسباب يمكن فهمها؟ ماذا تقولون على الأقل فيما نشرته وسائل الأعلام الإسرائيلية؟

-من نفذ عملية اغتيال الوزير زئيفي هم أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وليسوا جنائيين مأجورين كما حاولت إسرائيل الترويج له لتخفيف الأثر المعنوي العميق على الجمهور الصهيوني الذي يتجه لفقدان الثقة بقدرة حكومة شارون على توفير الأمن لهم كما وعد شارون في برنامجه الانتخابي، ودائما ما يكون للعدو روايته التي تحاول أن تعكس الطابع المأجور الارتزاقي للمناضل الفلسطيني، فالمناضل العقائدي لا يجسده سوى الصهاينة أمَّا الفلسطينيين فإما أن يكونوا مرتزقة أو قاموا بعملهم تحت الضغط والإرهاب.
ومع ذلك وإنصافا للحقيقة فان لبعض من نفذ العملية ماض جنائي قبل الانتفاضة كما للعديد من أبناء شعبنا الذين اضطرتهم صعوبة الأوضاع الاقتصادية، لتحصيل قوتهم اليومي من خلال سرقة السيارات من داخل الكيان الصهيوني، وهذا ليس عيبا، فكما شكلت الانتفاضة الكبرى عام 1987 مطهرا للعديد ممن كانوا في العالم السفلي وانخرطوا في مفاعيلها وكان لهم مآثرهم، شكلت انتفاضة أيلول (..يقصد انتفاضة الأقصى)، فرصة جديدة للعشرات إن لم يكن للمئات من أبناء شعبنا لفتح صفحة مجد جديدة في تاريخهم، واعتقد أن ذلك يشكل نجاحا إضافيا للجبهة يضاف إلى نجاح العملية بتحقيق هدفها بما مثلته من ارتقاء نوعي في مستوى التأثير.
(لا خطوط حمراء)
*كيف تنظر لحادث مقتل زئيفي في مجمل سنوات الصراع الطويلة، وهل كان لدى الفصائل الفلسطينية، ومن ضمنها جبهتكم، قرار غير معلن بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، وما هي مبررات هذا القرار إذا وجد، وهل تتوقع أن تحذو مجموعات وقوى فلسطينية حذوكم بعد كسركم للخطوط الحمراء ويصبح المسؤولون الإسرائيليون ليسوا في مأمن؟
-حين تحدد الجبهة أن صراعها مع العدو الصهيوني هو اشتباك تاريخي مفتوح، وحين تعلن الجبهة رفضها لاتفاق أوسلو وقيوده والتزاماته، فهذا يعني أننا لا نعترف بأية خطوط حمراء خارج عن النشاط الذي قد يلحق ضررا بقضيتنا وهذا يجري معاينته بالملموس وفي ظروفه، وأمل أن يشكل نجاح الجبهة مقدمة للارتقاء النوعي بالفعل المقاوم الفلسطيني ليشمل تهديدا مباشرا ليس للمستوى السياسي فحسب بل ولجنرالات الحرب وهيئة أركانها ومؤسسة المخابرات والاستخبارات العسكرية وشرطة السجون، بهذا المعنى نستطيع أن ندشن طريق الاستقلال والعودة، وتتخطى حدود المتاجرة بظروفنا الذي لا يجلب لنا سوى العطف وصناديق الإغاثة العربية والدولية الموشحة بالذل.
*وأنت ألان مطلوبا لإسرائيل ما هي توقعاتك لما سيحدث؟ وهل تعتقد أن اتفاقا ولو غير مباشر بينكم وبين الإسرائيليين بوقف الاغتيالات المتبادلة يمكن أن يكون مخرجا للازمة؟

-بداية أنا لا أبحث عن حلٍ شخصي خارج عن إطار حل الأزمة التي يعاني منها شعبي جراء الاحتلال والقمع الصهيوني، وثانيا فان كوني مطاردا ومطلوبا ومهددا بالاغتيال من قبل انتخابي كأمين عام للجبهة الشعبية لا يشكل لي أي أزمة أو مأزق، فان من الطبيعي أن يكون الأمين العام وكافة أعضاء قيادة الجبهة كتنظيم صمم على مقاومة الاحتلال، مطاردا، وهنا علينا أن نرتب أشكال ممارسة العمل القيادي والتنظيمي بما يؤمن حماية وجودنا التنظيمي وضمان استمرار نشاطه وفعله على كافة الصعد وممارسة كافة أساليب النضال السلمي والعنفي العلني والسري ولدينا داخل الوطن المحتل تراكم خبرة يمكننا من تحقيق شروط البناء التنظيمي القادر على الصمود والاستمرار والقدرة على التواصل النضالي، وردا على ما هو ملموس في سؤالكم، وعلى الرغم من ان غطرسة العدو وكبريائه تمنعه من عقد صفقات كهذه، فإننا في الجبهة لا نفكر بأمر كهذا، ربما نضع المسالة للدراسة فيما إذا عرضت مسالة من هذا النوع فيما يخص شعبنا وفصائله الوطنية وليس الجبهة كتنظيم إذا رأينا أن في ذلك يمكن أن يردع العدو من ارتكاب جرائم بحق مناضلي شعبنا وقيادته الوطنية، أو وقف ضرب العمق الفلسطيني وقصفه مقابل وقف ضرب العمق الصهيوني، في السياسية كل شيء قابل للتفكير إلا وقف المقاومة دون استعداد إسرائيل على الأقل لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تؤمن لشعبنا حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعلى صعيدي كمناضل فلسطيني فإنني اخترت طوعا النضال مدركا أن مصيري سيكون أمَّا الشهادة أو الاعتقال أو العيش كمطلوب مطاردا طيلة حياتي أو حتى إدراك شعبنا النصر.
(تقصير)   
*هل تعتقد أنكم في الجبهة قصرتم في حماية أبو علي مصطفى ليتم اغتياله بتلك السهولة؟ وهل أجريتم أو في نيتكم إجراء مراجعة بهذا الشان، خصوصا وان أبو علي شخصية فلسطينية وعربية وله إمدادات إقليمية ودولية على صعيد حركات التحرر الوطني؟ هل تظن أن تحميل المسؤولية فقط لإسرائيل يعفي الفلسطينيين: السلطة مثلا والجبهة الشعبية من مسؤولية بعض التقصير؟
-لا أستطيع أن احمل السلطة مسؤولية، فتفكيرها القاصر يبحث عن شرعية عملها القيادي وضمان أمن وسلامة قيادتها من خلال شرعية اتفاق أوسلو كاتفاق أصبح دوليا، فهي أعجز خارج إطار هذا الفهم، عن تأمين الحماية لنفسها فكيف تستطيع تأمين الحماية لمعارض لاتفاق أوسلو، وإذا كان هناك ثمة مسؤولية فهي إجراءاتنا التنظيمية التي كانت متأخرة وقاصرة عن تامين شروط عمل قيادية لرفيق، وهي تحاول توفير الحد الأقصى من الحماية، خاصة وان تنظيم كالجبهة برمج ومارس شق طريق المقاومة بدون تردد أو وجل كان عليه أن يدرك أن رأسه القيادي لن يكون في مأمن وسيكون مستهدفا.
ربما يكون أيضا من طبيعة الرفيق كقائد ميداني وجرأته المتميزة قد وفرت للعدو ظروفا سمحت له باصطياده، وعمليا فقد أجرينا مراجعة لأساليب وأشكال عملنا التنظيمية قبل استشهاد الرفيق أبو علي غير أننا لم نعكس سياستنا التنظيمية أو نحولها إلى إجراءات عملية في الوقت المناسب، وهذا تقصير دفعنا ثمنه غاليا.

هناك تعليق واحد: