أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 1 سبتمبر 2019

إسراء والجلادون..!




لا تستطيع الصحافة الفلسطينية، إنتاج تحقيق استقصائي عن إسراء غريب، لأسبابٍ بنيوية، وأخرى موضوعية، كعدم إقرار القوانين الخاصة بالحصول على المعلومات، وعدم استعداد بنى السلطة للانفتاح على الصحافة، خصوصًا الفلسطينية.
إضافة إلى المناخ العام، وتعدد السلطات التي تستهدف الصحافة، كالعشائرية، والفصائلية، والطائفية. تخشى الصحف الفلسطينية نشر مواضيع تتعلق بمثل حالة إسراء، خشية من هجوم عشائري مادي على الصحافي، أو الصحيفة التي عادة تخشى إدارتها ردات الفعل، وتتخلى بسهولة عن الصحافي.
حدث معي، أن أوّل وزير أوقاف في السلطة، طالب، بعد نشري لموضوع لا يتجاوز أسطر قليلة عن محاباة الشيوخ للصحافيات، في كتاب رسمي، صادر عن مكتب الوزير، بحق عشائري لكل موظفي وزارة الأوقاف.
المثل الأبرز على تخلي الصحيفة عن الصحافي، ما حدث مع الصحافي الأستاذ العلمي، عندما اعتقل، تخلت صحيفة القدس عنه، ولم ترفع صوتها وهو يقضي أيامه في سجن أريحا.
فيما حدث مع إسراء، أدى تأخر نشر فحوى التقرير الشرعي، إلى تولي المهمة، منصات التواصل الاجتماعي، التي لا تثقلها، ما يثقل الصحف، وجمهورها ليس متطلبًا، فيكفي لأي احد أن يكتب أي شيء، حتى يجد من يؤيده أو يعارضه.
يمكن لصحافي مثلي، أن يغبط نشطاء الفيس بوك، على اندفاعهم، ويمكن أن يلاحظ ردة فعل العائلة، التي كان يمكن في حالات مشابهة لو نشر شيئا عنها في الصحيفة، لاستلت كل العصبيات العشائرية، ولكنها لجأت لمواجهة النشطاء بمنطقهم، حيث عينت ناطقا بلسانها، ولم تكتف بذلك، فنشرت فيديوهات للشقيق والأب ولغيرهما.
ولكن السؤال إلى ماذا يؤدي نشر أنصاف حقائق أو أجزاء منها؟ وهل هو لصالح قضية إسراء؟
الأجهزة التي يجب أن تحق الحق في القضايا الجنائية، ما زالت تحقق، كما أعلن النائب العام اليوم، ولن تعلن النتائج قبل انتهاء التحقيق، وتمكن، خلال لقائه مع ممثلات المنظمات النسوية، ومؤسسات حقوق الإنسان، من احتواء الغضب.
أمّا المسألة الثقافية، والتي قد تكون الأهم، فلا يمكن أن تتغير، بحملات على الفيس بوك.
لم يكن لدى السلطة الفلسطينية، أو أي من فصائل منظمة التحرير، أو حركتي حماس أو الجهاد، أي مشروع ثقافي، لبناء الهوية الجديدة، ولعلَّ المؤسسة الثقافية الرسمية هي الأضعف والأفقر، في الموارد المالية والبشرية ونوعيتها، ووجودها فقط هو نوع من الوجود التقليدي لمسمى وزارة، كما في دول الجوار العربية.
وليس لدى مؤسسات المجتمع المدني أية مشاريع مشابهة، ولم يتمكن الوسط الثقافي المستقل الضعيف، من تقديم طروحات ثقافية فكرية، حول الهوية، والتحرر، والمستقبل.
سيقود المجتمع الفيسبوكي المنفعل، بحكم طبيعيته، المعارك المقبلة، السياسية، والاجتماعية، والتي سرعان ما تخبو، وتكاد لا تترك أثرا.
سينسى الفيسبوكيون، إسراء، سريعًا، وسيعود قسم منهم على الأقل، إلى نشر الثقافة المعادية للمرأة، وإبراز النزعات الطائفية، والجهوية، ونشر ثقافة العنف الببينية، ويتحولون، كما كانوا، إلى جلادين، أمّا الصحافة فليس لديها سياسة تحريرية، تتعلق بالمرأة، فتنتظر الجريمة المقبلة، لتنشر بخفر.
ولا عزاء للقتيلات، والضحايا، والأهم، الوطن القتيل، الذي يتضاءل فيزيائيا يوميًا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق