أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 7 أكتوبر 2021

كنافة الكرامة

يكابد الأسرى في سجون الاحتلال، على الأصعدة كافة، ولكنهم، لا يتركون كوة فرح، إلا طرقوها، محتالين، بالذكاء، والأمل، على إجراءات السجان القاسية، وظروف السجن الأشد قسوة.
يتذكر الأسير المحرر محمد طقاطقة، الذي أمضى في سجون الاحتلال سنوات طويلة، بعضا من حيل الأسرى، لتجاوز واقعهم الصعب، ومنها اختراعهم لكنافة السجن.
قد يبدو الأمر غريبا، بالنسبة لمن لم يجرب الاعتقال في سجون الاحتلال، لكن الأمر غير ذلك بالنسبة لمن ذاق نار السجن، فتتفتق الأفكار، عن "اختراعات" تدخل البهجة على قلوب المحرومين من الحرية.
يقول أحد الأسرى، إن المادة الأساسية في صنع الكنافة في سجون الاحتلال، هي مبشور الخبز. قد تبدو التسمية غريبة، ففي خارج السجن، يكاد لا يوجد شيء يسمى مبشور الخبز.
ويضيف: "نصنع عجينة الكنافة أساسا من برش الخبز، فنعمد إلى تجفيف الخبز، ثم برشه، كما تبرش الجبنة، أو أية مادة أخرى".
يقول طقاطقة: "الخبز المفضل للبرش لدينا، هو الكماج، طبعا بعد تيبيسه، فيصبح قابلا للبرش. الحاجة هي أم الاختراع".
ويضيف: "طبعا سيكون أفضل لو وجدت مادة السميد، وفي حال عدم توفرها، نلجأ إلى الخبز المبشور، لا نعدم حيلة إلا نستخدمها".
لا يتوقف الأمر على مبشور الخبز، وحسب طقاطقة، يحتاج الأسرى لكي ينجزوا الكنافة التي ينتظرونها بشغف، إلى ما يتوفر، مثل زيت القلي، واللبن، والحليب، والعصفر، والسكر، وجوز الهند، والمرغرين، وجبنة صفراء، أو الكوتج بعد غسله وتصفيته وتنشيفه. والكوتج نوع من اللبنة، على شكل حبات صغيرة. 
يمكن في كل الظروف، الاستغناء، عن أية مادة من المواد التي ذكرت أعلاه، فإحدى قواعد الأسرى المعمول بها، هي صنع، ما يجب صنعه من المواد المتوفرة.
يقول طقاطقة: "بعد تحضير المواد، ندهن القدر من أسفل والأطراف بالطحينية، ونضعه على البلاطة الكهربائية لمدة زمنية كافية، ثم نقلب البلاطة، حتى ينضج، ويقدم للأسرى، ليتذوقوا ما نتج عن أفكارهم".
يقول أحد الأسرى، إن النتيجة في معظم الأوقات تكون ممتازة، أو هكذا يشعر الأسرى، متلذذين بطعم الكنافة التي صنعت في ظروف القهر.
ولكن صنع الكنافة في السجن، ليس متوفرا دائما، وليس سهلا. 
يتنهد طقاطقة قائلا: "قصة الكنافة قصة، علينا جمع الجبنة من الشباب حتى تكفي، أو يمكن لأسرى في غرفة معينة، أخذ حصص الأسرى في غرفة أخرى من الجبنة، حتى تكفي لعمل الكنافة".
يتذكر معظم الأسرى المحررين الذين ذاقوا كنافة السجن، لذتها، المرتبطة لديهم بذكريات الأصدقاء في غرف السجن.
هناك أسرى برعوا في صناعة الكنافة، يمكن أن نطلق عليهم "معلمين في الصنعة" يتذكر منهم طقاطقة، مثلا: فادي أبو عجمية من مخيم الدهيشة، الذي تحرر قبل فترة وجيزة بعد أن أمضى أكثر من 18 سنة في السجن.
يقول الأسير المحرر خالد عساكرة الذي أمضى عشرين عاما في السجون: "إنها أحلى كنافة. إنها مغمسة بالكرامة".
وحسب طقاطقة، فإنها فعلا: "كنافة الكرامة، والعز، والفخر".
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق