أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 11 نوفمبر 2018

حمّام إبراهيم الخليل













في حارة الدارية (بني دار) في الخليل القديمة، التي أراد المحتلون تحويلها إلى بلدة أشباح، يمكن سماع أصوات مجموعة كبيرة من تلاميذ المدارس، يحدثون ضجيجا في أحد المعالم الأثرية البارزة الذين أتوا لزيارته، وهو حمّام إبراهيم الخليل الذي يعتبر من أقدم حمامات فلسطين، ويعود تاريخه إلى عام 1266م في العهد المملوكي، وأنشأه ناظر الحرمين الشريفين بالقدس والخليل علاء الدين آيدغدي، الذي تحمس لإنشائه، إلى درجة أنه وضع مخططه ورسمه بالجير والرمل، ثم دفع به للمهندسين والبنائيين لينجزوه.  
             
يرد ذكر للحمّام لدى الحنبلي صاحب كتاب (الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل)، والذي يخبرنا أن الحمّام يتزود بالماء من عين الحمّام الخاصة به التي تنبع من وادي التفاح وعين السميقة التي تنبع من وادي سارة.
مدخل مهيب مغلق
يقف مصطفى جبريل، المسؤول عن الحمّام من قبل وزارة السياحة والآثار التي حولته إلى مركز للزوار، على علوٍ داخل أحد أقسام الحمّام، ليقدم للأجيال الجديدة نبذة عن تاريخ الحمّام، الشاهد على سطوع وغروب دول، ومجابهته لآخر احتلال قائلاً بأن الحمّام يتألف من ثلاثة أقسام، الحار والبارد والأوسط، وفه غرف للاستحمام وقاعات تعلوها قباب بها فتحت زجاجية للإنارة ومزينة على جوانبها بالمقرنصات، وفي الحمّام أيضا بيت للنار (القميم) لتسخين المياه.
ويقول الدكتور وائل حمامرة من وزارة السياحة والآثار: "احتلت الحمامات العامة مكانا رئيسيا في تخطيط المدن الإسلامية بالإضافة إلى الجامع والسوق والخان كنواة أساسية للنسيج العمراني".
وحسب حسب الدكتور وائل حمامرة، فان مساحة الحمّام تقدر بنحو 450 متر مربع، له مدخل مهيب مغلق الآن: "يقع الباب الأصلي للحمّام في جهته الجنوبية الغربية. استخدم في تزيين واجهته الأمامية الزخارف المملوكية المكونة من حجر الأبلق (حجارة مبنيىة في صفوف متبادلة بالألوان الأصفر الفاتح والأحمر والأسود) والمقرنصات التي منحت المبنى شكلا في غاية الدقة والتناسق الهندسي ويؤدي الباب إلى مجاز يوجد على جوانبه مكسلتين (مصطبتين) للجلوس، وفي نهايته مدخل جانبي يفضي إلى داخل الحمّام بحيث يوفر الخصوصية المطلوبة لمستخدمي الحمّام. اثر انتفاضة الأقصى عام 2000 أغلق المحتلون مدخل الحمّام، فتم استحداث مدخل خلفي في جهته الشمالية".
وكان صاحب الحمّام (المعلم) يجلس على مصطبة تسمى تخت المعلم تقع بجانب مدخل الحمّام ليستقبل الزبائن، ويضع الودائع والأمانات في صندوق خشبي مقسم إلى أقسام متعددة.
وفيه يخلع الزبائن ملابسهم عند دخول الحمّام، ويرتدون الزي الخاص بالاستحمام. ويعود المستحم إليه مرة أخرى بعد الانتهاء من جميع أقسام الحمّام لارتداء ملابسه.
القاعة الخارجية (البرّاني)
يتكون الحمّام من ثلاثة أقسام رئيسية مختلفة في وظيفتها ومتدرجة في حرارتها من البارد للمعتدل فالحار ومنها القاعة الخارجية التي يطلق عليها البرّاني، حسب حمامرة فإنها: "قاعة ذات حرارة باردة نسبيا تتكون من باحة مستطيلة الشكل مسقوفة بعقد له أقواس مدببة تعلوه قبة نصف كروية لها رقبة مضلعة يتخللها شبابيك صغيرة للإضاءة. واشتملت القبة على العديد من الفتحات المكسوة بسدادات من الزجاج الملون الذي يسمح بنفاذ الضوء وأشعة الشمس إلى داخل الباحة. تتوسط القاعة نافورة ماء مثمنة ويحيط بجوانبها مصاطب واسعة يتم الوصول إليها بدرج حجري. كانت تفرش بالأرائك والمساند والسجاد (المزاود) ليستريح عليها المستحمون".    
وكان في الحمّام درابزين خشبي تعلق عليه المناشف. ويوجد في واجهة المصاطب كوات صغيرة لوضع أدوات الاستحمام من ليف وصابون وقبقاب، واستخدمت هذه القاعة للراحة والحفلات واحتساء المشروبات المتنوعة وتدخين النرجيلة وتبادل أطراف الحديث بين زوار الحمّام.
يقول مصطفى جبريل: بعد أن ينهي الزبائن استحمامهم، يتوجهون إلى القاعة الباردة التي يجلسون فيها للراحة والمسامرة ومرات يستمعون إلى الحكواتي الذي يقرا لهم قصصا وحكايات شعبية، ويقيموا حفلات صغيرة للعرسان، تسمى حفلات وداع العزوبية"
القاعة الوسطى (الوسطاني)
أمّا بالنسبة للقاعة الوسطى التي أُطلق عليها الوسطاني، فيقول حمامرة: "هي قاعة معتدلة الحرارة وأصغر مساحة من القسم البرّاني، ويبقى المستخدم فيها فترة من الزمن ليتأقلم مع حرارة الحمّام قبل الدخول إلى قاعة الحمّام الحار (الجواني) وبعد الخروج منها، وهي محطة للراحة بعد الانتهاء من أخذ الحمّام الحار، وأرضيتها مبلطة بالبلاط السلطاني الحجري وتحتها يوجد سرداب متصل ببيت النار والمدخنة لتسخين القاعة وإخراج الدخان خارج الحمّام، وللقاعة سقف نصف برميلي فيه العديد من الفتحات مغلقة بسدادات من الزجاج الملون. وتتضمن القاعة إيوان (مقصورة) يستريح فيها المستحمون خلال فترة الاستحمام، أو أثناء تدليك الجسم، وتضم أيضا خلوة النورة عند مدخل القاعة الوسطى التي كانت تستخدم لإزالة الشعر وفيها صنبورين للماء البارد والساخن".
القاعة الحارة (الجواني)
والقسم الثالث هو القاعة الحارة (الجواني) ويصفها حمامرة: "هي قاعة مثمنة الشكل يتم الوصول إليها من خلال القاعة الوسطى عبر ممر ضيق ومنخفض للمحافظة على حرارتها، وأرضيتها مبلطة بالرخام السلطاني الملون (توجد فيها حاليا فتحة حديثة في المنتصف)، وسقفها مقبب مزخرف بالمقرنصات، وفيه فتحات مغلقة بسدادات زجاجية ملونة تسمح بمرور الضوء مضيفة جوًا جميلاً يبعث على النشاط والفرح، وفي بعض الأحيان تنزع هذه السدادات لتهوية الحمّام.
وتحتوي القاعة على ثلاثة ايوانات (مقاصير) بالقرب من الموقد (بيت النار)، ويوجد في كل واحدة منها حوض للماء الساخن أو أكثر يصله الماء عبر شبكة أنابيب فخارية والتي تقع تحت أرضية الحمّام وفي جنباته، وكان يتم في هذه القاعة فرك وتلييف الجسم (التكبيس)، وتتصاعد فيها الأبخرة نتيجة الحرارة العالية. وتضم زوايا  القاعة أيضا فيها أربع غرف تحتوي على أحواض للاغتسال مسقوفة بقبب صغيرة فيها فتحات مغلقة بسدادات زجاجية ملونة.
القميم
من أهم مكونات الحمّام التقليدي ما يعرف باسم القميم، الذي تسخن فيه المياه اللازمة لاستخدام الزبائن، وقميم حمّام إبراهيم الخليل يقع شرق القاعة الحارة، وهو قسم خارجي ملحق بالحمّام، وله مدخل خاص ومدخنة لطرد الدخان للخارج، وفيه أوني نحاسية (قدر) لتسخين الماء، وتستخدم فيه الأخشاب والمواد العضوية الأخرى القابلة للاشتعال ويرتبط الموقد مع القاعة الحارة والمعتدلة بشبكة من القنوات والأنابيب الفخارية التي تعمل على تسخين المياه وأرضية الحمّام في الأماكن المطلوبة لذلك.
وبجانب القميم، يمكن رؤية بركة المياه التي تتجمع فيها المياه التي تستخدم بعد تسخينها، والتي كان يتزود بها من عيون تقع خارج البلدة القديمة.
طاقم العمل في الحمامات القديمة
تتشابه الحمامات العامة القديمة في طريقة عملها، ويحدد الدكتور حمامرة أعضاء طاقم العمل في الحمّام التقليدي كما يلي:
*المعلّم: مالك الحمّام أو مستأجره، ويتولى إدارة الحمّام ويستلم من الزبون حوائجه الشخصية وأجرة الاستحمام.
*الناطور: يستقبل الزبائن وخدمتهم في قسمي البرّاني والوسطاني، وينوب عن المعلم في حال غيابه. يساعد الزبون في خلع ملابسه، ويقدم له المناشف الخاصة بالاستحمام، والمشروبات المتنوعة بعد الانتهاء من الاستحمام.
*الريس (المكيّس): ووظيفته تلييف وتفريك الزبون بالصابون والماء، ويقتصر عمله على داخل القسم الجواني للحمّام.
*التُبّع أو البلان: يعمل في جميع أقسام الحمّام وينظفه ويقوم على خدمة الزبائن، ويغسل رؤوسهم ويجهز خلوة (مقصورة) النورة، ويساعد المكيّس والناطور عند الحاجة. ويقوم التُبّع في بعض الأحيان بجميع مهمات الناطور.
*القميمي: وهو الذي يوقد النار ويسخن الماء في الموقد.
يقول حمامرة: عندما يكون الحمّام مخصصا لأوقات دخول النساء، فان طاقم العمل يصبح مكونا من النساء والذي يضم المعلمة والناطورة والاسطة (بمثابة الريس عند الرجال) والبلانة (بمثابة التُبّع عند الرجال).
توقف وعودة
حمام إبراهيم الخليل المملوكي، أعيد استخدامه أو تواصل في العهد العثماني ولهذا يسمونه، كما يقول مصطفى جبريل (الحمّام التركي).
توقف العمل في حمّام إبراهيم الخليل في ثمانينات للقرن الماضي، بسبب التضييق الاحتلالي الذي جعل العديد من أهالي البلدة القديمة في الخليل النزوح عنها، ولكن كان هذا أحد العوامل، يقول حمامرة: "ساهم التغير الاجتماعي، والثقافي والميل للحداثة والتطور الاستغناء عن الحمامات العامة لصالح الحمامات الخاصة في البيوت الحديثة، وتراجع جدواها الاقتصادي بسبب عدم قدرة أصحابها على تغطية التكاليف التشغيلية الأمر للذي أدى إلى توقف عمل حمّام إبراهيم الخليل".
أعيد استخدام حمّام إبراهيم الخليل كمتحف وذلك بعد قيام لجنة اعمار الخليل بترميمه عام 1997م بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، ولكن تم إغلاقه في عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وأغلق الاحتلال باب المتحف الرئيسي وتم الاعتداء عليه ونهبه من قبل المستوطنين وتحويل سطحه لثكنة عسكرية.
في عام 2015م، نفذت لجنة اعمار الخليل عملية ترميم شاملة للمبنى، ضمن خطتها لتشجيع السياحة في البلدة القديمة والحفاظ على التراث فيها، وحافظ الترميم على العناصر المعمارية والجمالية الموجودة في الحمّام كافة، وحولته إلى مركز لزوار البلدة القديمة، وخلال عملية الترميم غيرت اللجة الدخول إليه إلى مدخله الفرعي في حوش شاهين، نتيجة إغلاق قوات الاحتلال مدخله الرئيسي في منطقة الخان. في شارع السهلة التي كانت تسمى قنطرة الحمّام.
يقول مصطفى جبريل: "بتمويل من الحكومة الايطالية، تم ترميم كل أجزاء الموقع باستثناء السقف، لأنه يواجه موقعا عسكريا احتلاليا، وفشلت تدخلات عدة جهات لترميم السقف، وعدم ترمميه يؤثر على الحمّام، وفي أحيان عديدة تتسرب مياه الأمطار في الشتاء إلى داخل الحمّام، ووجود الجيش الاحتلالي يتسبب في مضايقات للزوار".
ويضيف: " مؤخرًا جرى اعتداء على الحمّام  من قبل جيش الاحتلال أدى إلى تهشم زجاج بعض النوافذ، وتم ذلك بينما كان في الحمّام زوار محليين وأجانب".
ونسج جبريل علاقات خاصة مع بعض الزوار، ويقول بأنه التقى: "شخصا أخبرني بأنه أخر مرة استحم فيها في الحمّام كانت في عام 1971م، وكان ذلك قبل خمسة عقود".
ويستقبل الحمّام، حسب جبريل، زوارًا من الجامعات والمدارس الفلسطينية، بأعداد كبيرة شهريا تصل إلى أكثر من 4 آلاف زائر.
يحتوي الموقع قطع أثرية قديمة، وهي بقايا القطع الأثرية التي كانت موجودة فيه عندما حوّل إلى متحف، قبل سنوات، وبعدها أصبح مركزا للزوار.




هناك تعليق واحد: