أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 3 نوفمبر 2018

العيش شاقوليا..!




أحيانا أتساءل كيف يمكن أن تشرح الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون في أرخبيل الضفة الغربية، لأناس يعيشون في الخارج؟ وهل يمكن أن ينجح الأدب في تقديم صورة عن ذلك؟
ولكن يبدو أن المعماريين اقدر من الأدباء على شرح ذلك، مثل الباحث الإسرائيلي ايال وايزمن الذي وصف الهندسة المعمارية للاحتلال: "طيلة هذه العملية ارتسمت الأراضي الفلسطينية كأرض ثلاثية الأبعاد (ارض جوفاء)، وبدا كما لو أنها تخلقت من العالم المتخيل الخاص بالفلكي البريطاني ادموند هالي، أو روايات ادغر الان بو، وجول فيرنفي القرن التاسع عشر، الذين تنبؤا جميعا بأرض جوفاء يقيم قاطنوها في طبقات".
عندما تناهى إلى أسماعنا، أن الاحتلال سيغير طريق القدس-الخليل التاريخية، ليجنب المستوطنين، وجيشه، رشق الحجارة أمام مخيم الدهيشة، بدا الأمر فوق قدرة استيعابنا، كيف يمكن تغيير هذه الطريق الذي شقت بجانب عيون الماء، والمقامات، والحواضر؟
ولكن هذا ما حدث، دخل الاحتلال في صراع من الجبال والوديان، وعندما شاهدت في عام 1989م كيف يشقون ما سيعرف بطريق النفق، بمساعدة شركات ايطالية على الأرجح، لم أتوقع أن يحقق المشروع نجاحا فائق، ولكن هذا ما حدث بعد إتمام طريق النفق الذي دشنه شارون، وكان وزيرا للبنى التحتية في حكومة بنيامين نتنياهو:
يصف وايزمن طريق النفق: "يربط طريق النفق القدس اليهودية مع مستوطنة غوش عتصيون في الضفة الغربية، ومع المستوطنات اليهودية في الخليل أقصى الجنوب، وحالما يغادر القدس، فهو يقطع في خط مستقيم عبر الجبال والوديان بشكل يشبه الطرق الكولونيالية في القرن التاسع عشر، والتي صممها مهندسو مدرسة فرنسا للطرق السريعة والجسور (لترويض الطبيعة العشوائية ولتوضيح المنطق الديكارتي للإمبراطورية ومقاصد الفكر) لانجاز هذه المهمة في فلسطين، يؤدي طريق النفق دوره على هيئة التواء مزدوج: فهو يمتد كجسر فوق الوديان الفلسطينية الزراعية ويغور تحت الأرض أسفل بلدة بيت جالا الفلسطينية".
يضيف وايزمن: "إنها بنى تحتية تخص نمطا فريدا من الحيز السياسي، نمطا يستميت لفصل ما لا يمكن فصله عبر محاولة مضاعفة واقع مناطقي منفرد وخلق جغرافيتين قوميتين معزولتين يحتلان المكان نفسه، غير انه ينهار في نهاية المطاف".
الهندسة الاحتلالية الشاقولية، وكما فعل كل احتلال، صنع جغرافية جديدة تخدم نشاطه الكولونيالي، وبعكس الاحتلالات والفتوحات السابقة لفلسطين التي تبنت رؤى ما سبقها، فان ما يحدثه آخر احتلال، يغير، جوانب كثيرة إلى الأبد.
المهم في كتاب وايزمن (أرض جوفاء) كما يرى يهودا شنهاف، أنه: "يعد كتابا شاذا أو خارجا عن المألوف حيث انه لا يميز بين احتلال 1948 واحتلال 1967، بل ويصف البلدات (الإسرائيلية) داخل الخط الأخضر على انها مستوطنات، وأنا أوافقه على صورة التحليل هذا".
المؤسف أن كثير من النخب الفلسطينية، ميزت ولا تزال بين احتلال واحتلال لنفس الأرض ولنفس الناس..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق