لا يعرف المربي والباحث محمد محيسن أبو ريان (1935)، لفظة التقاعد، ولم
يدخلها قاموسه، وما زال كما كان، نشطا في العمل الاجتماعي والتربوي، أنهى دراسته
الابتدائية في مدرسة ذكور حلحول الابتدائية عام 1948، وتخرج عام 1953، في مدرسة
الحسين بن علي في الخليل، ليبدأ مشوارا تربويا طويلا، واخرا في العمل الاجتماعي.
فهو انتخب عضوا في المجلس البلدي في عام 1973م، وشغل عضوية جمعيات أخرى مثل: جمعية
تسويق وتصنيع الفواكه والخضار في محافظة الخليل، ورابطة الجامعيين، وجمعية أصدقاء
المريض.
ويؤمن أبو ريان، كما قال لمراسلنا، خلال لقاء تم في منزله، بالاعتماد على
الذات في العمل المجتمعي، ويعطي مثلا على ذلك تجربته في جمعية التعليم العالي في
حلحول، التي كان أحد مؤسسيها عام 1954م.
يقول أبو ريان: "تأسست جمعية التعليم العالي سنة 1952، برئاسة المرحوم
إبراهيم جحشن، صاحب الفكرة، وكانت أوّل جمعية من نوعها في الأردن، بهيئة ادارية
ضمت سبعة أعضاء وبهيئة عامة بلغت 52 عضوا، معظمهم من المعلمين وبرسم اشتراك شهري
مقداره 15 قرشا اردنيا، وكانت الغاية من تأسيسها مساعدة الطلاب الجامعيين كي
يتمكنوا من مواصلة الدراسة، وأعطت الجمعية القروض للطلاب الجامعيين شريطة تسديدها
بعد التخرج، غير انوالضعف بدا يظهر عليها نتيجة لعدم تسديد المتخرجين لهذه القروض
التي دُفعت لهم. وقد توقفت الجمعية بعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967 عن
عملها".
كان إعادة احياء الجمعية حلما بالنسبة لأبي ريّان، ولأنه يؤمن بالتحدي،
تمكن ورفاقه من إعادتها إلى الوجود، خصوصا وانها تعني له الكثير، كأول جمعية من
نوعها في حينه في الضفتين.
واجه أبو ريان ورفاقه مصاعب عديدة، ولكنهم تمكنوا من التغلب عليها، ويفخر أبو
ريان، بالإنجاز الهام، وهو بناء مقر للجمعية، بتبرعات من أهالي حلحول في الداخل
والخارج، وفي ذلك إعادة الاعتبار لمفاهيم العمل المجتمعي التي غابت خلال السنوات
الماضية، مع دخول التمويل الأجنبي، إلى منظمات المجتمع الاهلي الفلسطيني.
تقدم الجمعية المنح والمساعدات والقروض لأعضاء الهيئة العامة لتعليم أبنائهم،
وكذلك تقديم المساعدات من صندوق الطالب اليتيم والفقير.
ويعتبر أبو ريان، مؤرخا محليا لمدينة حلحول، صدرت له دراسة عن مدينته عام
1993 عن رابطة الجامعيين في الخليل بعنوان (حلحول بين الماضي والحاضر). ولم يكن
ذلك نهاية المطاف بالنسبة له في التأريخ لمدينته، فهو يواصل سنويا جمع الاحصاءات
المختلفة لشتى مناحي الحياة في حلحول، ويضيفها كملاحق لكتابه، في انتظار طبعة
جديدة منه.
واهتم أو ريان، بالتاريخ لما يسميه مأساة حلحول، والمعروفة محليا باسم
(التيل) والحديث عن وضع نحو 150 مواطنا من حلحول في طوق فرضته القوات البريطانية
عليهم يوم 6-5-1939، بقيادة اللورد دوغلاس غوردون، ووضع البريطانيون الاسلاك
الشائكة حول المكان الذي تم فيه احتجاز المواطنين، وتم حرمانهم من الماء والزاد.
يقول أبو ريان: "لا زلت أذكر ذلك المشهد عندما كنت في الخامسة من
العمر، ألحق بأمي التي اشتركت مع نساء القرية في تقديم الماء للمحجوزين، وأذكر في
طفولتي المبكرة عندما أحاط الإنجليز بيتنا قرب مسجد النبي يونس، باحثين عن عم لي
اشترك في الثورة مع ثوار حلحول وهو في سن الخامسة عشر والذي تمكن من النجاة
ببندقيته بوساطة فتحة صغيرة مرتفعة في البيت حين لم يستطع احتواء مسدسه وذخيرته،
وقد تمكنت والدتي من إخفاء المسدس وذخيرته في جيبها وبعد تفتيش المنزل جمع
الإنجليز النساء على أرض البيدر الذي يجاور مسجد النبي يونس من الجهة الغربية،
وهنا استطاعت أمي وكنت أرقد في حضنها أن تخفي المسدس والرصاص تحت التراب بعد أن
صنعت النساء فوقنا ستاراً من أغطية رؤوسهن لنجاح الخطة، بينما كان الحارس
الإنجليزي الفارع الطول يصوب بندقيته نحو نساء القرية".
وفي اليوم السابع من الحصار، يروي أبو ريان: "أخذ الموت ينتقي من
الأهل من فقد الاحتمال وكان الإنجليز يتركون الشهيد يلفظ أنفاسه الأخيرة بين رفاقه
حتى تصعد روحه إلى بارئها تشكو إليه ظلمهم".
استمر الحصار 14 يوما، يقول أبو ريان: "بلغت قافلة الشهداء سواء من
استشهدوا في الطوق أو بعد خروجهم منه 18 شهيدا وهم: رشيد نوفل، وإبراهيم نوفل، وعبد
المحسن نوفل، ومحمد المصري وزميله، ورشدي المحتسب، ورباح البكري، ومحمد الأقرط، وعبد
القادر الأطرش، ومحمد نعيم، وعبد الله يونس، وعوض عبد عوض، وحسن الدرخشي، ومحمد
نوفل، ومحمد صبّاح، وعبد الرحمن الحطبة، وهدبة أبو صايمة، وعبد الرحيم البو".
ويأمل أبو ريان، ان يتابع الجيل الجديد من الباحثين، ما وضعه السلف من
لبنات، من أجل توثيق مراحل القضية الوطنية، وأخذ العبر من أجل الأجيال المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق