الصورة
الأولى، التي انطبعت في ذهني لنور الشريف، هي دوره في فيلم الكرنك، الذي شاهدته، في
سينمات بيت لحم، ولكن مبتورا. كما عرفت فيما بعد، الرقابة العسكرية الإسرائيلية،
قصت مشاهد البداية والنهاية التي تتعلق بحرب اكتوبر، والتي لم تخلو من رمزية
سياسية، لصالح نظام السادات.
بطلة
الفلم سعاد حسني، اقرت في حوار صحافي عام 1987م، بان الرقابة (المصرية هذه المرة)،
لم تُجز الفيلم إلا بعد إضافة المشهد الأخير والخاص بـ«ثورة التصحيح»، وإلا ستمنع
الفلم من العرض، وقالت: "أتمنى من كل قلبي أن يُحذف الجزء الأخير وتظل
نهايتها كما أخرجها علي بدرخان".
الفلم
يوجه نقدا لاذعا لانتهاكات حقوق الانسان، في عصر الرئيس جمال عبد الناصر، الذي شكل
ايقونة بالنسبة للفلسطينيين من الصعب ان تُمس. ونظر المهمومون بالعمل الثقافي
والسياسي في الأرض المحتلة للفلم، بريبة ما خصوصا، وانه جاء مع ما اعتبر هجمة من
قبل نظام السادات ضد سلفه، وتمثل ذلك بنشر سيل من الكتب، أشبه بالمنشورات السياسية
الهابطة ضد عبد الناصر، شارك فيها، كاتب كبير مثل توفيق الحكيم، بمنشور سمّاه
(عودة الوعي).
لم
يكن المهمومون في الأراضي المحتلة بمنأى عن النقاش الذي شهدته الساحتين المصرية
والعربية في تلك الفترة. أُعيد هنا نشر كتابات محمد عودة الذي رد على الحكيم بكتاب
(الوعي المفقود)، وغالي شكري (من ارشيف الثقافة المصرية)، وعبد الله امام بكتب
صحافية، وغيرهم دفاعا عن عبد الناصر، ونُشر في القدس، مجلد الحوار بين اليسار
المصري وتوفيق الحكيم.
كيف
في مثل هذه الأجواء المشحونة، جرى استقبال كرنك نور الشريف؟ الذي مثّل دور شاب
تتهمه أجهزة عبد الناصر الأمنية بالانتماء اليساري، ويتم تحويل حبيبته إلى مُخبرة،
بعد تعرضها للاغتصاب في مشهد لا يمكن مَحْوه من ذاكرة السينما العربية.
ما
هي الوطنية؟ هل يمكن أن يكون النظام وطنيا، وهو ينتهك حقوق مواطنيه؟ هل يمكن لأي
دكتاتور ان يكون وطنيا أصلا؟ ما هي حدود الوطنية، وحرية الفرد والبحث عن هوية؟
لم
تكن هذه إلا أسئلة من عشرات لا شك لدي بانها طُرحت على مدى قرون بأشكال مختلفة من
قبل سكان هذا الشرق، الذي لا يتزحزح، دون اجابة..!
ما
زال العسكر والقبائل يتناوبون على حكمنا، يستغلون الدين، ويجندون مثقفين ونخب..!
فيما
يتعلق بتجربة عبد الناصر، الاجابة على مشروعه، جاءت صادمة بأكثر مما يتوقع ربما الأعداء،
هزيمة حزيران المدوية، فيما استمر حكم العسكر، بتنويعات مختلفة..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق