من أعجب الكرامات
(وكلها عجيبة غريبة فاتنة) لصوفيِّ، بالنسبة لي، ما ذكره الحنبلي شيخ مؤرخي فلسطين
عن الشيخ الصالح محمد المعروف بأكال الحَيّات، الذي توفي في القدس سنة 832ه
(1428م)، ودفن في مقبرة باب الرحمة.
يذكر الحنبلي بان
الشيخ الصالح كان يأكل الحَيّات، وغيرها من الهوام كالخنافس وما هو في معنى ذلك،
فيرى رحمه ورحمنا الله، الخنافس زبيبا والحية قثاء ونحو ذلك من ذوق متقدم أبداه.
شيخنا الصالح كان،
كما يقول الحنبلي من أكابر الصالحين ممن تنقلب له الأعيان ولعل ذلك من أعظم الأمور
بالنسبة للحنبلي ومثقفي عصره، فالقرب من السلطة غاية لا تدركها غاية، ومن كراماته
ومكاشفاته أنه كان يُرى على جبل عرفات مع الحجاج، ويصبح في القدس الشريف في يوم الأضحى،
وهذه برأي قدرة متواضعة، فمعظم أولياء الله الصالحين في فلسطين فعلوها، واجترحوا أكثر
من ذلك، مثل الراعي الفقير تيلاه من بيت سوريك، الذي طلب من أمه توزيع كعك العيد
على الفقراء، وأوكل رعاية قطيع الغنم إلى ذئب كان بالجوار، وطار إلى مكة، وعلى جبل
عرفات التقى شقيقه وناوله الكعك الساخن، وعاد إلى قطيعه، وعبر عن شكره الذئب بما
يجب أن يكون السخاء، بمنحه عنزة، وفيه قيلت الأشعار بالغة الروعة، ومنها هذا
المقطع:
ترى أوّل الليلْ حلو
شُعورْهم حلّوا
فرشوا سجاجيدْهم ع
الموجْ ما انبلّوا
ترى في أخر الليل في
حرم النبي صلوا
صلوا صلاة تفُك الكرب
وانْحلوا
لم يعش الحنبلي ليرى
كرامات الفقير الكريم تيلاه الذي أصبح قديسا شعبيا رغما عنه (عن تيلاه الذي رفض ان يكون قديسا).
إذن شيخنا الصالح أكّال
الحَيّات، بوسعه فقط أن يرى نفسه على اقرانه بالهوام التي يتمتع بها، وأحب أن
أتصوره في هذه الأيَّام، يقف في باب العمود، ينظر إلى جنود الاحتلال يتخيلهم حيات
وصراصير وعناكب، فيأكلهم وكأنه يتلذذ ببطيخ صيفيِّ أو موز أبو نملة، أو جوافة قلقيلية،
أو يتذوق طعمهم كباذنجان بتير ورمان بيتونيا، وبرتقال وادي قانا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق