أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

انتقام البطاركة…!






اسحق الشاميّ (١٨٨٩-١٩٤٩م) الكاتب الخليلي، الفلسطيني، العربي اليهودي، الصهيوني الإسرائيلي أو شبه الصهيوني وشبه الإسرائيلي، الكاتب بالعبرية عن مواضيع عربية؛ يصلح نموذجًا دراسيا وهو ما يحدث في الواقع، وين فترة وأخرى نجد اهتماما بأدبه.
رواية الشاميّ، الذي ولد ونشأ في الخليل، الوحيدة (انتقام الآباء) كتبها عام ١٩٢٨م، عن الصراع النابلسي-الخليلي. يتنافس أهالي أكبر مدينتين في الهضبة الفلسطينية الوسطى على إظهار القوة في موسم النبي موسي، نمر ممثل وفد نابلس يسابق أبو فراس ممثل وفد الخليل، الذي يسبقه إلى المقام ويثبت راية بيرق الخليل، ولكن نمر يسرع فيمزق البيرق ويقتل أبو فراس، ويفر إلي مصر، ليعيش مطاردا حياة بوهيمية رغم استقباله بفخرٍ من الجالية النابلسية في أرض النيل.
ولكن هذا لا يحول بعد فترة من أن يطارده شبح القتيل الخليلي، وتنهك مطالبه المالية عائلته، ومحاولاتها عقد بيرق الصلح مع الخلايلة. تنتهي الرواية بعودة نمر المريض المسن الكسير إلى مقام الآباء (البطاركة) إبراهيم ويعقوب واسحق (الحرم الإبراهيمي)، وهناك يلفظ أنفاسه بينما يرقبه الخلايلة وأقرباء القتيل، الذين يقنعون أخيرا بانتقام البطاركة، آباء العرب واليهود، وليس أفضل من هذا انتقام يليق بابنهم القتيل.
احتفى العرب دائما بأسطورة اليهود حول مقامات الآباء في الخليل، ويذكر الهروي، كيف اكتشف الصليبيون في عهد الملك بلدوين جثامين الآباء الأنبياء، وتتضمن الرواية كل العناصر الأسطورية اللازمة. نقل الهروي (في الإشارات لمعرفة الزيارات) عن غيره، ونقل عنه آخرون.
فُسرت رواية الشاميّ، التي يخل تلخيصها بقيمتها بتأويلات كثيرة، وهناك من رأى انها تمثل في الواقع الصراع العربي-الصهيوني، وهو ما تنبأ به الشاميّ الذي عاش في الخليل يرتدي الملابس العربية، حتى مغادرته إلى القدس مفارقا المجتمع اليهودي المثقل بالتدين والتقاليد، ولكن الجوهري إن عطش البطاركة للدم لا يروى، فحتى الآن يقضي فتية وفتيات برصاص جنود الاحتلال، على مقام البطاركة المقسم، في صراع لا ينتهي.
ولا شك ان هناك من يصل إلى المكان، خصوصًا من الفتيات، تشهر الواحدة منهن سكينا قصيرة، ليس بالضرورة فقط ضد الجنود، وإنما أيضا ضد التقاليد الاجتماعية، وهو أمر محظور الحديث عنه فلسطينيا، ولا يريد أحد أن يسمع صرخاتهن التي تغيب في الخطاب الثوري ضد الاحتلال.
البطاركة في الأرض المقدسة، لن يتخلوا أبدا عن عروشهم، وحتى الموت الاحتجاجي ضدهم، يصبح تقدمات قربانية لاستمرار البطاركة..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق