تعامل العباسيون مع
فلسطين، كأرضٍ مستباحة، وتوسع الإخباريون الإسلاميون في ذكر المجازر الإسلامية-الإسلامية
على أرض فلسطين، وموائد العباسيين على نهر العوجا، مستلذين بالطعام على وقع تأوهات
الجرحى الأمويين تحت الأَبْسِطَة، وإذا صدق راهب دير مار سابا في ما ذكره عن الحرب
الأهلية، فهذا يعني أن مدنًا عديدة مثل القدس وبيت جبرين وبيت لحم وغيرها تهدمت
خلال صراع أولاد العمومة.
مما سجله الإخباريون،
أن الخليفة أبو جعفر المنصور، جاء إلى فلسطين مرتين، إحداها عندما حضر إلى القدس
بعد الرجفة الأولى، وكان قد وقع شرقي المسجد وغربيه.
رفع المقدسيون الأمر للخليفة
الزائر ليرمم المسجد الأقصى بعد الزلزال، فقال بحسم: ما عندي شيء من المال، وسيؤكد
المسعودي في مروج الذهب صفة البخل لدى المنصور، حين يبخرنا بان خليفة المسلمين أمر
بقلع الصفائح الفضية والذهبية التي على أبواب المسجد وضرب بها دنانير ودراهم وأنفق
عليه حتى فرغ من إصلاحه عام 154ه 774م، وهو ما يطابق المثل الشعبي الفلسطيني (من
دهنه قللوله).
الإخباريون الرسميون
وشبه الرسميين، تجاهلوا أوضاع الناس في أمصار الخلافة، ولكن الأمر يختلف في
التاريخ المنسوب للمؤرخ السرياني ديونوسيوس دي تلمحري (وقد لا يكون له)، وهو
بمثابة تاريخ آخر، فنحن أمام وقائع عانى فيها المسلم أكثر من المسيحي؛ تطهير عرقي
وقتل وجباية ضرائب وردود فعل من فتن وثورات ومدعي نبوة، حتى أن الناس أكلت لحم
الموتى، وأُخذ الأطفال رهائن، مِن مَن لم يستطع إيفاء ما عليه من ضرائب.
التلمحري يصف العباسيين
بالفرس، وقد يكون ذلك بسبب الداعية العباسي أبو مسلم الخراساني، والأمويين بالعرب،
ويخبرنا عن ملك الفرس، ويقصد أبو جعفر المنصور: "..ومن قلينقس سار إلى الغرب
قاصدًا أورشليم لخوفه مما فعله بالجزيرة كلها من خراب وتدمير، وبني هيكلاً (محرابًا)
للمسجد الذي كان قد أصبح صغيرًا جدًا وأكمله المسلمون من بعده".
ويبدو أن المنصور لم
يكتف بابتكار حل لاعمار الأقصى، من صفائحه الذهبية والفضية، ولكنه أراد أن يكافيء
نفسه: "وأخذ امرأة من جديد، أي تزوج بامرأة من خربات أورشليم، وجعل يحاجج على
الناس لغاية مصادرة أموالهم وأتباعهم، حتى الأبقار التي كانت عمدة حياتهم سلبها
منهم ولم يترك أحدًا إلا والحسرة تأكل أحشائه وجري في أورشليم ما جري في الجزيرة
من خراب وتدمير، ولما استتب له الأمر سافر توقيا من الشتاء قاصدا الجزيرة ثانية لإكمال
مخططه الرهيب".
سافر تاركًا القدس
خرابًا، وربما معه تلك المرأة التي تزوجها من خرائب القدس، وهي بلغة اليوم من برّ
القدس، وربما من القدس الخربة نفسها..!
وفعل الكثيرون من
فاتحين وغزاة وخلفاء مثل المنصور، خربوا القدس وتزوجوا من بناتها..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق