أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 23 أكتوبر 2017

حكاية عن فرٍّ لا مفر له..!




مثل ختيارية بيت ساحور الحكماء، الذين يقصون الحكايات ليستخلصوا الحِكم، روى أبو جورج، الذي رحل قبل سنوات تبدو الآن طويلة، لصديقه الصغير، حكاية عندما كان أبو جورج طفلاً صغيرًا يلعب مع رصفائه على رصيف وسط البلدة، قرب بئر السيدة، بينما كان عشرة من آبائهم بزيهم الفلسطيني الأبيض، يجلسون على المقعد، موقع تجمع الشباب والختيارية، الذي ما زالت بقاياه موجودة، عندما وصلت فرقة الجيش العثماني التي تبحث عن المجندين الفارين، من حربٍ غير مقتنعين بها، ومن الجوع، والأوبئة التي اجتمعت كلها في تلك السنوات الفاصلة المريرة.

أمر آمر الفرقة الرجال بالوقوف، وأمر جنود الفرقة بتنفيذ المهمة، وهو يسأل الرجال عن مكان اختفاء أبنائهم الفارين، بدأ الجلد بالسياط، حتى نزَّ الدم، وأصبح لون الزِيّ أحمر، وأبو جورج ورفاقه يشاهدون ما سيعلق بأذهانهم أبد الدهر.
فجأة وقد أصبح الرجال العشرة مرميين على الأرض بثيابهم الحمراء، صرخ جندي من الجهة الأخرى مشيرًا إلى انه رأى اثنين من (الفراري) هناك يجرون، وهناك هي وادي أبو سعدى. فزعت الفرقة وبدأوا بإطلاق النار، وملاحقة الفارين، ليعودوا أخيرًا إلى حيث الرجال العشرة خائبين.
سيضحك آمر الفرقة لأوَّل مرة ويقول بعربية مكسرة للعشرة المكسرين:
*أنتم العرب مساكين، إلى أين ستفرون؟ غدا سنأتي، وبعده وبعد بعده وسنقبض أخيرا على الفارين، ليس أمامكم ولا خلفكم أي مفر.
بعد 400 عاما بالتمام والكمال، سيفر العثمانيون هذه المرة، وجاء البريطانيون، كاحتلال أسفل منهم، ثم الإسرائيليون على القسم الأكبر من فلسطين، وسيطر المصريون ومن ثم الأردنيون على الجزء الآخر، حتى تمدد الإسرائيليون على كامل حدود فلسطين الانتدابية، ويبدو دائما انه لا مفر لعرب فلسطين.
أراد أبو جورج مُخزِّن الحكايات أن يقول لصديقه الصغير: البعد عن السلطان سلطان، ولا تجرب أن تقف في وجه دولةً، ولكن الصغير سأله: وإذا كان السلطان لا يريد أن يبتعد؟.
هذه المرة، صفن أبو جورج، الذي خبر عدة احتلالات لفلسطين، وجميعها قضت وطرها في الشعب المغلوب، ولم يجب، كان وجه يطفح بالحزن، ثم قال: لا مفر، هذا هو قدر هذه البلاد.
**
الصورة من مجموعة دالمان التي نشرها موقع قنطرة قبل فترة وهي مفزعة، حيث يظهر جندي عثماني وبجانبه يتدلى قروي فلسطيني على مشنقة أمام منزله-دققوا النظر..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق