أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

نساء القيامة.. وثلج القدس..!


في السنة الثانية على احتلال القدس وما تبقى من فلسطين الانتدابية، وعليها أراض عربية؛ أردنية، ومصرية، وسورية، استشعرت نسوة من فلسطين، أن الاحتلال، طال، فقررن الاعتصام في كنيسة القيامة، حتى جلاء المحتلين عن أرضنا، وهوائنا، وسمائنا.
يخط المعلم جريس نسطاس، الذي كان يعمل في الكنيسة على رأس فريق الحجارين، في مفكرته، جملة مقتضبة يوم الثلاثاء 28-1-1969م:  "عطل، اعتصام النسوة". عليَّ أن أشكر ابنه جورج الذي أتاح لي فرصة الاطلاع على مفكرات والده.
من اللواتي شاركن في الاعتصام، عصام عبد الهادي، وسميحة خليل، سيبعد الاحتلال، بعد ثلاثة أشهر عبد الهادي مع ابنتها فيحاء، إلى الأردن، بينما ستستمر أم خليل في النضال، على رأس جمعية إنعاش الأسرة في الداخل.
يخط أكرم زغيتر في مذكراته التي صدرت حديثا في قطر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في يومية 29-1-1969م، وكان حينها في عمّان، مقربًا من الملك حسين، عن الاعتصام: "من أنباء الضفة الغربية، أن جمهرة من السيدات، مسلمات ومسيحيات، قد اعتصمن في كنيسة القيامة منذ يوم السبت المنصرم، وآلين على أنفسهن ألا يتناولن طعامًا حتى يتم الجلاء عن الضفة الغربية. هذه روح عالية مثالية لا ريب. إن هذه الحماسة المتأججة في الصدور تدل على أن روح المقاومة ما خمدت، ولن تخمد".
ولكن يبدو أن شخصًا أدمن الكهانة كأكرم زعيتر، وتنقل في الخدمة بين الحركة الوطنية الفلسطينية والحاج أمين، والملك حسين، لن يترك الأمر دون إبداء الملاحظات وتوجيه الأوامر: "ولكن كان من المفروض أن تُعد العُدة، لإحاطة هذا العمل بما يستأهل من اهتمام وضجيج ودعاية كافية قبل البدء به".
من الذي كان منوطًا به "إعداد العُدة"، أكثر من أمثال زعيتر، الذي يفترض وانه في مركز مسؤول في دولة فقدت نصف أراضيها، أن "يعد العُدة" دون انتظار نسوة فلسطين لإعلان صرختهن.
يضيف زعيتر: "ولو كنت موضع المشورة لأشرت أولاً بألا يُجعل فك الإضراب منوطا بالجلاء؛ وإنما يكون منوطا بتحقيق شيء ممكن التحقيق في مدة محدودة، ولأشرت ثانيا بألا يبدأ به قبل تأمين بلوغ الغاية منه، بحيث لا ينتهي إلا بأحداث تقض مضاجع السلطات المحتلة وتوهنها".
من الذي كان عليه أن يؤمّن؟ ماذا كان بمقدور النسوة أن يفعلن وهن تحت الاحتلال؟ ماذا كان دور الخارج؟ ستبقى، في السنوات اللاحقة، ثنائية الخارج والداخل، معضلة في العلاقات الوطنية الفلسطينية.
عمومًا فان زعيتر، كتب ما كتبه متأخرًا، في مفكرة المعلم جريس، نقرأ في يومية التاسع والعشرين، وما بعدها، أن عمله تعطل في كنيسة القيامة، والسبب هطول الثلج.
وبهطول الثلج، انتهت تجربة في العصيان المدني، ربمًا تأخرت، وللأسف انتهت في مهدها، واستمر الاحتلال حتى يوم النّاس هذا.
وما زال العصيان المدني، متأخرًا، ومجهضًا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق